القطع الجائر منذ مئات السنين، ورعي الماعز حالياً، يقضي على هذه الشجرة المميزة ويساهم في التصحر وتغير المناخ في لبنان
كريستيان أخرس (بيروت)
كان لبنان ممراً لمعظم الحضارات. فطبيعة أرضه الجبلية، ووجوده على الحوض الشرقي للبحر المتوسط، وكونه معبراً أساسياً بين القارات الثلاث، جعلت منه هدفاً للحملات والغزوات التي استباحت أراضيه ذات التنوع البيئي الفريد على رغم صغر مساحته.
ولجبال لبنان تاريخ طويل مع الغزاة. فعند احتلالهم هذه الأرض الغنية كانوا يستغلونها للزراعة والتجارة وغير ذلك. ومن أهم الثروات التي كانت تُستغل مع وصول كل حضارة الثروة الحرجية. فمنذ الانسان الأول الذي كان يستعمل جذوع الشجر للتدفئة في المغاور، مروراً بالعصور السامية الى العصر الإغريقي ـ الروماني فالعصر العربي والعصر العثماني، حتى أيامنا، لم يتوقف استغلال هذه الغابات بكل أنواعها، كالأرز والشوح والسنديان واللزاب والصنوبر والشربين والعرعر.
ومن بين هذه الأنواع نوع مميز يندر يوماً بعد يوم هو اللزاب Juniperus excelsa. وهو من عائلة السرويات التي تضم خمسة أنواع هي: الشربين واللزاب والدفران وعرعر الرائحة والعرعر الكادي. ويتعدى انتشاره الجبال اللبنانية الى بلدان أخرى، خاصة على الحوض الشرقي للبحر المتوسط ومن جنوب أوروبا الى شرق آسيا وشمال أفريقيا. وفي لبنان ينتشر هذا النوع من الشجر على سفحي سلسلة الجبال الغربية، من جزئها الأوسط حتى شمالها وصولاً الى مرتفعات عكار.
تأخذ شجرة اللزاب شكلاً هرمياً، ويصل علوها الى 20 متراً. قشرتها مشققة رمادية اللون. ومن الممكن أن تضم الشجرة عدة جذوع عملاقة تشاهد ممتدة عدة أمتار على وجه الأرض. ثمرتها صغيرة مدوّرة بلون أسود ضارب الى الزرقة. تعيش في طقس بارد وجاف من ارتفاع 1000 متر في أفقا أعلى وادي نهر ابراهيم حتى 2800 متر في مرتفعات جبل المكمل. خشبها قاس، وكان يستعمل بدل الحور في بناء سقوف البيوت الجبلية ذات السطوح الترابية. وبطريقة التقطير تنتج منه مادة القطران التي تستعمل علاجاً لأمراض المواشي ولابعاد الحشرات والزواحف ولمداواة الجرب. وشجرة اللزاب تقاوم الأمراض، كما أنها بمنأى عن امتداد الحرائق بسبب تباعد الأشجار.
واللزاب من فئة عاريات البذور. وتلتقي المخاريط الذكرية والمخاريط الأنثوية على شجرة واحدة. أوراقه إبرية مخرزية أو حرشفية أو ناعمة الملمس مدببة. واللزاب دائم الخضرة، تتعايش جذوره مع فطور التربة مشكّلة جذوراً وتدية عارضية، وهي مجموع جذري كبير ضخم يصل الى أعماق الأرض ويمكن أن يظهر مجدداً فوق سطح التربة ويعود فيغور عميقاً. وتحوي أوراقه مواد سامة قلوية. ويتسبب قطع شجرة اللزاب في موتها نهائياً حيث لا تعود الى التفريخ.
يتعرض هذا النوع من الشجر للقطع الجائر ورعي الماعز باستمرار. ويستلزم الحفاظ عليه خطة عمل شاملة للتوعية في كل المناطق الجبلية. فهو يشكل أعلى غطـاء نباتي شجـري على الجبال، وهو الوحيد الذي ينمو فوق الأرز. وفقدانه تدريجيـاً كما يحصـل حالياً سيؤدي الى تغيير في مناخ لبنان. |