رون شيونغ

هل يستحق صون النظم الايكولوجية لغابات المطر، ووقف زوالها، والحد من سبب رئيسي لتغير المناخ، تخصيص 1,64 دولار شهرياً عن كل شخص في العالم المتقدم؟

الجواب هو ''نعم'' متزايدة. ففي نموذج اعتُبر اختراقاً عالمياً من خلال برنامج الأمم المتحدة لتخفيف الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها في البلدان النامية  (UN-REDD)، تقدمت النروج بدعم كبير الى دولة غيانا الواقعة على حوض الأمازون، والتي ما زال 80 في المئة من كتلة أراضيها غابات مطر عذراء.

بموجب اتفاقية أبرمت في أوسلو بين رئيس وزراء النروج ينس ستولتنبرغ ورئيس غيانا بهارات جاغديو (بطل البيئة عام 2008 بحسب تصنيف مجلة تايم)، سوف تحصل غيانا على دعم مالي ومساعدات أخرى كي تستكمل خطة نموذجية، لجعل صون غابات المطر في الدول النامية جزءاً لا يتجزأ من خطة عالمية لدرء كارثة تغير المناخ. ووافق البلدان على أن يكون تعاونهما مبنياً على استراتيجية تنموية قليلة الكربون، واسعة النطاق، شفافة، شاملة، متعددة القطاعات، تتبع غيانا بموجبها خطة تنموية صديقة للبيئة تركز على استراتيجيات مثل الطاقة الكهرمائية والتصريف والري، لادخال الأراضي غير الحرجية في عملية الانتاج والسياحة البيئية.

هكذا يمهد البلدان الطريق لتصحيح إحدى نواقص بروتوكول كيوتو، من خلال إدماج حماية الغابات في الاتفاقية العتيدة التي ستخلفه والتي تسعى الأمم المتحدة الى المصادقة عليها في مؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ في كانون الأول (ديسمبر) المقبل. والعبرة هنا أن زوال الغابات مساهم رئيسي في الاحترار العالمي، ويجب خفضه الى حد بعيد في البلدان التي يحدث فيها، وتجنبه في البلدان الأخرى حيث ما زالت معدلاته منخفضة. وكان بروتوكول كيوتو ركز بشكل رئيسي على خفض الانبعاثات في البلدان المتقدمة.

هناك اقتراحان محوريان لمشروع ما بعد كيوتو، هما: توسيع استراتيجية تغير المناخ من اعتماد الجهود التخفيفية بشكل رئيسي الى استراتيجيات التكيف، وخلق أسواق عالمية لمقايضة الكربون تكون ''العملة'' المتداولة فيها هي الاعتمادات الكربونية. في هذه الأسواق، تستطيع البلدان العاجزة عن تحقيق التزاماتها بخفض الانبعاثات أن تشتري اعتمادات ليس فقط من البلدان التي تجاوزت أهدافها المتعلقة بخفض الانبعاثات، وإنما أيضاً من بلدان تخلق اعتمادات كربونية بالامتناع طوعاً عن المسار التنموي التقليدي المشتمل على صناعة الأخشاب والتنقيب عن المعادن وتعرية الغابات وتوسيع الزراعة في غابات المطر. وهذه استراتيجيات مجدية اقتصادياً لتلك البلدان لكنها مضرة بيئياً للعالم.

اعتبرت غيانا في مسودة خطة الحماية، وعنوانها ''تحويل اقتصاد غيانا تزامناً مع مكافحة تغير المناخ''، أن غاباتها الأصلية هي ثروتها الكبرى. وغالبية هذه الغابات مناسبة لانتاج الأخشاب وزراعة المحاصيل في الأراضي المعرّاة من الأشجار، كما تتوافر تحت سطحها رسوبيات معدنية ضخمة. ويقع كل ذلك في المنطقة الأكثر تنوعاً بيولوجياً في العالم، حيث تعيش آلاف النباتات الطبية والأنواع الحية التي ما زالت بحاجة الى تصنيف.

إن زوال الغابات، الذي يـرافق المسار التنموي العادي لتلك الموارد الطبيعية، مـن شأنه أن يخفض الخدمات الحيوية التـي تقدمها غابات غيانا الـى العالم، أي التنوع البيولوجي وتنظيم دورة المياه واحتجاز الكربون، مـا تقدر قيمته الاقتصادية للعالم (Economic Value to the World-EVW)  بنحو 40 بليون دولار كغابات قائمة.

وقد عُهد الى شركة ماكينزي للاستشارات الدولية تحديد القيمة الاقتصادية الوطنية لغابات المطر في غيانا وفق الاستعمال التقليدي. فتوصلت الى قيمة مقدرة بمعدل 5,8 بليون دولار. هذا يعني أن غيانا إذا قطعت أشجار غاباتها لتحويلها للزراعة فسوف تبلغ قيمتها نحو 5,8  بليون دولار. واذا وضعت هذا المبلغ في مصرف بفائدة 10 في المئة فسوف يدر عليها 580 مليون دولار في السنة. لكن هذا يحرم العالم الخدمات البيئية لهذه الغابات. ولحايتها، يتعين أن يصرف لها 580 مليون دولار سنوياً (أو 0,05 سنت في الشهر لكل شخص في العالم المتقدم). وبتقدير استقرائي مبني على حجم غابات المطر، تكون الكلفة المستحقة على كل شخص في العالم المتقدم 1،64 دولاراً شهرياً لحماية مجموع غابات المطر على الكرة الأرضية.

لكن البلدان التي تملك غابات مطر لا تستطيع الحصول على أي من هذه القيمة بموجب بروتوكول كيوتو. وفيما الاتجار بالكربون تعدى 130 بليون دولار عام 2008 بين البلدان المتقدمة التي تستخدم تكنولوجيات من صنع الانسان لتحقيق أهداف خفض الكربون التي التزمت بها، لا توجد بموجب بروتوكول كيوتو أسواق مقايضة لاحتجاز الكربون في البيئة الطبيعية.

نتيجة لذلك، يواجه الأفراد والشركات في البلدان التي تملك غابات مطر حوافز قوية لازالة الغابات. وبدورها، تواجه الحكومات الوطنية والسلطات المحلية ضغطاً سياسياً لاستغلال الغابات بشكل يولد فوائد اقتصادية ووظيفية. وتسوية هذا التوتر بين حماية غابات المطر واتباع تنمية رشيدة اقتصادياً هي التحدي الرئيسي الذي يجب التصدي له لجعل قيمة الغابات وهي حيـة  أكبر من قيمتها وهي ميتة.

وقد أعلن الرئيس جاغديو أن سكان غيانا راغبون وقادرون على المساهمة في المعركة ضد تغير المناخ بتقديم بديل أقل كلفة ـ بين دولارين و11 دولاراً للطن الواحد من ثاني أوكسيد الكربون بالمقارنة مع البدائل كما يبين الجدول (الى اليمين). فاذا تم استحداث الحوافز الاقتصادية الصحيحة، ستكون غيانا مستعدة للنظر في وضع كل غاباتها المطيرة تقريباً تحت حماية مراقبة دولياً، بشرط عـدم انتهاك السيادة الوطنية وحقوق المواطنين.

قال الرئيس جاغديو: ''نحن على استعداد للعمل مع آخرين يشاركوننا في نظرتنا بأن على العالم أن يوقف النقاش العقيم الذي يفترض أن الدولة يجب أن تختار بين التنمية الوطنية ومكافحة تغير المناخ. بدلاً من ذلك، يجب أن نسأل كيف نستطيع تحقيق اقتصادات مزدهرة قليلة الكربون، حيث التنمية الوطنية ومكافحة تغير المناخ هدفان متكاملان لا متنافسان".