وليم محفوض
يشق بحار الرمال، شاذاً عن قاعدتها الصفراء، مشكّلاً واحة أنعشت قلب الصحراء وحملت التاريخ.
يمتد الجبل الأخضر في ليبيا من مسافة 20 كيلومتراً جنوب بنغازي الى 75 كيلومتراً شرقها. يشتهر بغاباته واعتدال مناخه، خصوصاً في فصل الصيف، ويعتبر من أجمل المناطق الطبيعية في البلاد، وقد استمد اسمه من اخضرار لون أشجاره ونباته معظم أيام السنة. يعيش فيه حالياً قرابة 1800 نوع من الأشجار، منها 109 أنواع متوطنة منذ القدم. وتمتد هذه المناطق المشجرة على مساحة تقارب 6800 كيلومتر مربع.
يطل ''الأخضر'' على ساحل بحري تزيّن بالآثار والمدن. أهم مدنه شحّات وسوسة ورأس الهلال والبيضاء وطبرق. فيه العديد من المصايف والمنتجعات السياحية التي تقع على بعض أنقى شواطىء البحر المتوسط. وتنتشر على الساحل مواطن الزواحف المتعددة الأنواع، فضلاً عن المستنقعات والسبخات التي تؤوي أعداداً كبيرة من الطيور البرية والبحرية المهاجرة.
يتميز هذا الجبل بخصوبة تربته وجودة إنتاجه الزراعي. وتتوفر فيه محاصيل القمح والشعير والبقول وبعض أشجار الفاكهة كالعنب والتفاح والخوخ، الى جانب السنديان والشماري والعرعار. ويتميز بإنتاج العسل الطبيعي كون مناخه ملائماً لتربية النحل.
الجبل الأخضر الذي احتضن في القرن الماضي عمر المختار، البطل الليبي الذي قاوم الاستعمار الايطالي، يحمل آثاراً تعود الى حقبات من مطالع التاريخ. فالآثار اليونانية فيه تعدّ من الأهم في العالم، وأبرزها مدينة شحّات التي تستقطب أكبر عدد من السياح، اذ تضم اطلال المدينة القديمة سيران المعروفة بقورينا، التي أنشأها المهاجرون الإغريق عام 631 قبل الميلاد. صنفتها منظمة اليونسكو كموقع للتراث الانساني العالمي، وأهم معالمها التاريخية معبد زيوس ومعبد أبولو والحمّامات العامة ومجلس الشورى وقلعة الأكروبوليس. وقد أدخل العهد الروماني بعض التحويرات على التصاميم اليونانية، ومن مبانيه المسرح الكبير ومعبد باخوس ورواق هرقل والسور الخارجي للمدينة.
وثمة مدن سياحية أخرى في الجبل، بعضها يحتوي على معالم بيزنطية كالكنائس والمقابر، وأخرى تعود الى فترات أحدث ومصممة على الطراز الاسلامي. ويمتد بعضها الى شواطىء رائعة على البحر المتوسط تحاذي الجبل، خصوصاً في جرجروما والهنية وسوسة ورأس الهلال ولثرون.
خسر الجبل مع الزمن حجماً كبيراً من ثروته، وقضت الحرائق على قسم من غاباته، ودمر البناء العشوائي آلاف الهكتارات من أراضيه. فانحسر الغطاء الأخضر من 5000 كيلومتر مربع قبل 20 عاماً الى 1800 كيلومتر مربع حالياً. وبالرغم من توافر المياه فيه، يعاني الجبل الاخضر من نقص في المياه بسبب سوء إدارتها وتوزيعها وازدياد عدد سكانه الى نحو مليوني نسمة.
لكل هذه الأسباب دخلت بيئة الجبل مرحلة الخطر. فاستنفرت الجهات المعنية على الصعيدين المحلي والعالمي، وتم مؤخراً إعادة أجناس من الغزلان والخراف الى الجبل، ونجحت حملة تشجير وطنية بغرس نحو 4 ملايين شتلة من أشجار الغابات والزيتون وتأهيل عدد من المشاتل من أجل تنمية الغطاء النباتي. ووضع مخطط متكامل يشمل مشاريع ذات طابع أثري وبيئي وتنموي.
وفي هذا الاطار، أعلنت في الآونة الأخيرة مدينة سيران التاريخية محمية أثرية وبيئية بهدف الحفاظ على بيئة الجبل الأخضر المميزة وتطويره في آن. تبلغ مساحتها 5500 كيلومتر مربع، مع شاطىء يمتد على 200 كيلومتر، ويأمل المعنيون أن تصبح أكبر محمية مستدامة في العالم. |