"للمرة الأولى نرى أصدافاً كبيرة على شاطئ عكار"، قالت عفت ادريس شاتيلا، مضيفة: "بل للمرة الأولى نرى رمل عكار! كنا في السنوات السابقة نمشي على نفايات".
حملة "الأزرق الكبير" التي تنظمها جمعية "سيدرز للعناية" منذ ثماني سنوات، شملت هذه السنة الشاطئ اللبناني من الناقورة على الحدود الجنوبية حتى العريضة على الحدود الشمالية. وشارك فيها أكثر من 300 متطوع من مدارس وجمعيات وأندية وبلديات، بمؤازرة نحو مئة عنصر من الجيش اللبناني. وعمل المتطوعون على جمع النفايات وفرزها وتوضيبها ونقلها الى مصانع اعادة التدوير أو الى المكبات. وساهمت جرافات وشاحنات تابعة للجيش في هذه المهمة. كما شارك غواصون في التنظيف تحت الماء.
الشواطئ هذه السنة أنظف من ناحية النفايات الصلبة، فمعظم تراكمات الحرب أزيلت، والبلديات الساحلية تنظف أكثر الآن. "لكن النفايات السائلة كارثة"، قالت شاتيلا، وهي تنصبّ في البحر من مجارير الصرف المنزلي والصناعي والمستشفيات، وأيضاً من الأنهار التي تحمل سموم الأسمدة والمبيدات الزراعية وأدوية مزارع الدواجن وغيرها. وقد ناشدت الجمعية المواطنين عدم السباحة والصيد قرب مصبات المجارير وأكل الثمار البحرية القريبة من الشاطئ، وخصوصاً التوتياء والأصداف، بسبب تراكم المعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم، وربما معادن أشد خطورة. وتجري الجمعية حالياً دراسة لمدة خمس سنوات تشمل المراقبة الحيوية (biomonitoring) للشاطئ اللبناني على أعماق تراوح بين 6 أمتار و15 متراً، وفحص نسبة الفلزات الثقيلة ومدى تحملها في الأحياء البحرية، خصوصاً التوتياء والصدف والاسفنج.
حملة "الأزرق الكبير" التي نظمت في تشرين الأول (اكتوبر) سبقتها قبل أسبوع، في اليوم العالمي لتنظيف مناطق الغوص والشواطئ في 25 أيلول (سبتمبر)، "حفلة" لتنظيف شاطئ رأس بيروت شارك فيها 140 متطوعاً بينهم 90 غطاساً، ونظمها المعهد الوطني للغوص وطلاب مدرسة الجالية الأميركية، وذلك انطلاقاً من مسبح "الريفييرا".
فهل ينجح العمل الأهلي التطوعي في تنظيف 226 كيلومتراً من شواطئ لبنان وأعماق بحره؟
كادر
جوانا: الزرقاء الكبيرة
فقد لبنان، بل العالم، الناشطة البيئية المهندسة جوانا محمود شاتيلا.
كانت جوانا عضواً في جمعية الخط الأخضر ومتطوعة في منظمة غرينبيس لبنان. وكانت البيئة همها الأول، كرست علمها وحياتها وقلبها الكبير في سبيل حمايتها.
كنت أطلبها في منتصف الليالي للمساعدة في مشروع حماية السلاحف البحرية في المنصوري والزهراني في جنوب لبنان. فكانت "تركض" من بيروت في سيارتها الجيب الحمراء المكشوفة التي زينت داخلها بالاصداف والورود البرية، وتسهر الليل الطويل على الشاطئ رغم ظلماته الدامسة، لتحمي سلحفاة لا حول لها من عبث الانسان والحيوانات المفترسة، كي تضع بيوضها بأمان تحت رمال الشاطئ. وكانت أيضاً بالانتظار لمد يد المساعدة اذا دعت الحاجة عندما تفقس البيوض وتهرول صغار السلاحف في اتجاه البحر.
وكانت عندما تغوص تحت الماء تنصرف الى جمع النفايات وخاصة البلاستيكية. وكنت أعاتبها دائماً: "اليوم ليس الازرق الكبير يا جو، تمتعي بالغطسة، لا تلتهي بالزبالة". فكانت ترد ببراءة الاطفال: "قد ترى سلحفاة هذا الكيس فتحسبه قنديل بحر وتبتلعه فتختنق وتموت". بالفعل، كان كل يوم غوص بالنسبة الى جوانا "الازرق الكبير".
من لبنان انطلقت جوانا وتطوعت في بواخر غرينبيس لتجوب أرجاء العالم فتناضل وتعمل من أجل بيئة عالمية أفضل للانسان. وهذا كان حلمها الكبير.
رحلت جوانا في عز شبابها، في عز عطائها، في بداية المشوار. رحلت وتركت جرحاً ودمعة في قلوب كل الذين عرفوها أو عملوا معها يوماً، في زرع شجرة أو اعتصام أو حملة توعية أو حملة نظافة فوق الماء أو تحته.
محمد السارجي
|