الدوحة ـ "البيئة والتنمية"
الصحراء ليست أرضاً ميتة. إن للصحارى الطبيعية جمالاً فائقاً، وهي تدعم تنوعاً نباتياً وحيوانياً مدهشاً. ولئن تكن منطقة شبه الجزيرة العربية صحراوية في معظمها، ففيها آلاف الأنواع من النباتات المتكيفة مع هذه البيئة القاسية لتتحمل الجفاف والحرارة وتكتفي بالندى ومياه الأمطار النادرة.
النباتات الصحراوية في قطر نموذج لهذا التنوع، حيث بلغ عدد الأنواع النباتية المرصودة في البلاد 502 نوع وفق كتاب «فلورا قطر» الذي أصدرته وزارة البلدية والبيئة عام 2015. فأحصي من النباتات البرية الرعوية والطبية والعطرية والغذائية والدخيلة 421 نوعاً، بينما بلغ عدد أنواع المحاصيل الحقلية والعلفية 27 نوعاً محلياً أو متأقلماً. وأحصي من أشجار وشجيرات الزينة المتلائمة مع الظروف المحلية 31 نوعاً، ومن أشجار وشجيرات الفاكهة المحلية أو المدخلة المتأقلمة مع الظروف المحلية 23 نوعاً.
وقد أدى التوسع الزراعي والعمراني إلى تدمير العديد من الموائل الطبيعية للنباتات البرية. وتأثرت الحياة النباتية أيضاً بالرعي الجائر واستخدام أماكن انتشارها الطبيعي في الترفيه والتنزه، إضافةً إلى الاحتطاب المكثف ودهس السيارات وقلة الوعي البيئي، ما أدى إلى اندثار بعض الأنواع النباتية في تلك الموائل الطبيعية.
وفي المقابل، أدى التوسع في زراعة محاصيل العلف ونباتات الزينة والحدائق إلى إدخال بذور العديد من النباتات الغازية والضارة والمتطفلة مع بذور تلك المحاصيل، ما أسفر عن انتشار أنواع نباتية دخيلة لم تكن موجودة أصلاً في البيئة القطرية. على سبيل المثال، نبات عين القط من الأنواع المدخلة إلى قطر، ولكن كثيراً ما يصادف في الروضات وبين النباتات المحلية وتحت أشجار السدر. وكذلك نبات الغويف الغازي الذي أصبح واسع الانتشار في معظم المناطق البرية، وكثيراً ما ينافس نبات الغاف البري المتناقص على المساحات والمياه الجوفية، فضلاً عن كونه يهدد التنوع الأحيائي إذ تفرز أوراقه مواد كيميائية وعضوية تمنع نمو النباتات الأخرى حوله، ما يؤدي إلى إزاحة النباتات المحلية واحتلال مكانها.
وتحظى شجرة الغاف بأهمية خاصة لدى أهل قطر، وتعتبر من أهم الأشجار تاريخياً وبيئياً واجتماعياً ورمزاً للشموخ وتحدي الظروف البيئية القاسية. كذلك شجرة السلم، وهي نوع من الأكاسيا، التي تتميز بأزهار صفراء تسر الناظرين في فصل الربيع حيث يمتزج لونها «الفاقع» مع خضرة الأوراق. والسمر نوع آخر من الأكاسيا . أما العرفج فهو نبات رعوي عطري ويستخدم في الطب الشعبي، مثل أنواع كثيرة من النباتات البرية.
ويُعد القطف أو الشليل من النباتات البرية الواعدة بالاستخدام كنبات زينة، إذ يتميز بأزهار جميلة جداً إضافةً إلى جمال أوراقه وتحمله للملوحة والحرارة والجفاف. ويستخدم نبات الرغل كنبات زينة سياجي في الشوارع وفي تشكيل باقات الزهور وتنسيق الحدائق.
وكان نبات الأرطى ينمو برياً في قطر، إلا أنه حالياً أصبح من النباتات المعرضة للانقراض في البلاد. وهو من الأنواع الموصى باستخدامها في برامج تثبيت الكثبان الرملية. وقد أعيد إدخاله من الكويت وزراعته في البنك الوراثي في روضة الفرس. وكذلك الأمر بالنسبة إلى نبات الغضى، الذي انقرض من قطر نتيجة للظروف البيئية القاسية والرعي والاحتطاب وتدمير موائله ودهسه بالسيارات، فأعيد إدخاله من السعودية قبل أكثر من 10 سنوات ونجحت زراعته ضمن الظروف المحلية.
وتضم الفلـورا القطرية عدداً من الأنواع التي تؤكل، مثل الكمأة التي تعرف محلياً بالفقع، وهي من الوجبات الشعبيـة المرغوبة جداً ويستبشر الناس خيراً بظهورهـا ويخرجـون إلى الصحراء لنبشهـا. وهي تباع بأسعـار عالية.لكن عدم تنظيم استغلال مثل هذه الأنواع الغذائية البرية يؤدي إلى انقراض الكثير منها، وبالتالي لا بد من مراعاة المواعيد والطرق المناسبة لحصادها وتثقيف المجتمع المحلي بأهمية هذه الأمـور.
الصور: Alexey Sergeev
|