حين نفكر بالاراضي الرطبة، لن تكون الجزائر المكان الذي يقفز الى الذهن. لكن هذا البلد الشمال افريقي، الذي يمتلك خطاً ساحلياً على البحر المتوسط طوله 1200 كيلومتر وهو محطة استراحة للطيور المهاجرة، فيه أيضاً أراض رطبة صحراوية في شكل واحات ومناهل ماء طبيعية في الصحراء الصخرية.
والجزائر عضو في اتفاقية رامسار منذ 1984، وهي اتفاقية دولية للاراضي الرطبة تم توقيعها في رامسار بايران عام 1971، وتوفر اطاراً للعمل الوطني والتعاون الدولي من أجل المحافظة على الاراضي الرطبة ومواردها واستغلالها الحكيم. وتضم الاتفاقية 123 بلداً. وقد تم تحديد 1045 موقعاً رطباً في العالم مجموع مساحتها 78,6 مليون هكتار، لتكون على قائمة رامسار للاراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية.
في 2 شباط (فبراير) 2001، أصبحت المناهل المائية الطبيعية في صحراء جزائر الأولى في العالم التي تم تضمينها في القائمة، كما باتت الواحات الجزائرية هي الأولى التي تم تضمينها في القارة الافريقية. وهناك الآن عشر مناطق في البلاد، مجموع مساحتها حوالى 600.000 هكتار، تحت الحماية بوصفها أراضي رطبة ذات أهمية عالمية.
حياة مذهلة
تتوزع الأراضي الرطبة في أنحاء الجزائر الشاسعة، بين المناطق القاحلة في الشمال والمناطق الثمينة في الصحراء الكبرى حيث تتدفق المياه. ومنذ تم تحديد هذه المناطق رسمياً، أصبحت تشكل أكبر كتلة من الأراضي الرطبة تتم حمايتها في بلد متوسطي. وأكبر منطقة رطبة تم تحديدها هي الشط الشرقي الذي يقع في الشمال الجاف ويغطي مساحة واسعة تبلغ 340,000 هكتار.
الطيور المهاجرة العابرة من أوروبا الى افريقيا تجد الاراضي الرطبة الجزائرية المكان المثالي للاستراحة بعد رحلة شاقة عبر البحر المتوسط. وقد تم تسجيل 71 نوعاً من الطيور المهاجرة في الجزائر، منها أنواع رائعة الجمال كالنحام (الفلامنغو) الزهري والاوز الرمادي والشهرمان الأحمر والحذَف المعرَّق والبط الأبيض الرأس والبط السماري وبط الصواي النهري. وتساعد حماية الأراضي الرطبة في المحافظة على جميع هذه الأنواع، لأن الواحات والمناهل المائية تبدو في الصحراء مثل جزيرة وسط محيط شاسع.
لكن بالنسبة الى البدو الرحل ونحو 20 ألف سائح يزورون الجزائر سنوياً (قادمين خصوصاً من فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا) تشكل هذه المياه الصحراوية، التي تنبع طليقة في أقسى الأماكن، رمزاً للحياة. كما أن الواحات والمناهل تستضيف كثيراً من أشكال الحياة التي عاشت منذ قديم الزمان في أصغر البرك الطبيعية، بسلام وفي معزل عن متغيرات عالمنا.
ويقوم الصندوق العالمي للطبيعة (WWF)، ضمن برنامجه "المياه الحية" الهادف الى تعزيز نظم المياه العذبة السليمة للناس والطبيعة حول العالم، باستكشاف أشكال الحياة المذهلة التي تعيش في واحات الجزائر ومناهلها.
روبيان في الصحراء
كانت الصحراء الكبرى قبل خمسة آلاف سنة مغطاة بالخضرة تتخللها الأنهار الدافقة. ويعتقد أن المناهل المائية هي بقايا تلك الحقبة الرطبة. وهي الملاذ الأخير لعشرين نوعاً من الأسماك، يعيش خمسة منها في هذه الصحراء فقط، كما تقول دنيز لاندنبرغ التي تحمل لواء حملة "المياه الحية". هذه الأسماك هي آخر البقايا الحية في منطقة كانت غنية وخصبة في ما مضى. وتحت اشراف الحملة، اكتشف في الآونة الأخيرة، نوع من الروبيان (الجنبري) قد يكون جديداً على العلم.
ان اكتشاف أسماك متوطنة وروبيان صحراوي يثير تساؤلات حول امكان وجود أنواع فريدة أخرى مختبئة في الصحراء وفي المناطق الغنية بالمياه. غير أن هذه الأراضي الرطبة، وغيرها في المنطقة، عرضة لتهديد مستمر من جراء تطاير الرمال وتوسيع المناطق الزراعية ومشاريع الامتداد المديني. والى ذلك، أدى الري المكثف لزراعات أحادية واسعة النطاق الى تخفيض منسوب المياه الجوفية في كثير من الواحات.
لذلك تتخذ الجزائر خطوة حماية يجدر الاقتداء بها للمحافظة على مواردها المائية وحياتها البرية. في بلد يحاول الخروج من تاريخ صعب ودخول حقبة جديدة من الاستقلال الاقتصادي، يستحق الاسلوب الجزائري في حماية الموارد المائية أكثر من نظرة عجلى.
قد يكون النفط مصدر دخل هام للجزائر، اذ درَّ 20 بليون دولار عام 2000 وحده. لكن هذا البلد شبه القاحل يعرف أن المياه مورد محدود، فضلاً عن كونه المصدر الثمين لكل الحياة. وإدراج الاراضي الرطبة الجزائرية في قائمة رامسار يدفع البلاد قدماً في لتأمين حاجاتها من المياه، مع المحافظة في الوقت ذاته على حياتها البرية وبيئتها الطبيعية.
ويمكن القول بحق ان روبيان الجزائر هو أسعد روبيان العالم حظاً!
ليزا حديد مديرة قسم الاتصال في برنامج "المياه الحية" الذي أطلقه الصندوق العالمي للطبيعة.