راغدة حداد
صحراء مترامية، شتاؤها قصير دافئ قليل الأمطار وصيفها طويل جاف شديد الحرارة. لا عجب أن هذه الظروف حدّت من كثافة الحياة النباتية وتوزعها الجغرافي في دولة الامارات العربية المتحدة. لكنها لم تحُلْ دون انتشار مئات الأنواع من النباتات التي تكيفت مع الأوضاع السائدة وأضفت على تلك الأرض تنوعاً نباتياً فريداً.
تمكنت هذه النباتات من التكيف بطرق تبعث على العجب. فأوراق الأشجار المعمرة وأغصانها تقلّ وتصغر أثناء موجات الجفاف، مما يقلص حاجتها الى الماء. وتتسع أوراق النباتات العصارية وسيقانها لتتمكن من تخزين مزيد من الرطوبة. والنباتات التي تعطي بصلاً أو جذوراً بصلية تموت أجزاؤها النامية فوق سطح الأرض لتسمح للأجزاء الممتدة داخل التربة بالبقاء حية ريثما تتحسن الأوضاع، فتعود الى النمو من جديد. وتغطي بعض النباتات طبقة من الشمع تمنع التبخر وتوفر حماية اضافية، في حين تغطي بعضاً آخر شعيرات بيضاء دقيقة تعكس أشعة الشمس وتقلل التبخر. وتمتد جذور نباتات مثل النخيل والغاف طويلاً داخل التربة لتبلغ طبقات المياه العميقة.
وتطلق بعض النباتات جذوراً سطحية لتستفيد من الندى. ففي المناطق الساحلية وعلى صفحات الرمال يشكل سقوط الندى مصدر رطوبة للنباتات أكثر انتظاماً من هطول المطر. ويسقط الندى في عدد كبير من الليالي كل شهر، وخلال فصل الصيف يشكل المصدر الوحيد للرطوبة السطحية في معظم المناطق الصحراوية.
وهناك نباتات قصيرة العمر تكيفت بشبكة جذور قليلة العمق، وهي تنمو وتزهر وتموت خلال أيام. وثمة نباتات يحميها مذاقها غير المستساغ، وأخرى تطلق أشواكاً حادة تؤمن لها الحماية من الرعي أو عبث العابثين.
في خطوة لتوثيق هذه الثروة النباتية وحمايتها، أصدرت هيئة أبحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها مؤخراً دليلاً للنباتات المزهرة التي تنمو في الامارات. وهو بالانكليزية، وقد أعدت مادته العلمية الباحثة ماريكه يونغبلود التي أقامت في الامارات عشرين سنة، منذ 1983، فعملت لفترة مديرة لمنتزه الصحراء في الشارقة، ثم تفرغت للكتابة وتصوير الحياة البرية.
يقدم هذا الدليل توثيقاً مصوراً لأهم النباتات المزهرة في الامارات التي جمعت خلال 20 عاماً من البحث والدراسة الميدانية. وهو يقع في 600 صفحة، ويوفر معلومات أساسية للباحثين والزوار والمهتمين. فيستعرض 550 نباتاً برياً بشكل مفصل، ويتناول 205 أنواع أخرى بشكل مختصر، وكلها موثقة بأكثر من 1500 صورة ملونة، مع ذكر أسمائها العلمية والمحلية وموائلها واستعمالاتها الشعبية. وعلى الصفحة الخاصة بكل نبات خريطة تبين توزعه الجغرافي في البلاد.
لقد كيَّف الانسان الاماراتي حياته مع محدودية الغطاء النباتي، فصنع منه الغذاء واستخلص الدواء. والتحدي الآن هو الحفاظ على هذه الثروة الحية وتعزيزها. |