بُرَع واحدة من أهم المحميات البرية الطبيعية في اليمن. هي ذات نسق جبلي متميز بطوبوغرافية فريدة، والسفر إليها بمثابة رحلة إلى قلب التاريخ الطبيعي لليمن السعيد.
تستلقي بُرَع على أحد المرتفعات الغربية في محافظة الحديدة، وتبعد 260 كيلومتراً غرب العاصمة صنعاء. ويطل جبل بُرَع على سهل تهامة ووادي سهام الذي يشق بطن تهامة ويصب في البحر الأحمر، ويبلغ ارتفاعه 2200 متر عن سطح البحر. أما المحمية فيراوح ارتفاعها بين 300 و800 متر، وتقدر مساحتها الإجمالية بنحو 4287 هكتاراً. وقد تم تصنيفها إلى منطقتين بناء على الكثافة النباتية، التي تقل في منطقة وادي رجاف ثم ما تلبث أن تزداد كثافة لتشمل بقية أجزاء المحمية المتربعة على مدى الارتفاع. ويسود المنطقة مناخ معتدل إلى شبه حار معظم أيام السنة، حيث تتراوح درجة الحرارة بين 18 و43 درجة مئوية.
أعلنت غابة بُرَع محمية برية طبيعية عام 2006. وهي شاهد حي على ما كانت عليه بيئة اليمن. وتعتبر أكبر محمية حراجية استوائية في شبه الجزيرة العربية. وتدل الشواهد الجغرافية على انحدارها من سلالة الغابات الاستوائية التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية قبل آلاف السنين. وكان لموقع هذه المحمية، الذي ظل بكراً لقرون، أثر في بقائها صامدة أمام الظروف والمتغيرات الطبيعية التي طرأت على المكان.
رصدت الدراسات العلمية وجود 315 نوعاً نباتياً في المحمية، منها 63 نوعاً نادراً على المستوى الوطني والاقليمي، ما جعلها ذات مكانة بيئية خاصة. كما أن هناك 35 نوعاً مهدداً بالانقراض تعمل إدارة المحمية على حمايتها واستدامتها. وثمة أنواع متوطنة لا توجد في أي مكان آخر، أهمها الصبر والبياض والقطف. والملاحظ أن معظم هذه النباتات تحمل طابع الإقليم السوداني، وقليل جداً ذو طابع صحراوي. وهناك أصناف نباتية تستعمل لغرض العلاج أمثال العثرب والأراك (السواك) والبابونج والهيدر، كما أن هناك أصنافاً عطرية مثل أشجار الشذاب والريحان والفل.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسبة أنواع النباتات في هذه المحمية تقدر بنحو 10 في المئة من نباتات اليمن ككل.
موئل للطيور
هناك أسباب عدة جعلت من اليمن عموماً موئلاً للطيور المهاجرة والنادرة والمتوطنة، منها ما يمثله موقع البلاد من عزل جغرافي وصحراوي جعلها محطة هامة لاستراحة الطيور المهاجرة الآتية من الشمال، فضلاً عن التنوع المناخي وتعـدد التضاريس الطبيعية اللذين أثرا إيجابياً في مستوى تنوع البيئات. وتعتبر محمية غابة بُرَع الوجهة الأبرز لتواجد الطيور وتنوعها، وقد اختارتها المنظمة الدولية لحماية الطيور BirdLife International التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها ضمن أهم 57 موقعاً عالمياً للطيور المتوطنة والنادرة. وأثبتت الدراسات التصنيفية وجود 93 نوعاً من الطيور على مدار العام، منها 32 نوعاً متوطناً و17 نوعاً ذات أصول أفريقية. ويعتبر أبو معول الرمادي في المرتبة الأولى من حيث كثافته العددية، يليه طائر الذباب الأفريقي ثم الثرثار العربي. وتستضيف المحمية خمسة أنواع تأتيها خلال فصل الصيف للتزاوج والتكاثر، أبرزها طائر الكوكو المتطفل والحمامة الخضراء.
وتزخر المحمية بأنواع نادرة من الطيور بات بعضها نادراً، منها الزرياب المغرد والطليق ذو المنقار المميز بألوانه الزاهية والمهلل والحجل، بالإضافة إلى الحسون الذي اختير رمزاً وطنياً مع شجرة دم الأخوين، ونقار الخشب واليمام والحمامة المطوقة. وتحتضن المحمية نوعين من طيور العقاب المهددة بالانقراض على المستوى العالمي.
ملاذات آمنة
تؤوي محمية بُرَع الطبيعية العديد من الأحياء البرية، إذ تتوافر فيها عناصر الاستقرار الثلاثة: الماء والغذاء والحماية. ويجد المتأمل لتضاريسها أنها مليئة بالشقوق والكهوف التي تمثل ملاجئ آمنة لاستقرار هذه الأحياء وتكاثرها. ووفقاً لدراسة أجراها باحثون من الهيئة العامة لحماية البيئة اليمنية، تبين أن المحمية تحوي تسعة أنواع من الثدييات البرية، أبرزها قرد البابون أو الرُباح وهو الأكثر انتشاراً إذ تصل أعداده حالياً إلى نحو 200 قرد. كما يلاحظ انتشار بعض الأنواع النادرة، مثل الضبع المخطط والدعلج الهندي والنمس الأبيض الذيل والوشق ذي الأصول الأفريقية. وقد شهدت المحمية وجود بعض الأنواع المتوطنة مثل القنفذ الأسود والأرنب البري والوبر والذئب العربي والثعلب.
ووجد المصنفون أن محمية بُرَع تضم 13 نوعاً من الزواحف، يتصدرها الورل اليمني المعروف بصائد الثعابين، وهـو كبير الحجـم بحيث تسهل رؤيته بين الحين والآخـر. وتعيش فيها أيضاً الحية النافخة الأفريقية وثعبان الكوبرا السام وأنواع من سلاحف المياه العذبة. وللسحالي تواجد لافت، لكن أبرز أنواعها انتشاراً سحلية الوحر الكثيرة التواجد فوق الصخور.
وتم التعرف على خمسة أنواع من البرمائيات ونوعين من أسماك المياه العذبة، بالإضافة إلى أنواع عديدة من الحشرات كالرعاشات والخنافس وفرس النبي. وتشكل المحمية حديقة مفتوحة للفراشات، حيث ترسم بأجنحتها وتنقلاتها تفاصيل المتعة والجمال في نفوس الزائرين. لكن هذه الفراشات لم تحظَ بأي دراسة حتى الآن.
محمية بُرَع مقصد للتمتع المسؤول بهدوء الطبيعة وجمالها، ومكان محبب لهواة التسلق، وقبلة لـ «السياحة» العلمية البحثية.