الدكتور سيد حسن شرف الدين واحد من نفر قليل من المشتغلين بالعلم في عالمنا العربي، لا يغيب عنهم أن يولوا جانباً من جهدهم وفكرهم للمجتمع، خارج قاعات الدرس ومختبرات البحث الاكاديمية. انه الآن استاذ غير متفرغ في قسم علوم البحار بجامعة الاسكندرية. وكان، قبل أن تنتهي مدة خدمته القانونية، يجلس في مقعد استاذ الفيزياء البحرية في القسم ذاته الذي تولى رئاسته لتسع سنوات. وبالاضافة الى مهامه الوظيفية الرسمية، يشارك في أنشطة متعددة. فهو، على سبيل المثال، يعد ويقدم برنامجاً أسبوعياً عن البحر في محطة التلفزيون المحلية للاسكندرية. كما أنه خلف الدكتور حامد جوهر في تقديم برنامج "عالم البحار" الشهير على القناة الثانية من التلفزيون المصري. وهو يساهم بالرأي والمشورة في كل القضايا المتصلة بالبيئة البحرية.

وقد وجهت اليه أخيراً دعوة من هيئة مختبرات البحرية الأميركية، ليكون واحداً من ستين عالماً اختيروا من تسع دول للمشاركة في حلقة بحث ودراسة، حول واحد من أهم الموضوعات ذات الطابع الاستراتيجي التي تشغل بال المهتمين بالطاقة ومصادرها وسياساتها في عالمنا المعاصر. فتلك الحلقة، التي عُقدت في العاصمة الأميركية واشنطن في أيلول (سبتمبر) 2002، دارت حول اكتشافات لمصدر جديد للطاقة يدعى (الميثان هيدرات). وهو، كما يقول الدكتور شرف الدين، عبارة عن رسوبيات تتكون عند قاع البحر في مواقع عديدة من الكرة الأرضية، نتيجة تفاعل فيزيائي ـ كيميائي بين الغاز الطبيعي ـ الميثان ـ والماء، في وجود البكتيريا، مع توافر ضغوط عالية. انه مصدر للطاقة معروف منذ عقود، غير أن الاهتمام به تزايد في الآونة الأخيرة في سباق البحث المحموم عن مصادر جديدة للطاقة، بعد أو أوشكت المصادر التقليدية التي عاشت عليها البشرية حتى الآن أن تنفد. ويضيف: "انه مصدر مبشّر بكل المقاييس. ويكفي أن أذكر لك ان السنتيمتر المكعب الواحد من رسوبيات الهيدرات يعطي، بعد معالجته وتهيئته للاستهلاك، 150 ضعفاً من الغاز الطبيعي. وثمة تقديرات تفيد بأن مواقع تجمع هذه الرسوبيات، التي تم رصدها حتى الآن، يمكن أن تنتج 270 مليون تريليون قدم مكعب (7,65 بليون متر مكعب، أو 7,65 بليون كيلومتر مكعب) من الهيدرات في السنة. وتشير التقديرات أيضاً الى أن المخزون العالمي من هذا الوقود الجديد يكفي لإمداد العالم بالطاقة لمئات السنين".

كان الرجل يتحدث بحماسة شديدة يحسده عليها الشباب، حتى أننا لم نشأ أن نتدخل كثيراً حرصاً على تدفق أفكاره. واستمر حديثه عن حلقة العمل، وهي الثانية حول هذا الموضوع، اذ عقدت الاولى قبل سنتين. لقد تم اختيار العلماء المشاركين من مختلف التخصصات: علوم حياة، علوم بحار، كيمياء، كومبيوتر، تكنولوجيا، اقتصاد، قانون دولي... "وقد شاركنا في هذه الحلقة ببحث عن احتمالات تواجد رسوبيات الهيدرات في مياه البحر المتوسط المصرية. وهي احتمالات شبه مؤكدة، خصوصاً في منطقة مصب نهر النيل، على عمق حوالى 500 متر عند المنحدر القاري بين دمياط ورشيد، وقد تمتد شرقاً الى العريش. ويهمنا هنا أن نشير الى أن لدى إسرائيل نشاطاً علمياً في هذا المجال، وهي تتكتمه، ولا بد أنها اكتشفت هذه الرسوبيات السحرية في مياهها، فلها الطبيعة الجيولوجية ذاتها لقاع البحر المتوسط". ولفت الى ضرورة اجراء الدراسات التمهيدية وأعمال الاستكشاف لرصد رسوبيات الهيدرات في كل المياه العربية، علماً أن الهيدرات مرتبطة الى حد كبير بالغاز الطبيعي، وليس بالنفط.

وكنت أعلم أن الدكتور شرف الدين سعى للاتصال بالادارات المسؤولة عن قطاع البترول في مصر قبل أن يسافر للمشاركة في حلقة عمل البحرية الأميركية، لدعمه بالمعلومات ولتنظيم نوع من التعاون معها. غير أنه لم يجد أذناً صاغية، وكأن القضية لا تهم أحداً غيره. بل إنه فوجئ بأن بعض العاملين في تلك الادارات لا يعرفون شيئاً عن هذا الموضوع الحيوي.

ويعد الدكتور شرف الدين لانشاء مركز لدراسات الهيدرات، مقره الاسكندرية، ومهمته تجميع البيانات والدراسات المتصلة بهذه الثروة، وتحليلها، وتهيئتها لتكون في متناول متخذي القرار والجهات التنفيذية، "حتى إذا حانت ساعة العمل وجدنا قاعدة معلومات داعمة، فلا نبدأ من فراغ".