صحراء الملح: بحيرة جافة في بوليفيا صنفت مقصداً سياحياً عالمياً
هلن بوبر (أويوني، بوليفيا)
على حافة أكبر صحراء ملحية في العالم، يضع قرويون متفائلون لافتات تحمل عبارة «ملح للبيع» على جدران بيوتهم المبنية بطوب الطين. وفي ساحاتهم الخلفية تتكوم جبال من الملح مثل ثلج تذروه الرياح على مدار السنة.
لكن تجميع الملح لم يعد الوسيلة الوحيدة لكسب الرزق في هذه الزاوية الباردة القاحلة من جنوب غرب بوليفيا. فقد أصبحت صحراء «سالار دي أويوني» مقصداً للسياح المغامرين الذين يأتون إلى أميركا الجنوبية، ما يعد بانتشال بعض سكان قرية كولشاني الفقيرة من العوز.
قال لي المواطن فرمين فيلكا: «لا يوجد هنا شيء غير الملح. كان السياح يأتون ولا يشترون شيئاً، لذلك فكرنا كيف نستطيع تحسين الأوضاع». وهو الآن يبيع منافض وتماثيل صغيرة لحيوانات اللاما نحتت من أحجار الملح.
تؤوي هذه الصحراء، التي تمتد بين قمم جبال الأنديز كبساط أبيض متلألئ، طيور الفلامنغو الوردية وطيوراً طنانة نادرة وصبّاراً عمره 100 عام وفنادق بنيت بكاملها من «أحجار» الملح.
في العام 2007، أدرج دليل السفر RoughGuides صحراء سالار ضمن «عجائب العالم» الـ25 الأوائل، الى جانب معالم معروفة أكثر مثل تاج محل وغراند كانيون وسور الصين العظيم. ويزور هذا المسطح المالح، الذي تبلغ مساحته 11 ألف كيلومتر مربع، نحو 65 ألف سائح كل سنة، ويقول مسؤولون محليون إن أعدادهم ترتفع باطراد.
فضلاً عن البرودة الشديدة ليلاً وشمس الصحراء اللافحة نهاراً، على الزائرين أن يتحملوا رحلة مرهقة على طرق غير معبدة للوصول الى سالار، التي يبلغ ارتفاعها 3653 متراً فوق سطح البحر وتبعد نحو 300 كيلومتر جنوب العاصمة لا باز قرب الحدود مع تشيلي. قبل نحو 40 ألف سنة، كانت هذه الصحراء جزءاً من بحيرة غطت رقعة كبيرة من مرتفعات الأنديز. وأراضيها القاحلة الشبيهة بسطح القمر هي جزء مما تبقى عندما جفت البحيرة، وتحوي بالإضافة الى الملح أكثر من نصف احتياطات العالم من الليثيوم الذي يجري التحضير لاستخراجه.
في بلدة أويوني المجاورة، وضع السكان والمسؤولون المحليون خططاً طموحة لمستقبل سالار كمقصد سياحي، وقد نمت السياحة بسرعة فسبقت تربية اللاما وزراعة الكينوا اللتين كانتا النشاط الاقتصادي الرئيسي في هذه المنطقة الفقيرة. وفي بداية مشروع لشق طريق تربط أويوني بمدينة بوتوسي، قال الحاكم الاقليمي إنه يريد أن تصبح أويوني «أهم مدينة سياحية في العالم».
واقترح بعض المسؤولين أيضاً إنشاء سكة حديد عالية السرعة باستعمال أرباح صناعة تعدين الفضة التي يعاد إحياؤها في المنطقة. لكن مع الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ونقص ماء الشرب وعدم وجود فنادق «عادية»، تبقى الطريق إلى قمة السياحة طويلة وصعبة. أما السياح الذين يودون المكوث في سالار فيمكنهم النزول في فنادق مبنية بطوب الملح، بما في ذلك الأسرة والكراسي والطاولات. وقال عامل البناء بول غارسيا وهو يمضغ أوراق الكوكا: «يريد بعضهم التأكد من أن الفندق مصنوع من الملح، فيلعقون الجدران».
المنظر من نوافذ الفندق سهل أبيض، تحوطه قمم الجبال في الأفق تحت سماء زرقاء. لا يخرق سكون الصحراء إلا هدير سيارات الدفع الرباعي وهي تمر مسرعة بين الحين والآخر ناقلة السياح.
قال مدير السياحة أوفيديو كوبا وهو يجلس تحت شجرة صبار عالية: «الصحراء تفتن الزائرين بسكونها. جمالها الباطني هو الذي يجذبهم».