Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
مصطفى عاصي مجازر بحرية  
كانون الثاني (يناير) 2002 / عدد 46
 تتهدد البيئة البحرية مخاطر لا تحصى. وتنضب ثروتها السمكية والنباتية يوماً بعد يوم نتيجة الصيد الجائر، وخاصة بالطرق غير المشروعة التي يصل بعضها إلى حد الجناية. ومن هذه الطرق الصيد بالديناميت، وهو شائع على الشواطئ اللبنانية، وحتى قريباً من مطار بيروت الدولي في محلة الاوزاعي. ويقدم عليه ليلاً ونهاراً وعلى رؤوس الاشهاد أشخاص معروفون من دون أن يبادر أحد جدياً إلى وقفهم.
يشكو عدد كبير من الصيادين والغطاسين، فان البحر المقابل للاوزاعي بات أشبه بساحة حرب ترمى فيها أطنان من أصابع الديناميت، في تخريب خطير للبيئة البحرية وانتهاك لسلامة الصيادين. ويقول الغطاس بسام بقيلي ان الصيد بالديناميت يبدأ من منطقة الغواصة (حيث غرقت غواصة فرنسية في الحرب العالمية الثانية)، شارحاً: "هذه المنطقة تضرب بالديناميت يومياً، وخصوصاً بعد الساعة الثانية فجراً، لدرجة أن القريب منها قد يظن أن حرباً بالمدفعية تدور في عرض البحر". وفي تحايل لاخفاء دوي الانفجارات، يعمد الفاعلون إلى إلقاء المتفجرات لحظة عبور الطائرات فوقهم، فيضيع الدوي مع الهدير.
ومسرح العمليات لا يبعد أكثر من كيلومتر واحد من الشاطئ، والضرر لا يقتصر على تخريب البيئة البحرية، بل يصيب السياحة أيضاً. فمنطقة غرق الغواصة الفرنسية هي مقصد لعدد من السياح، ولا سيما الفرنسيين الذين يأتون إلى لبنان خصيصاً لرؤيتها. ويقول بقيلي: "يبدو أنه كان لتلك الغواصة شأن في البحرية الفرنسية. لقد غرقت على عمق 35 متراً قبالة مدرج مطار بيروت في أول منطقة خلدة. إنها غواصة ضخمة، ولا نعرف اسمها لأن غطاسين سرقوا معظم معداتها واللوحة التي كتب عليها الاسم. ويتركز رمي الديناميت في محيطها وعليها، لأن السمك يعشش فيها ويتغذى من النباتات النامية على حديدها".
والغطاس بقيلي هو من الذين تأثروا كثيراً من صيد الديناميت، حتى رأى الموت بعينه قبل سنوات حين كان يغطس مع محمد السعيدي في منطقة الروشة. يومئذ رمى صيادون رزمة ديناميت على مقربة منهما، فغاب هو عن الوعي، وسقط موصل الاوكسيجين من فم رفيقه. وفي حادثة ثانية مكث في المستشفى ثلاثة أشهر، اذ رمى صيادون أصابع ديناميت حيث كان غاطساً بعدما ظنوا من حركته وفقاقيع الهواء المتصاعدة أن ذلك مؤشر لوجود غلة من الاسماك. والتفجير ممارسة خطرة على أصحابها أيضاً، فرب صياد قتل أو فقد أحد أطرافه نتيجة تفجيره الديناميت.
تهريب المتفجرات
الغطاس علي المقداد، المسؤول في نقابة الغطاسين المحترفين، يقول ان بحر بيروت خالٍ من صيادي الديناميت باستثناء الاوزاعي. "فمن هذه المنطقة ينطلق الصيادون برزم الديناميت وصولاً إلى خلدة. كما يتركز رمي الديناميت في بحر الدامور والسعديات والجية. هذه المنطقة مقصودة لأنها صخرية وقليلة العمق، والاهم من ذلك لأنها خارجة عن السيطرة والمراقبة الامنية، ضائعة بين الغرفة البحرية التابعة للجيش اللبناني في بيروت وغرفة صيدا، اذ ان كلاً منهما تعتبر منطقة الدامور والسعديات خارج نطاق عملها". ومع أن نقابة الغطاسين تبلّغ الأجهزة الامنية المختصة في القوات البحرية وقوى الامن الداخلي عن وجود صيادين بالديناميت، وتعطي اسماءهم، وتدعو للقبض عليهم بالجرم المشهود، ففي كل مرة يتم إطلاق سراحهم بعد أيام. ويقول المقداد: "لا نعرف السبب ولا الغطاء الذي يحمي هؤلاء. وأخطر من ذلك أن بعض الصيادين يخبئون المتفجرات في فجوات داخل جدران قريبة جداً من المطار. فماذا يمنع أي شخص من إدخال متفجرات إلى المطار اذا أراد". ويشير إلى ان مسؤولية تفتيش مراكب الصيادين للتأكد من خلوها من المتفجرات، عند انطلاقها من المرفأ ولدى عودتها، تقع على عاتق مديرية المخابرات في الجيش اللبناني. "لكن الصيادين يفلتون بسهولة من التفتيش، فالمركب يخرج من المرفأ خالياً من المتفجرات، ثم يبحر عشرات الامتار ليلاقي شخصاً يكون بانتظاره محملاً بالمتفجرات قرب مسبح في الاوزاعي".
أسماك اختفت في صحراء بحرية
إن للصيد بالديناميت انعكاسات على البيئة البحرية. يقول الغطاس بقيلي: "قاع البحر ريف طبيعي خلاَّب عمره ملايين السنين. لقد هشَّم الديناميت هذا الريف، وغيَّر التضاريس، ففقدنا التنوع البيولوجي. خسرنا، على سبيل المثال، حيوان الاسفنج الذي يلعب دوراً مهماً في تنظيف مياه البحر، وخسرنا مساحات كبيرة مغطاة بالاعشاب البحرية".
ويقتل الديناميت جميع أنواع السمك، كبيرها وصغيرها، من دون تمييز. ويكشف الغطاس المقداد أن التفجير يتم أحياناً على أبعاد تصل إلى 100 أو 150 متراً، حيث تبيض الاسماك، فتموت البذار والاسماك الصغيرة والكبيرة. والذي يؤسف له أكثر أن الصيادين لا يحصلون إلا على نحو 10 في المئة من الأسماك النافقة، فمعظمها يغرق إلى القاع ولا يطفو الا القليل، فيحضرون صباحاً من أجل جمعه".
والواقع أن إلقاء الديناميت في هذه الاعماق يأتي طمعاً بصيد سمك "اللقس الرملي" لأن سعره غالٍ وحجمه كبير، فالسمكة الواحدة تزن ما بين كيلوغرامين وخمسة كيلوغرامات، وثمن الكيلوغرام الطازج نحو 35 ألف ليرة لبنانية (23 دولاراً). ويقول المقداد: "بفضل الديناميت لم يعد في بحرنا سمك. معظم الانواع اختفت، فمنذ عشرات السنين كنا نشاهد أنواعاً لم نعد نراها اليوم".
ويعتبر اقتناء المتفجرات واستعمالها جرماً يعاقب عليه القانون اللبناني. لكن ذلك يبقى مجرد "تنظير" ورد في قانون العقوبات. فصيادو الديناميت يعملون بمطلق الحرية من دون ان يعاقبهم أحد. ويستطيع أي صياد شراء المتفجرات لأنها متوفرة في السوق، وخصوصاً عند أصحاب المقالع والكسارات الذين يسمح لهم القانون باستيرادها بموجب رخص تصدر عن وزارة الداخلية. فهؤلاء، بعد أن ينهشوا الجبال، يبيعون ما يفيض عنهم للصيادين كي ينهشوا البحر.
ويمكن للصيادين تصنيع المتفجرات يدوياً بواسطة أنواع من الاسمدة الزراعية الكيميائية. يقول المقداد: "أي صياد قادر على صنع المتفجرات. فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام مادة النيترات، عبر غليها واضافة السكر اليها وخلطها لصنع المتفجرات في نصف ساعة". وقد طلبت قيادة الجيش اللبناني من وزارة الزراعة مؤخراً التشدد في السماح للمزارعين باستيراد أنواع محددة من الاسمدة الكيميائية التي تصنع منها المتفجرات.
ينص قانون الصيد البري والبحري المعمول به في لبنان منذ عام 1921 على انه "ممنوع بتاتاً استعمال المواد المتفجرة للصيد". ويحدد غرامة لا تذكر على المخالف. ولأن هذا القانون لم يعد يتلاءم مع متطلبات العصر والواقع الحالي، تقدم النائب في البرلمان اللبناني نزيه منصور عام 1999 باقتراح قانون لحماية البيئة البحرية، محذراً من أن الصيد بالديناميت لم يعد مخالفة بل أصبح يعتبر جرماً جنائياً. ويقول منصور ان معظم الدول، وخاصة دول حوض البحر المتوسط، سنت قوانين تعاقب على هذه الجرائم، حتى أن بعضها ضاعف العقوبة لتصل إلى الاعدام، كما في مصر واليونان والاردن، بينما في لبنان ما زالت لا تتجاوز عقوبة الجنحة. وينصّ القانون المقترح على ما يأتي:
- يمنع منعاً باتاً الصيد البحري بواسطة المتفجرات أو المفرقعات، أياً كان نوعها، سواء كانت مصنعة محلياً أو خارجياً، وتحت أي عنوان، ومهما كان نوع المواد المصنعة منها.
- يعاقب بالحبس من 3 إلى 5 سنوات كل من يقدم على استعمال المواد المتفجرة أو اقتنائها أو بيعها أو تصنيعها بهدف الصيد البحري، وبغرامة مالية لا تقل عن خمسة ملايين ليرة لبنانية (3300 دولار).
- تُصادر جميع المعدات والمواد المتفجرة التي قد تستعمل في الصيد البحري، وكذلك الاسماك المصطادة.
حتى الآن لم يتحول اقتراح القانون إلى قانون، رغم إقراره لدى لجنة الادارة والعدل النيابية ولجنة الزراعة والسياحة بعد ادخال تعديلات عليه ورفع الغرامة إلى 7 ملايين ليرة (4600 دولار) ومعاقبة من يشتري الاسماك المصطادة بالمتفجرات وهو يعلم بذلك.
وتعتبر وزارة الزراعة، بحسب النصوص، مسؤولة عن حماية الثروة السمكية. لكن أحد مستشاري وزير الزراعة يقول ان دورها يقتصر على وضع الأطر القانونية، كتحديد طرق الصيد وأوقاته، وان لا دخل لها في ملاحقة صيادي الديناميت ولا قدرة لها على ذلك. هذا مع العلم أن ضمن هيكلية الوزارة ما يسمى "شرطة السواحل"، وهي فرقة مؤلفة من 190 عنصراً، لكن لا يعرف ما هو دورها وعملها، فهي غير مجهزة بشيء: لا ألبسة، لا مراكب، لا أسلحة. وأعظم ما يمكن أن تقوم به إجراء دورية راجلة على الشاطئ أشبه ما تكون بالنزهة.
أمام هذا الواقع وضياع المسؤولية، يستمر صيد السمك بالديناميت على نطاق واسع، حصوصاً في منطقة الاوزاعي. والمعالجة تحتاج إلى تحديث قانون الصيد، ربما بدءاً باقرار اقتراح القانون المقدم مع تعديلاته، وأهم من ذلك تطبيق مضمونه على الجميع.
كادر
العميد مخلوف: نقبض على المخالفين فيفلتون
يقول العميد جورج مخلوف، قائد الغرفة البحرية في بيروت، ان القوات البحرية تلقي القبض من وقت إلى آخر على صيادي الديناميت وتسلمهم إلى القضاء العسكري. لكن القضاء العسكري يطلق سراح الموقوفين، لأنه بحاجة إلى دليل حسي يؤكد الجرم، أي يجب تقديم الديناميت المصادر أو السمك النافق بالتفجير أو أي دليل آخر. ويضيف: " نقول للقضاء اننا رأيناهم بأعيننا، لكن ذلك لا يكفي. نحن نؤكد والصيادون ينفون، فمن يصدق القضاء؟" والحصول على دليل حسي، أو القبض على الفاعل بالجرم المشهود أمر صعب جداً. فالدوريات ليست موجودة في البحر ليلاً ونهاراً، اذ لا إمكانية لذلك، ومراكبها ليست سريعة كفاية كي تباغت صيادي الديناميت. وحين يشاهد هؤلاء دورية الجيش قادمة من بعيد، يرمون أصابع الديناميت في البحر ويبتعدون، بعد أن يعلّقوا بها عوامات ويعاينون مكانها. وعندما تغادر الدورية يعودون لتفجيرها.
ويشير العميد معلوف إلى أن "الشاطئ ليس من اختصاصنا، بل من اختصاص قوى الامن الداخلي. أما المرافئ الشرعية ففيها مفارز لمديرية المخابرات في الجيش اللبناني". وهو يشكو من الاخباريات والتبليغات الكاذبة التي تصل إلى القوات البحرية، وتحديداً من منطقة الاوزاعي. فالمبلغ لا يعطي اسم المركب ولونه ونوعه، ولا أسماء الصيادين على متنه، "وبعض البلاغات تصلنا من صيادي الديناميت أنفسهم عن زملاء لهم، لأنهم يريدون أن ينفردوا في إلقاء الديناميت".
فما العمل؟ يقول العميد معلوف ان الحل هو في تزويد القوات البحرية بزوارق سريعة تصل في غضون دقائق إلى موقع المخالفين، وقيام غرفة العمليات البحرية المشتركة بدورها، وتعاون المواطنين والصيادين بصدق مع الاجهزة الامنية.
كادر
أيهما يبتلع نواكشوط
البحر أم الصحراء؟
تلتقي في العاصمة الموريتانية نواكشوط حبّات الرمل الزاحفة من الشرق بتلك المسروقة من حزام البحر غرباً. ويستخدم البناؤون الرمل الابيض المسروق من غرب المدينة في تشييد قصور وبيوت تأتي رمال الشرق فتردمها، فيما يزداد الخطر من تقدم البحر والصحراء في اتجاه المدينة.
الرمل، والبحر، والصحراء ثلاث كلمات تحمل مزيجاً من الجمال والرهبة، ولكنها بالنسبة الى مدينة نواكشوط، الواقعة بين فكي بحر "مطعون" من الخلف وصحراء تلسعها الرياح على مدار الفصول، تعني الأمل والخوف من المجهول. فالبحر يرطب مساءات المدينة الحارة صيفاً، ويزخر بثروة سمكية هائلة تساهم في غذائها وتمدها بالعملات الصعبة. ويعلق كثيرون الامل على الشاطئ الرملي الجميل، الذي لم تستغل امكاناته السياحية الكبيرة كما ينبغي.
ولكن، هل يتحول المحيط الاطلسي الى كارثة للعاصمة الموريتانية؟ سؤال غريب، يطرح من حين الى آخر حينما ينتبه الموريتانيون الى عمليات النهب التي ينفذها تجار يحولون الرمال الزاحفة مادة للبناء تقوم عليها مدينة تتمدد في شكل لافت على حساب الرمل والبحر. فمن يسبق الآخر الى ابتلاع نواكشوط، البحر أم الصحراء؟ سؤال في غاية التشاؤم، لكنه يستند الى بعض الحقائق المرّة.
لقد عادت الاصوات المحذّرة من غرق العاصمة الموريتانية الى الارتفاع. ويقول خبراء ان استمرار تجار الرمل في "انتهاك عرض البحر" يشكل خطراً بالغاً على المدينة، خصوصاً أنها تقع في مستوى أخفض من مستوى الماء.
وتمنع السلطات استخدام رمال البحر. لكن مقالع الكثيب الرملي الذي يقف حاجزاً بين المدينة والبحر تبدو محببة الى قلوب الباعة، لصفائها وانخفاض كلفة نقلها مقارنة بمقالع اخرى في مناطق أبعد.
ولا يعتبر الرمل مادة نادرة، بل، على العكس، تنفق الحكومة الموريتانية الكثير من المال في حرب ضروس ضد الرمال الزاحفة التي تتقدم على حساب المساحات الصالحة للزراعة وتعرّض مدناً صحراوية عديدة للخطر.
تخوض السلطات في نواكشوط حربين متعارضتين في الظاهر: واحدة ضد الرمل، وأخرى لصالحه. وتعمل وزارة التنمية الريفية والبيئة جاهدة لمنع ابتلاع الصحراء مدناً ومساحات زراعية جديدة، في حين تعمل السلطات الادارية والبلدية في العاصمة على ألا يسقط حزام البحر، فتسقط معه المدينة بسكانها الطيبين، وتغرق البيوت الحلال، وتلك المبنية بالمال المسروق من خزينة الدولة، وبالرمال المسروق ليلاً من حزام البحر.
الشيخ بكاي ("الحياة"، نواكشوط)
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.