عندما نفكر في شبه الجزيرة العربية، فإن أول ما يخطر ببالنا الكثبان الرملية والشمس الملتهبة وندرة المياه. لكن في الماضي القريب كانت الجزيرة العربية مروجاً خضراء وغابات تروى بأمطار غزيرة. ولعل الدراسة التي توصلت إلى هذا الاستنتاج تساعد على معرفة متى وكيف غادر البشر الأولون قارة أفريقيا حيث يعتقد العلماء أن الجنس البشري بدأ هناك. فإذا كانت "الجزيرة العربية" خصبة وخضراء، فمعنى ذلك أنها كانت المكان الملائم الذي هاجر إليه الإنسان.
يقول آش بارتون، الأستاذ في جامعة أوكسفورد البريطانية: "كانت هناك فرص أمام البشر ليغادروا أفريقيا أكثر مما كان يعتقد في السابق"، مضيفاً: "لم يكن باستطاعة أسلافنا، الذي كانوا يعيشون على الصيد، أن يعيشوا في أماكن مختلفة من الجزيرة العربية لو كانت كما هي الآن".
ويمتد المحيط الهندي على الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، حيث يسود مناخ الأمطار الموسمية، بينما بقية شبه الجزيرة مجرد صحراء مع وجود بعض الواحات. ويعتقد فريق بحثي تحت إشراف بارتون أن العصر المطير يصل إلى شبه الجزيرة العربية كل 23 ألف سنة، فيتيح المجال لازدهار الحياة النباتية والحيوانية.
وقد نشر الفريق نتائج أبحاثه في مجلة "ذا جورنال أوف جيولوجي".
يعتقد علماء أن الإنسان نشأ في أفريقيا قبل نحو 200 ألف عام. وبعد ذلك غادر بعض البشر إلى أوروبا وآسيا، ومن هناك انتشروا في بقية أرجاء العالم. لكن ليس معروفاً متى غادر الإنسان أفريقيا على وجه التحديد، وأي سبيل سلك عند خروجه منها.
الفكرة الأكثر شيوعاً هي أن هؤلاء البشر غادروا أفريقيا قبل نحو 60 ألف سنة، واتخذوا طريقهم عبر ساحل شبه الجزيرة العربية، ومن هناك إلى آسيا. وهذا يعني أنهم مكثوا في أفريقيا نحو 140 ألف سنة. ويعتقد عدد آخر من علماء الآثار أن أول هجرة بشرية من أفريقيا كانت قبل 130 ألف سنة.
يقول باترون: "لدينا دليل على أن البشر تمكنوا من الانتشار خارج أفريقيا إلى الشرق الأوسط قبل 130 ألف عام، لكن كثيراً من الناس كانوا يعتقدون أن هذا التمدد توقف بسبب صحراء الجزيرة العربية".
يوضح باترون أنه توصل وفريقه إلى أن جزيرة العرب مرت بفترات مختلفة من العصور المطيرة، مما أدى إلى ظهور نباتات عالية وغابات كثيفة، وهذا جعلها مكاناً مقبولاً للعيش، مما يؤيد فكرة حدوث الهجرة في وقت مبكر. وهم درسوا مجاري الأنهار الجافة جنوب شرق الجزيرة العربية، وعثروا على آثار طين وحجارة من قاع نهر تعود إلى 160 ألف عام.
ولدى علماء الجيولوجيا دلائل على وجود خمس فترات مطيرة مرت بها تلك المنطقة، تدفقت خلالها الأنهار وجرفت معها الحجارة والحصى، واستقرت هذه الحجارة عندما جفت الأنهار وانحسرت مياهها. وكانت أولى هذه المراحل المطيرة في الفترة ما بين 160 و150 ألف سنة مضت. وتمثل كل مرحلة مطيرة فرصة انتقل خلالها البشر من أفريقيا إلى آسيا.
وكانت دراسات سابقة بينت أن هطول الأمطار ازداد خلال هذه الفترات، لكنها لم توضح كميات الأمطار. ففي صحراء ملتهبة، قليل من المطر لا يصنع فرقاً يذكر. لكن الدراسة الجديدة تظهر أن زيادة كميات المطر كانت كبيرة لدرجة تجعلها تُحدث تغييراً في الطبيعة.
يقول باترون: "السجل البيئي لدي يتطابق تماماً مع سجلات الآثار الموجودة بالفعل. وهذه السجلات تشير إلى وجود حركات نزوح وهجرة بشرية إلى شبه الجزيرة العربية". (BBC Earth)