Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
أيار/مايو 2012كنوز مغمورة في الكهوف المائية
  • الوصول الى الكهوف المائية صعب جداً، إذ تقع فوهاتها غالباً في الأدغال الكثيفة
  • أرتورو غونزاليس وزميلته كارمن روخاص يبحثان عن آثار في بالوع دوس أو خوس
  • غونزاليس يناقش باحثين في جامعة مكسيكو حول جماجم وجدها في بواليع بوكاتان
  • غونزاليس ومساعدته ماريا كورييل قبيل غوصهما في بالوع إل تمبلو
  • غونزاليس عند فوهة كهف مائي
تتميز شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك بطبيعة أرضها المستوية نسبياً، حيث لا توجد أنهار لأن الحجارة الكلسية تمتص مياه الأمطار بسرعة لتجري تحت الأرض وتصبّ في البحر. وهناك مجموعة من البواليع، أو الأغوار، يطلق عليها السكان المحليون اسم «سينوتيس» (Cenotes)، حيث انهارت سقوف الكهوف المائية. وقد أتاحت تلك البواليع للسكان الوصول إلى المياه العذبة على مر القرون، بينما أثارت الكهوف الموجودة تحت فتحاتها فضول المغامرين، على رغم تحديات الوصول إليها.
وساهم التطور التكنولوجي في معدات الغوص في تسهيل المهمة على الغواصين الراغبين في ولوج أعماق سلسلة الأنفاق المظلمة المتفرعة من الكهوف المغمورة، حيث توالت التقارير حول هذا العالم السفلي ومحتوياته من بقايا بشرية وحيوانية.
باشر البيولوجي وعالم الآثار المكسيكي أرتورو غونزاليس (47 عاماً)، الذي يعمل في «المعهد الوطني للتاريخ وعلوم الإنسان»، دراسة منهجية للكهوف المغمورة عام 1999. وكوّن فريقاً من 20 باحثاً، بينهم علماء آثار وخبراء أحافير وغواصون ومصورون، أبدوا استعدادهم لخوض تجارب غوص صعبة تقنياً وبدنياً تستغرق الواحدة منها ما يصل إلى ست ساعات. وعثر أفراد هذا الفريق على ثلاثة هياكل عظمية في الأعماق، صعدوا بها إلى سطح الماء وقاموا بفحصها ودراستها. وكان ما وجدوه مفاجأة مذهلة للوسط العلمي.
أشارت نتائج الاختبارات إلى احتمال أن يزيد عمر تلك الهياكل العظمية على أعمار أي بقايا بشرية عثر عليها في الأميركتين، وقدّرت ثلاثة مختبرات أجنبية عمر أحدها بما يزيد على 11600 سنة. كما تبين أنها لا تحمل أي شبه بشعب «المايا» الذي استوطن المنطقة بعد ذلك بآلاف السنين، والذي عثر على آثاره ومصنوعاته قرب فوهات البواليع. لكن بنية جماجم الهياكل المكتشفة حديثاً تشبه إلى حد ما بنية جماجم شعوب شرق آسيا، بحسب ما قال غونزاليس، الأمر الذي حمل الوسط العلمي على إعادة تقييم نظرياته حول كيفية وزمان وصول الإنسان إلى القارة الأميركية.
 
إنسان ما قبل التاريخ
تعلم غونزاليس الغوص في إطار دراسته الجامعية لعلم الأحياء. بيد أن مصدر إلهامه الحقيقي كان فيلماً وثائقياً من إنتاج «ناشونال جيوغرافيك» يحكي قصة عثور المستكشف جيمس كوك على موقد قديم على عمق 30 متراً تحت سطح الماء. وقـال غـونزاليس: «كان ذلك شيئاً مذهلاً بالنسبة إلي، إذ طالما أثارت الكهوف اهتمامي البالغ، فهي بالنسبة إلى العديد من المجموعات البشرية الأصلية بمثابة الرحم الذي ولدت منه. وبعد مشاهدتي هذا الوثائقي بدأت رحلاتي الاستكشافية إلى الكهوف المائية. وتعرفنا إلى جيمس كوك، ذلك المستكشف الرائد لتلك الأماكن، فنبهنا إلى اكتشافاته الأخرى. وبفضله أطلقنا مشروعاً عام 1999، أتاح لنا تحقيق اكتشافات مذهلة حول تاريخ القارة الأميركية».
في أعماق تلك الكهوف، عثر غونزاليس وزملاؤه على أحافير تتراوح أعمارها بين 10 آلاف و60 ألف عام، بينها بقايا لحيوانات منقرضة من فصيلة الجمال والأرماديلو المدرع والجياد تعود إلى العصر البلستوسيني (الحديث الأقرب)، حين كانت منطقة يوكاتان مكسوة بغطاء عشبي جاف، بدلاً من الغابات المنخفضة. وعثر المستكشفون في أحد الكهوف المغمورة شمال تولوم، قرب ساحل البحر الكاريبي، على موقد آخر قديم، حيث كشفت فيه الآثار الكربونية لعظام جمال محروقة أن الإنسان في تلك الحقبة كان يتغذى على لحوم حيوان انقرض في نهاية العصر البلستوسيني.
تشير دراسات إلى أن مستوى البحر كان منخفضاً بنحو 100 متر عن مستواه الحالي، في الفترة التي كان فيها إنسان ما قبل التاريخ يتغذى على لحوم الجمال. ويعتقد غونزاليس أن تلك الشعوب كانت تستخدم الكهوف كمطابخ بدائية ومعابر إلى مصادر المياه. وهناك أدلة قوية على أنها كانت تضع موتاها في كهوف خاصة عميقاً تحت سطح الأرض، بقصد حمايتها من الحيوانات المفترسة. وفي فترة لاحقة، تسببت التبدلات الهائلة التي شهدها مناخ الأرض بارتفاع سريع في مستوى مياه البحر والمياه الجوفية، مما أدى إلى غمر المدافن والمطابخ بالماء، وبقائها طي النسيان إلى أن اكتشفها الغواصون بعد آلاف السنين.
أثارت اكتشافات غونزاليس اهتماماً بالغاً بالبواليع، ما حدا به إلى العمل مع سكان القرى المحليين من أجل حماية الكنوز النادرة من التلف والسلب. وحثهم على المطالبة بوقف تلويث المياه الجوفية نتيجة عمليات التطوير السياحي على طـول ما يسمى «ريفيـيرا المايا». وتختزن البواليع ميـاهاً جوفية ثمينة، لكن مئات آلاف الأمتار المكعبة تضخ منها كل يوم بمعدل يتجاوز كثيراً قدرتها على التجدد في بعض أنحاء شبه جزيرة يوكاتان. وفي المناطق النائية تستخدم البواليع أحياناً كمكبات للنفايات الصلبة والسائلة، ما يلوث المياه الجوفية عضوياً وكيميائياً.
وقد منح غونزاليس «جائزة رولكس للمبادرات الطموحة» عام 2008. واستخدم قيمتها النقدية البالغة 50 ألف دولار لقيادة فريق المستكشفين في رحلات بحث ميدانية، مع تركيز خاص على كهف «تشان هول»، الذي عثر فيه على هيكل عظمي رابع.
 
سباق مع الزمن
على رغم تقدم المعرفة بالماضي السحيق لهذه المنطقة، تبقى عملية الدخول والخروج لتلك المتاهات الملتوية مخاطرة كبيرة في سبيل العلم والاستكشاف. كما أن الرحلات الطويلة والمربكة تحت الماء لا تزال تشكل تحدياً جسدياً ونفسياً، بوجود التدابير اللوجستية المعقدة والمعدات المتنوعة للحد من الأخطار. وقد تستغرق حملة الاستكشاف الواحدة ست ساعات تحت الماء، بما في ذلك الساعة الأولى التي يستغرقها الوصول إلى الكهف المطلوب، وساعة ثانية لإجراء البحث، وأربع ساعات لرحلة العودة إلى سطح الماء والتي يجب أن تكون تدريجية مع عدة توقفات لتجنب أضرار الاختلاف المفاجئ في الضغط.
وتبقى سنوات عديدة من الغوص في الكهوف بانتظار غونزاليس، الذي وصفه لويس ألبوريس، مدير «ناشونال جيوغرافيك» في أميركا اللاتينية، بإنه «عالمٌ على قدر كبير من الجدية والتصميم». وتعد هذه الرحلات الاستكشافية سباقاً مع الزمن ومع عمليات التطوير السياحي القائمة في يوكاتان. ويرى غونزاليس أن المخاطر التي يخوضها الغواصون عند دخولهم النوافذ المائية التي تطل على الماضي تستحق المخاطرة والتحدي.
يقول غونزاليس: «بصفتي واحداً من سكان القارة الأميركية، يهمني معرفة من كان هؤلاء الناس، ومن أين أتوا، ومتى وطأت أقدامهم أرض أميركا للمرة الأولى. تلك المواقع تتيح لنا فرصة مشاهدة الأدوات والبقايا كما تركها شعب العصر الجليدي. إنه كنز لا يقدر بثمن، وأتطلع بشغف إلى اكتشاف تلك المكونات ودراستها وتحليلها، وبالتالي المساهمة في فهم تاريخ البشرية».
...مواضيع أخرى
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.