محمية فيرونغا في وسط أفريقيا مفتوحة للسياح الذين يقصدونها لمشاهدة الغوريلا الجبلية، مما يعطي أملاً بالحفاظ على هذه الحيوانات الرائعة المهددة بالانقراض
لا يبالي "غوهوندا" بالمتطفلين من بني البشر، بل يرمقهم بنظرة عجلى بين الحين والآخر وهو يرقد بأمان على كومة من قصب الخيزران. وهدوؤه يبعث الارتياح، فوزنه الذي يفوق 200 كيلوغرام وعمره الذي ناهز الثلاثين يجعلانه الأكبر بين جماعة الغوريلا الجبلية التي تستوطن المنحدرات الوارفة في حديقة فيرونغا الوطنية في افريقيا ويناهز عددها الـ350.
قال لي الدليل المتمرس في المحمية: "إنه يهجم أحياناً، لكن اذا فعل فلا تخف، هو يحاول أن يظهر لك أنه سيد قومه". تلك كانت تجربة مخيفة لو حصلت، لكن غوهوندا المهيب لم يضايقه وجود الزوار هذا اليوم. وبعد أن ألقى عليهم نظرة أخيرة تنم عن ضجر، مشى متمهلاً لينضم الى جماعته. وكان صغيران يلعبان ويتصارعان ويطلقان الصراخ، انثى عمرها 18 شهراً تدعى توريهو وذكر عمره سنة يدعى امبورونزا. لكن غوهوندا، شيخ العائلة، لم يبدِ انزعاجاً، بل تمدد على ظهره ليأخذ قيلولة.
عبر غابات الخيزران
وجود الصغار علامة مشجعة، اذ لم يبق الا بضع مئات من الغوريلا الجبلية في البرية، ما يجعلها إحدى أندر الثدييات الكبيرة على الأرض. والفضل في بقائها يعود جزئياً الى جهود الباحثة الاميركية الشهيرة ديان فوسي، التي لفتت انتباه العالم الى محنة الغوريلا قبل مصرعها قتلاً عام 1985. فقرابة نصف أعداد الغوريلا تعيش في حديقة فيرونغا الوطنية، وهي سلسلة من الجبال البركانية الهامدة المنتشرة في رواندا وأوغندا والكونغو. وتقطن البقية في غابة بويندي العصية عن الاختراق في جنوب غرب أوغندا.
مع ازدياد الصغار، يبدو أن أعداد الغوريلا تتحسن. وقد أجري احصاء قبل 14 سنة، وكان عددها الاجمالي 650، ويعتقد أنه بلغ الآن نحو 700. لكن بقاء هذه الحيوانات على المدى البعيد محفوف بالخطر. فالمنطقة غير مستقرة أمنياً، ويواكب جنود روانديون الأدلاء والزوار عبر غابات الخيزران الكثيفة. والكونغو المجاورة غارقة في حرب أهلية، واستخدمت غاباتها الشرقية النائية قاعدة لجماعات متمردة. ويعتقد أن الثوار الذين يجوبون المنطقة قتلوا عشرات الغوريلات. يضاف الى ذلك دمار الموائل الذي ترك أثره الثقيل على هذه الحيوانات.
المخاطر تهدد الرئيسيات (primates) حول العالم، وقد أدرج 130 نوعاً منها على قائمة الحيوانات المعرضة للخطر. ولم يبقَ الا بضعة آلاف من غوريلا المنخفضات الشرقية. أما الشمبانزي، الذي كان عدده في افريقيا يزيد على المليون منذ قرن، فيمكن أن ينقرض خلال عقدين بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وكسائر القرود الكبيرة، مثل الشمبانزي في افريقيا والأورانغ أوتان في جزيرتي سومطرة وبورنيو جنوب شرق آسيا، تعتمد الغوريلا كلياً في بقائها على غابات المطر الاستوائية المتضائلة. ولكن، في رواندا، يتعارض وجود الغابات المتبقية مع حاجات السكان الفقراء الآخذين في الازدياد. وتتقدم أثلام البطاطا المزروعة حتى مدخل المحمية غير المسيج. والغابة تبدأ فعلاً حيثما تنتهي زراعة البطاطا، ولا يرتدع المستوطنون والمزارعون عن تجاوز الحدود والتعدي على المحمية.
الطرق الترابية المتعرجة المؤدية الى حديقة فيرونغا الوطنية تمر عبر قرى تعج بالأطفال. فعدد سكان رواندا نحو تسعة ملايين نسمة، يحتشدون في مساحة لا تزيد على 26 ألف كيلومتر مربع، ما يجعلها من أكثر البلدان الافريقية اكتظاظاً وأفقرها. وينبه علماء الى عقم جهود المحافظة على الطبيعة اذا كان أهالي المنطقة يسيئون اليها أكثر من الحيوانات.
عودة السياح
يأمل أنصار صون الطبيعة أن يساعد قدوم السياح والأموال التي ينفقونها على بقاء قردة الغوريلا الجبلية، من خلال خلق فرص عمل في المنطقة، مما يدفع السكان المحليين الى الاهتمام بها. فرحلة تقوم بها مجموعة سياح في الغابة لمشاهدة هذه الحيوانات تكلف 250 دولاراً للشخص الواحد. وهناك أربع مجموعات من الغوريلا اعتادت على السياح، منها عائلة غوهوندا التي يبلغ عددها 11 وعائلة أخرى عددها 36.
تؤخذ الى المنطقة كل مرة مجموعة من السياح لا يزيد عددها على ثمانية. وعند رؤية الغوريلا يسمح لهم بالبقاء معها ساعة واحدة فقط خشية انتقال أمراض الانسان اليها والى غيرها من الرئيسيات. وقد أخذ السياح يعودون الى الحديقة التي أغلقت عام 1998 لأسباب أمنية أملتها الأحداث. |