زارها مستكشفون إسبان خلال موسم الأمطار في القرن الثامن عشر، فظنوها بحراً داخلياً كبيراً. إنها منطقة البنتانال في البرازيل، على الحدود مع بوليفيا وباراغواي، التي تضم مجموعة من أربع محميات طبيعية. هذا الموقع هو من أكبر النظم الإيكولوجية لمستنقعات المياه العذبة في العالم.
البنتانال «سهل» من الماء والطمي مترامي الأطراف، يضم مناطق إيكولوجية متنوعة، مثل مجاري الأنهار والغابات والمستنقعات الدائمة والبحيرات والأراضي العشبية التي تغمرها مياه الفيضانات موسمياً. هذه المنطقة التي تحوطها سلاسل الجبال والسهول تنبسط على مساحة نحو 200 ألف كيلومتر مربع، ما يجعلها أكبر أرض رطبة متواصلة في العالم. وأثناء الفيضانات ترتفع المياه ما بين مترين وخمسة أمتار، لتغمر 80 في المئة من المساحة الإجمالية. فتزدهر مجموعة ضخمة من النباتات المائية المتنوعة، مما يساعد في إعالة عدد كبير من الأنواع الحيوانية. ونظراً لغناها، أعلنتها منظمة اليونسكو محمية للتراث الطبيعي العالمي والمحيط الحيوي.
المصدر الرئيسي للمياه في البنتانال نهر كوايابا ونهر باراغواي ونحو 170 نهراً آخر تخترقه وتصب في حوضه.
يؤوى هذا النظام الإيكولوجي الضخم نحو 3500 نوع من النباتات. ففيه نباتات غابة المطر الأمازونية الرطبة، والنباتات الغابية شبه الجافة المنتشرة في شمال البرازيل، ونباتات سهول السافانا العشبية الشائعة في البرازيل وبوليفيـا وباراغـواي. لكن ثمة عوامل تحد من نمو النباتات، أهمها إغراق الأراضي بمياه الفيضانات والاجهاد المائي في موسم الجفاف.
وتتنوع الثروة الحيوانيـة في البنتانال إلى أبعد الحدود، فتشمل نحو مئة نوع من الثدييات و1000 نوع من الطيور و400 نوع من الأسماك و480 نوعاً من الزواحف وأكثر من 9000 نويع من اللافقاريات. وتؤوي أجزاء من هذا الموئل المائي أنواعاً معرضة للخطر أو مهددة بالانقراض، مثل الذئب ذي العرف وكلب الأدغال وتابير أميركا الجنوبية وآكل النمـل العملاق وتمساح الكايمان وثعلب المـاء العملاق وظـبي المستنقعـات وفهد الجاغـوار والكابيبارا أكـبر قـوارض العـالم.
والبنتانال من أهم أماكن تكاثر طيور المستنقعات، مثل لقلاق جابيرو والبلشون (مالك الحزين) وأبو منجل والبط الذي يتواجد بأسراب ضخمة. وقد سجل في المنطقة وجود 26 نوعاً من الببغاوات، منها ببغاء ماكاو البرتقالية الأكبر في العالم، ويقدر عددها المتبقي في المنطقة بنحو 3000 طائر. لكن تدمير موائل هذه الطيور وأسرها للاتجار بها عاملان يؤديان إلى خطر انقراضها.
لا يخلو النظام الإيكولوجي في البنتانال من التهديدات، ومنها الصيد التجاري للأسماك، ورعي المواشي، والصيد غير المشروع لأنواع معرضة للخطر، والسياحة غير المنضبطة، والاستغلال الجائر للموارد الطبيعية، والتلوث الناتج من عمليات التنقيب على الذهب ومن نظم الصرف والمبيدات.
قد يكون حوض الأمازون أكثر شهرة من البنتانال، لكن زيارة البنتانال تتيح فرصة أفضل لمشاهدة الحياة البرية. ففي غابة المطر الأمازونية تتوارى الحيوانات في الغطاء النباتي الكثيف المظلم، فيما المساحات المكشوفة الشاسعة في البنتانال تمكن الزوار من مشاهدة الحياة البرية بشكل أفضل.
خلال السنوات الأخيرة، ومع تزايد مشاريع السياحة البيئية، بات البنتانال مقصداً لهواة التصوير ومراقبي الطيور ومحبي الحياة البرية. ويأتيه زوار من أنحاء العالم لمشاهدة الحيوانات النادرة وتصويرها. ويعتبر موسم الجفاف أفضل وقت لزيارة البنتانال، لأن الفيضانات والمطر الدائم وارتفاع الحرارة تجعل التنقل صعباً في موسم الأمطار.