وحيد مفضل
تعد الشعاب المرجانية من أهم الموائل البيولوجية البحرية، إن لم تكن أهمها على الاطلاق. فهي ليست مجرد كائن بحري بديع، ينمو تارة في هيئة صخرية وطوراً في صورة غضة، بل هي مجتمع متكامل لآلاف الكائنات البحرية الأخرى، التي لولا البيئة المعيشية التي توفرها صخور المرجان وشقائقه لما استقرت أو نمَت. وهي فضلاً عن ذلك عامل حماية أساسي ضد الأمواج والعواصف الهوجاء، ومعين لا ينضب من الخامات والموارد البحرية، التي أمكن لبني الانسان استغلالها كغذاء أو كمستحضرات طبية وعلاجية أو غيرها.
ولعل هذا ما يفسر ارتباط كثير من المجتمعات الساحلية بمناطق الشعاب المرجانية. ويقدر عدد المستفيدين من بيئة الشعاب، والذين يعتمد استقرارهم وتقوم أنماط معيشتهم على ما يقدمه هذا الموئل من خامات وخدمات، بأكثر من 500 مليون شخص في 100 دولة عبر العالم.
تحظى بحارنا العربية بنصيب وافر من الشعاب المرجانية ينيف على 21 ألف كيلومتر مربع، تنمو في زهاء وتألق وإن بشكل غير منتظم على امتداد سواحل 13 دولة عربية في البحر الأحمر والخليج العربي وخليج عمان. وأكبر المساحات المرجانية العربية هي في السعودية حيث تقدر بنحو 6600 كيلومتر مربع. وعلى رغم قسوة الظروف والعوامل الايكولوجية في الخليج العربي وخليج عمان، سواء ارتفاع متوسط درجة الحرارة على مدار السنة أو زيادة نسبة الملوحة فيهما عن البحار الأخرى، فان هذا لم يمنع الشعاب المرجانية من النمو والتكيف في تلك البيئة الصعبة.
وقد حظيَ كلا الخليجين بمساحات شاسعة من تلك الشعاب تقدر بنحو 4000 كيلومتر مربع، يقع معظمها بالقرب من سواحل عمان وقطر والامارات والبحرين وايران. وهي تتحلى بقدر جيد من الثراء والتنوع البيولوجي، قياساً الى الظروف الايكولوجية السائدة، حيث تم رصد ما لا يقل عن 60 نوعاً في الخليج العربي، صنّفت 10 أنواع منها على أنها متوطنة ولا توجد في أي منطقة أخرى من العالم.
وتعتبر الامارات أكثر دول هذه المنطقة ثراء بالشعاب المرجانية التي تبلغ مساحتها نحو 1200 كيلومتر مربع، تتوزع على امتداد 650 كيلومتراً في الخليج العربي إضافة الى 90 كيلومتراً أخرى في خليج عمان. تليها قطر التي تحظى بنحو 700 كيلومتر مربع. وتتميز مناطق جبل علي في دبي، وجزر دلما وياسات في أبوظبي وصير أبو نوير في الشارقة، بكثافة عالية وتنوع هائل من المرجانيات الصخرية والرخوة.
كذلك تتميز السواحل الشرقية والشمالية لدولة قطر بثراء لافت وكثافة عالية من الشعاب المرجانية، في حين تفتقر سواحلها الغربية لهذا الثراء بسبب ارتفاع نسبة الملوحة ودرجة الحرارة فيها. وقد تم تسجيل نحو 18 نوعاً من المرجانيات الصخرية والرخوة في هذه السواحل، وتعتبر منطقة فشت الديبال وجزيرة هلول الأكثر ثراء وكثافة بالشعاب المرجانية في قطر.
وتعد ظاهرة ابيضاض الشعاب (coral bleaching) من أبرز المخاطر الطبيعية التي تهدد المرجانيات الصخرية في منطقة الخليج. وقد تأثرت شعاب المنطقة بنوبات من الابيضاض في الأعوام 1996 و1998 و2002، ما أدى الى انخفاض نسبة الغطاء المرجاني في بعض مناطق الخليج الى أقل من 1 في المئة. وتمثل عمليات ردم الشواطئ لبناء مشاريع سكنية وسياحية أكثر الأنشطة البشرية تهديداً للشعاب، نظراً لما تسببه لبيئتها وللحيوانات القاعية.
مبادرة رائدة في الخليج
حظيت الشعاب المرجانية في منطقة الخليج العربي باهتمام بالغ من هيئات ومنظمات دولية وإقليمية ومحلية معنية بحماية الموائل البحرية وتقييم حالة الشعاب المرجانية في البحار المختلفة، لا سيما في ظل تعرضها لعدد من المخاطر الطبيعية وضغوط الأنشطة البشرية وتدهور مساحات شاسعة منها نتيجة ذلك.
وقد تنوع هذا الاهتمام بين تبني خطة عمل للحفاظ على بيئة الشعاب، أو تدبير التمويل والامكانات اللازمة لدراستها وتقييم حالتها، أو حث الجهات الرسمية المعنية على إصدار التشريعات البيئية واتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية هذا الموئل من الممارسات الخاطئة والانتهاكات. وفي هذا الاطار، صدر مؤخراً التقرير النهائي للمشروع البحثي الخاص بدراسة الحالة البيئية للشعاب المرجانية في جنوب شرق الخليج العربي، وتحديداً في المياه الإقليمية المشتركة بين أبوظبي وشرق قطر. وهو مشروع رائد تضافرت على دعمه وتمويله عدة مؤسسات، أبرزها دولفين للطاقة، وجمعية الامارات للحياة الفطرية ـ الصندوق العالمي لحماية الطبيعة، وهيئة البيئة في أبوظبي، والمجلس الأعلى للبيئة والمحميات الطبيعية في قطر (وزارة البيئة حالياً).
قام هذا المشروع البحثي الرائد الذي امتد ثلاث سنوات (2005 ـ 2007) باجراء مسح للمنطقة الساحلية الحدودية بين الامارات وقطر، الممتدة على أكثر من 86 ألف كيلومتر مربع وذلك بغرض تصنيف ودراسة مستوطنات الشعاب المرجانية ودرجة التنوع الاحيائي فيها ونمط توزعها والتجمعات السمكية والموائل المقترنة بها. وتم استخدام صور الأقمار الاصطناعية والمسح البحري والتصوير الفوتوغرافي عن طريق الغطس والرحلات الاستكشافية. كما تضمنت أهداف المشروع وضع برنامج متكامل لحماية النظام البيئي الخاص بشعاب المنطقة، والقيام بحملات إعلامية لزيادة الوعي البيئي بقيمة الشعاب، وتدريب الكوادر المتخصصة في الامارات وقطر على الاجراءات والسبل الكفيلة بحماية بيئة هذا الموئل الهام.
ومن خلال المشروع، تم تقييم حالة الشعاب المرجانية في المنطقة وتحديد أكثر المناطق ثراء بها وأبرز المناطق المعرضة للخطر، مع توثيق بالصور الفوتوغرافية وتصنيف مرجعي لأنواع الشعاب الموجودة.كما تم انتاج أول خريطة من نوعها في المنطقة لمواقع تواجد الشعاب ودرجة الكثافة والتنوع في كل موقع.
وكشف التقرير النهائي، الصادر في أيلول (سبتمبر) الماضي، عن ملاحظات ذات دلالة وجديرة بالاهتمام، منها أن درجة التنوع الاحيائي لشعاب المنطقة ما زالت منخفضة، وأن كثافة الغطاء ما زالت دون المعدلات المأمولة، لا سيما إذا قورنت بمثيلاتها في خليج عمان أو البحر الأحمر. ومع ذلك فان مرجانيات المنطقة في حالة جيدة، وقد تعافت مساحات شاسعة من آثار موجات الابيضاض السابقة، وهو أمر لم يكن متوقعاً.
من النتائج المبشرة أيضاً عودة ما يقرب من نصف الكائنات القاعية المصاحبة للشعاب الى الظهور مجدداً، بعد أن تسببت موجات الابيضاض السابقة بالقضاء عليها أو هروبها من المنطقة. كما أشار التقرير الى اختفاء الضواري والمفترسات التي تتغذى على الشعاب من المنطقة تماماً. فقد سجل انخفاض كثافة تواجد خيار البحر، وعدم وجود أيأثر لنجم البحر ذي التاج الشوكي، وهما أخطر الكائنات على المرجانيات الصخرية.
وقد ساهمت النتائج التي توصّل اليها المشروع في إعداد خطة إدارة متكاملة للحفاظ على موئل الشعاب المرجانية في منطقة الدراسة. وهي خطوة هامة جداً تعتبر من أبرز إنجازات هذا المشروع البحثي الرائد.