حديقة عائمة في بحيرة كونستانس الألمانية تحوي نباتات من أنحاء العالم وتعتبر مقصداً سياحياً وثقافياً وبيئياً
وحيد مفضل
مانياو جزيرة ألمانية تقع في الجزء الشمالي الغربي من بحيرة كونستانس بالقرب من الحدود مع سويسرا. بمقاييس الجغرافيا، قد لا تمثل هذه الجزيرة أي أهمية، بل تكاد لا ترى على الخريطة، إذا لا تزيد مساحتها على 45 هكتاراً. لكن، بمقاييس الجمال، تعد مانياو بحق قطعة مصغرة من الجنة، وأيقونة للحياة النباتية المزروعة والفطرية. وهذا من واقع ثرائها وازدهارها الدائم بأنواع عديدة من الأزهار والنباتات التي يندر أن تجتمع في مكان واحد بمثل هذه النضارة والتنوع، بحيث نالت أكثر من لقب متميز، أشهرها "جزيرة الورود" و"الحديقة العائمة".
في كل صيف تزدهر الجزيرة بما لايقل عن 350 ألف وردة وزهرة. وتضم مجموعتها النباتية نحو 600 نوع من الأوركيديا و800 نوع من الياقوتية (hyacinth) و300 نوع من الخلنجيات، فضلا عن 30 ألف شجيرة ورد وفيها نحو 500 نوع من الأشجار النادرة، منها السيكويا العملاقة وأرز لبنان وأرز الأطلس، إضافة إلى السرو والتنوب والصنوبر. وبعض منها ضارب في القدم ينيف عمره على 150 عاماً.
وأقيم على الجزيرة بيت للفرشات يحوي أكثر من 40 نوعاً نادراً من الفراشات الحية. وفيها أيضاً بيت للنخيل أعد خصيصاً لاستنبات مجموعة من النباتات الاستوائية التي لا تتحمل طقس أوروبا البارد، خصوصاً أشجار النخيل التي استنبت منها 20 نوعاً، إلى جانب الموز واللوز والرمان وغيرها من الأشجار غير المألوفة في أوروبا.
غير ان مانياو تحتوي أيضاً على مجموعة خاصة بديعة من النباتات المزروعة في أشكال مختلفة، أغلبها حيوانية، صممها واستنبتها بمهارة الحدائقيون ومنسقو الزهور في الجزيرة. ومنها لوحة نباتية على هيئة طاووس، وأخرى على هيئة أوزة، وثالثة عند مدخل الحديقة على شكل خريطة لبحيرة كونستانس مع مواقع المدن المطلة عليها.
وفضلاً عن كونها حديقة عالمية، تتميز الجزيرة بموقع جذاب. فهي تتمتع بطلة بهية على بحيرة كونستانس العذبة، ثالثة أكبر البحيرات في أوروبا الوسطى، كما تطل على جبال الألب السويسرية بمشاهدها البديعة. لذا تعتبر من أهم المقاصد السياحية في ألمانيا.
إدارياً، تتبع الجزيرة مقاطعة كونستانس الواقعة في ولاية بادن فيرتيمبرغ بجنوب غرب ألمانيا. لكنها تعد في الوقت نفسه من أملاك عائلة الكونت لينارت بيرنادوت، حفيد ملك السويد غوستاف الخامس، لذا فإن لأفراد هذه العائلة الحق في إدارتها والاستفادة من الأرباح السنوية التي تدرها السياحة. ولهذا الكونت، الذي توفي عام 2004 عن 95 عاماً، قصة طريفة تعود إلى العام 1932، حينما هام بحب فتاة من عامة الشعب، وقرر الزواج منها مخالفاً التقاليد الملكية ومثيراً غضب والديه والعائلة المالكة في السويد. فتم حرمانه من لقب أمير ومن حظوظه في وراثة العرش. رحل لينارت مع محبوبته الى لندن، وتزوجا هناك وعاشا في غير بحبوحة. وبعد فترة تدخلت جدته الملكة فيكتوريا وأنعمت عليه بملكية جزيرة مانياو التي آلت تبعيتها إلى السويد بعد حرب الثلاثين عاماً المدمرة التي اندلعت في أوروبا أوائل القرن الخامس عشر.
استقر لينارت وزوجته في الجزيرة، حيث ساهمت هوايته للزراعة وحبه للزهور والنباتات في تطوير الجزيرة وتحويلها من مجرد غابة صغيرة إلى حديقة عائمة في البحيرة تضم نباتات واشجاراً من كل بقاع الأرض. المفارقة في الأمر أنه تخلى عام 1972 عن محبوبته التي فقد من أجلها حظوظه في وراثة عرش السويد، ليتزوج من سكرتيرته التي كانت تصغره بنحو 35 عاماً.
ومن مآثر الكونت لينارت برنادوت أيضاً رئاسته جمعية نباتات الزينة والزهور الألمانية لمدة 30 عاماً متواصلة، وتأسيسه ملتقى ومؤسسة لينداو للعلماء الحائزين على جوائز نوبل. وهو كان شغوفاً بالتصوير، إلى الحد الذي أهله للفوز بجائزة أوسكار على فيلم وثائقي عن الكاتب والمستكشف النروجي تور هياردال ورحلته البحرية الشهيرة عبر المحيط الهادىء في القارب البدائي "كون تيكي".
وتعتبر جزيرة الورود أيضاً مركزاً ثقافياً رائداً، اذ تستضيف معارض فنية وبيئية، منها على سبيل المثال معرض أقيم في تموز (يوليو) 2009 عن تطور تقنيات المياه وسبل استغلالها في إنتاج الطاقة واستخدامات أخرى. كما تستضيف إحدى فعاليات ملتقى لينداو السنوي للعلماء الحائزين على نوبل، ذلك الملتقى الذي أسسه الكونت لينارت برنادوت منذ نحو 60 عاماً.