محاد بن أحمد المعشني (صلالة، عُمان)
''هليوتس ماريا'' هو الاسم العلمي لرخويات أذن البحر العُمانية المعروفة محلياً بـ''الصفيلح''. وهو واحد من نحو مئة نوع معروف حول العالم، ويأتي في المرتبة الثالثة أو الرابعة ضمن نحو 20 نوعاً تجارياً. وعلى رغم أن سلطنة عمان تنتج كميات قليلة من ثمار البحر هذه مقارنة بدول أخرى مثل الصين واليابان واوستراليا، فان الصفيلح العماني شق طريقه نحو الأسواق العالمية، بما فيها أسـواق هذه الدول، ليصبح من أفضل الأنواع التي يقبل عليها الزبائن، خاصة في هونغ كونغ التي تعتبر سوقاً رئيسية.
وتستأثر الصين بنصف انتاج العالم من هذه الرخويات، تليها اوستراليا بنحو 7000 طن في السنة واليابان بنحو 5000 طن، بينما لم يتعدَّ إنتاج سلطنة عمان من الصفيلح في أفضل المواسم 60 طناً. وقد تناقصت هذه الكمية في السنوات الماضية حتى وصلت الى نحو 27 طناً في السنة نتيجة الضغط الكبير على موسم الصيد.
إكثار في الأسر
اتخذت الحكومة العمانية تدابير حماية عندما استشعرت خطورة استنزاف هذا المورد الاقتصادي الذي يدر الرزق على الصيادين الحرفيين وعلى الوسطاء التجاريين وعلى الاقتصاد الوطني. فسنّت تشريعات تحدد موسم الصيد بشهرين في العام هما تشرين الثاني (نوفمبر) وكانون الأول (ديسمبر)، بعد اجراء دراسات كان من نتائجها أن هذه الفترة الزمنية هي الأنسب بعد انقضاء فترة التلاقح. لكن في موسم 2007 قلصت مدة الغوص الى شهر واحد فقط هو تشرين الثاني (نوفمبر). كما حددت التشريعات أطوال الصفيلح المسموح باصطيادها، ومنعت استخدام اسطوانات الأوكسيجين في الغوص للصيد.
مع ذلك تتزايد أعداد الغواصين كل عام في ظل محدودية هذه الثروة التي تتناقص. ومن هنا جاء التفكير في استزراع الصفيلح، وهي ممارسة ناجحة واقتصادية في العديد من الدول التي تعيش في مياهها هذه الرخويات. وهناك أكثر من طريقة لزراعتها بطريقة تجارية.
قامت وزارة الثروة السمكيـة (الزراعة والثروة السمكية سابقاً) عام 1996 بمشروع استزراع تجـريبي بالتعاون مع اليابان. وتم اعتماد تكنولوجيا استزراع يابانية تعتمد على تصفية مياه البحر وتحفيز الاناث والذكور على وضع البيض والحيوانات المنوية في فترات زمنية يتم التحكم بها من خلال تمرير الأشعة فوق البنفسجية في المياه التي تتم تصفيتها داخل أحواض تعزل فيها الاناث عن الذكور. ومن ثم تخلط مياه الأحواض بعد التأكد من نسب البييضات والحيوانات المنوية في المليليتر الواحد. ومن هنا تبدأ عمليات العناية بأطوار البييضة الملقحة الى أن تفقس. ومن ثم تبدأ مرحلة العناية باليرقات من حيث التغذية وملاءمة الوسط الذي تعيش فيه، سواء في مرحلة الطفو على الماء أو عند الالتصاق بالجدران الاصطناعية التي تحاكي الوسط الطبيعي، حيث يتوافر الغذاء من العوالق الطحلبية أو الغذاء الاصطناعي. ولا بد من العناية بمياه الأحواض وتنقيتها من الفضلات، وهذه المرحلة قد تستغرق ما بين شهر وثلاثة أشهر.
إطلاق في البحر
كانت فكرة المشروع في البداية التعرف على مدى إمكانية تكثير هذا النوع في الأسر، وتأسيس قاعدة معلومات علمية عن الصفيلح العماني. وبعد نجاح تجارب الاستزراع أجريت تجارب اقتصادية أكدت جدواه تجارياً.
ولا يزال برنامج الاستزراع قيد التطوير. ويتابع الفنيون في مركز العلوم البحرية في مسقط ومختبر الثروة السمكية في ظفار زيادة العمليات بهدف انتاج 50 ألف زريعة في السنة من موقعهم في مدينة مرباط. وذلك للتأكد نهائياً من نجاح أي مشروع تجاري يقوم به القطاع الخاص مستقبلاً، ولتحسين مصايد الصفيلح في بيئاتها الطبيعية من خلال إعادة الرخويات المستزرعة بعد الوصول الى أحجام معينة الى تلك البيئات، وبذلك يتم تعزيز المخزون وتعويض الفاقد السنوي.
ويجرى مزيد من الدراسات على مصايد الصفيلح في الشريط الساحلي الممتد من مرباط الى شربثات على بحر العرب. وتم التخطيط لتنفيذ المشروع في المواقع المختارة خلال 27 شهراً عبر ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى أجري مسح بحري شامل بين منطقتي الدراسة للتعرف على كيفية انتشار هذه الرخويات ومدى وفرتها ووضعية تجمعاتها، ما يتيح وضع خريطة تبين أماكن تركز هذه الثروة. وتضمنت المرحلة الثانية دراسة معدلات الصيد ووحدة الجهد والدخل والتسويق، من أجل رفع جودة المنتج للحصول على أفضل الأسعار. وفي المرحلة الثالثة تدرس معدلات النمو لهذه الكائنات في ثلاثة مواقع مختارة، اضافة الى العمر عند النضوج الجنسي، ومعدلات الحياة لمجموعات الأعمار المختلفة، ومعدلات التعويض في الوسط الطبيعي، ونسب الاناث الى الذكور، ومواسم التكاثر. كما تشمل الدراسة الوسط الحيوي والغذائي والعوامل البيئية.
قريباً يبدأ الصفيلح العُماني المستزرع تعويض الفاقد البحري المتناقص، ويجد طريقه الى الأسواق العالمية ليبقى في صدارة أطباق ثمار البحر الفاخرة. |