أثمرت جهود الحماية عودة ملحوظة للتنوع الحيوي إلى هذه المنطقة المميزة التي أدرجت على قائمة اتفاقية «رامسار» لحماية الأراضي الرطبة
الشارقة ـ «البيئة والتنمية»
من مرتفعات جبال الحجر، نزولاً إلى غابات السمر في السهول الفيضية، وصولاً الى السهول المالحة والشاطئ وغابات القرم أو المنغروف، تحفل محمية أشجار القرم والحفية في الشارقة بنظم بيئية متنوعة جعلتها موئلاً لأنواع كثيرة من الكائنات البرية والبحرية.
أنشئت المحمية في خور كلباء بمرسوم أميري في 30 تموز (يوليو) 2012. وكانت هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة تهيئها منذ عام 1999 كي تكون إحدى المناطق المحمية المهمة في المنطقة، كونها تتمتع بتنوع بيولوجي غني، فضلاً عن أهميتها التاريخية حيث تم العثور فيها على آثار تعود إلى 3000 سنة قبل الميلاد.
وكان الهدف من إنشاء المحمية إعادة تأهيل الطبيعة الفطرية التي كانت موطناً لكنوز اندثرت بسبب تعرضها لعمليات تخريب، مثل الصيد الجائر والممارسة البشرية الخاطئة. وتطمح الهيئة إلى جعلها منطقة مستدامة قابلة للنمو الاقتصادي وقادرة على تقديم فرص العمل والأعمال والتعليم محلياً ودولياً.
تعيش في هذه المحمية أنواع كثيرة من الطيور المائية، مثل البلشون الأبيض والبلشون الرمادي والهازجة والفلامنغو والنوارس. وهي ملاذ للرفراف المطوق التي يواجه خطر الانقراض ولا يفقس إلا في كلباء حيث يوجد منه الآن 55 زوجاً فقط. وقد سجلت فيها زواحف نادرة مثل السحلية ذات الأصابع الطويلة التي تنفرد المحمية باستيطانها، والسلاحف الخضراء المهددة بالانقراض، وحيوانات لم يتم تسجيل وجودها سابقاً في المنطقة وسيتم الإعلان عنها قريباً.
قرم وسمر
تضم المحمية إحدى أكبر وأقدم غابات القرم من نوع Avicennia marina. وتنمو هذه الأشجار والشجيرات في مناطق ما بين المد والجزر على السواحل. وهي مقاومة للملوحة بفضل خواص تساعدها على التكيف، كإفراز الأملاح عن طريق «غدد» ملحية وتركيزها في الأوراق ثم التخلص منها. كذلك تتميز بانتشار جذورها الهوائية في مسافات متفرقة من الأراضي الطينية حيث تكون التربة فقيرة بالأوكسيجين، حتى قيل إن هذه الأشجار «تتنفس من خلال جذورها».
تمثل أشجار القرم جسراً واصلاً بين النظم البيئية في البر والبحر، وتعتبر من أكثر الأراضي الرطبة إنتاجاً وتنوعاً. وهي حاضنة للأسماك والرخويات والمحار والروبيان والقشريات كسرطان البحر، وتعشش فيها أعداد كبيرة من الطيور، وتتردد عليها أنواع من الثدييات والزواحف والبرمائيات والحشرات. وتعمل على حماية الشواطئ المنخفضة من الأمواج والرياح وحركة المد والجزر، ولها دور فعال في امتصاص ملوثات مياه الصرف الصحي، كما تعتبر مخازن هامة للكربون.
وتنتشر أشجار السمر أو الأكاسيا (Acacia tortilis) في أرجاء منطقة الحفية، التي تشمل مرتفعات جبلية وسهولاً حصوية، والسمر من أهم الأشجار المعمرة المحلية التي تنمو طبيعياً في دولة الإمارات، وتستخدم في مجالات التشجير وتجميل المناظر. تتحمل الجفاف والملوحة، إذ تنمو في مناطق يقل فيها المطر السنوي عن 40 مليمتراً، ويمكنها النمو في مناطق الكثبان الرملية والمنحدرات الصخرية والتربة الحصوية. وتعتبر مصدر غذاء للحيوانات، إذ تحتوي أوراقها على نسبة وافرة من البروتين. كما تعمل على حماية التربة من الانجراف ومكافحة التصحر، ويستخدم خشبها في البناء وصنع أجود أنواع الفحم، ويعتبر زهرها مصدراً جيداً للرحيق الذي ينتج منه النحل أجود أنواع العسل. وتستخدم الأوراق والقلف والبذور والصمغ الأحمر المستخرج منها في الطب الشعبي.
إطلاق حيوانات نادرة
في آذار (مارس) 2013 تم إدراج محمية أشجار القرم والحفية ضمن اتفاقية حماية الأراضي الرطبة (رامسار). وقالت هنا سيف السويدي، رئيسة هيئة البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة، إن المسوحات الحديثة أظهرت عودة التنوع الحيوي إلى المنطقة بشكل مثير، ورُصدت أعشاش جديدة للسلاحف البحرية وأسراب كبيرة من الطيور النادرة وكائنات أخرى تزايدت أعدادها.
وتم مؤخراً إطلاق عشرين غزالاً من نوع الدماني النادر في المحمية. وتخطط الهيئة لإطلاق حيوانات أخرى مهددة بالانقراض، وتعمل على توطين أنواع من الطيور والحيوانات البرية التي كانت تزدهر في المنطقة لاستعادة نظمها البيئية السابقة.
وبدأ العمل على إقامة مركز للزوار ضمن المحمية، سيضم معرضاً لأنواع من الحيوانات المحلية مثل الزواحف والثعالب والقطط البرية والطيور والغزلان الجبلية، كما سيتضمن غرفاً للتعلم وإقامة ورش العمل والتدريب. وسوف تنشأ مزارع وحظائر للماعز والجمال والخراف، فيتمكن الزوار، خصوصاً الأطفال، من الاستمتاع بوقتهم خارج المركز أيضاً.
وتجرى دراسات وبحوث علمية حول مخزون المنطقة من التنوع الحيوي. ويتم الآن إعداد خطة متكاملة لتأهيل محمية أشجار القرم والحفية كي تكون موقعاً استراتيجياً للبحوث العلمية وأنشطة التوعية والتعلم البيئي، فضلاً عن الأنشطة السياحية المرتكزة على معايير السياحة البيئية العالمية.