النص: عماد فرحات
الصور: كريستو بارس
تقع جزيرة تسمانيا جنوب شرق اوستراليا، ويفصلها عن البر مضيق باس. وقد بدأت صناعة الصوف فيها عام 1826 عندما قدمت مجموعة من موظفي شركة فان ديمنز لاند (Van Diemen's Land) البريطانية الى منطقة سيركولار هيد، ومعهم مؤن ومعدات وقطعان أغنام. وكانوا أول أوروبيين يحاولون استيطان الزاوية الشمالية الغربية من الجزيرة التي تعرف بوعورتها وانعزالها. وقد تأسست الشركة قبل ذلك بسنتين على أيدي مجموعة من رجال الأعمال في لندن، بهدف اقامة مشروع لانتاج الصوف في الجزيرة يلبي حاجات صناعة المنسوجات البريطانية. وحصلت الشركة على إذن ملكي باختيار 1000 كيلومتر مربع من الاراضي غير المستكشفة.
وكان صيادو الفقم الذين عاشوا على الجزر الاوسترالية أول الاوروبيين الذين غزوا أراضي قبيلتي باربلوينر وبنموكير، وتنافسوا مع السكان الأصليين على موارد مثل طيور الموتون والفقم والمحاريات. وقد شهدت المستوطنات الرعوية النائية التي اقامتها شركة فان ديمنز لاند معارك مريرة ودموية خلال الفترة بين عشرينات وأربعينات القرن التاسع عشر. وكانت السياسة الرسمية للشركة "تحضير" السكان الأصليين، أي إدماجهم في "الحضارة"، واسترضاءهم فيما هي تستولي على أراضيهم.
مناخ مثالي للصوف
تنتج تسمانيا اليوم أجود الأصواف في العالم. ورغم شهرة أصوافها الناعمة، التي تجدّ في طلبها مصانع المنسوجات وكبار منتجي الملابس في ايطاليا واليابان على وجه الخصوص وفي أوروبا عموماً، فهي تنتج أيضاً الأصواف ذات الألياف المتوسطة والثخينة وأصواف السجاد المعروفة بجودتها.
منذ الاستيطان الاستعماري في تسمانيا وحتى اليوم، شكل انتاج الصوف قاعدة مهمة لاقتصاد الجزيرة، وساعدت الظروف المناخية على انتاج أصناف معينة. فالمناطق الرعوية الجافة تصلح لانتاج الأصواف الناعمة، والمناطق المرتفعة التي تهطل فيها الأمطار بوفرة تلائم انتاج الاصواف ذات الألياف الثخينة وأصواف السجاد، اضافة الى اللحوم الممتازة. وتساعد نظافة البيئة وخلوها من الآفات والأمراض على انتاج أصواف عالية الجودة. كما أن تشدد السلطات في اقامة محاجر صحية منع دخول كثير من الأعشاب الضارة، مثل النباتات الشائكة التي تقلل من جودة الصوف.
وكانت غالبية القطعان في السابق من سلالة البولوارث (Polwarth). ومنذ عشرين عاماً تحول منتجو الصوف الى تربية الخراف ذات الصوف الناعم. والمرينو (Merino) هي الآن السلالة الرئيسية في الجزيرة. لذلك بات الصوف التسماني أرفع في المتوسط بمقدار ميكرون واحد (جزء من ألف من المليمتر) مما هو في البر الأوسترالي، كما أنه يخلو نسبياً من المواد الخضارية، وهذه العوامل توفر فرصة لتحسين الأداء التصنيعي.
خلال فترة الاحصاء الرسمي بين آذار (مارس) 2000 وآذار (مارس) 2001، كان عدد الخراف في تسمانيا نحو 3,3 ملايين. وهذا مماثل للعدد في السنة السابقة، لكنه أقل مما كان في السنوات الخمس التي سبقت حين بلغ 3,85 ملايين. وقد أتى هذا الهبوط نتيجة انهيار سوق الصوف في أوائل تسعينات القرن الماضي وتوالي عدة مواسم سيئة. وفي آذار (مارس) 2001 كانت هناك 1776 مزرعة لتربية الأغنام، بينها 230 مزرعة يحوي كل منها أكثر من 5000 رأس، ما نسبته 58 في المئة من المجموع، فيما حوت 70 مزرعة أكثر من 10,000 رأس لكل منها، ما نسبته 30 في المئة.
حصاد للعالم
تربى غالبية القطعان في النصف الشرقي من الجزيرة، فيما يربى نحو 20 في المئة على الساحل الشمالي الغربي وجزر مضيق باس. وتشكل سلالة المرينو نحو 75 في المئة من قطعان الأغنام، وغالبيتها تربى في المناطق التي تهطل فيها أمطار قليلة (أدنى من 700 مليمتر). وهي تستخدم لانتاج الصوف الناعم والمتوسط، ويزوَّج بعضها لأغنام بريطانية من أجل إنتاج لحوم ممتازة النوعية.
يصدر نحو ثلثي الصوف التسماني مباشرة من بورني الى أوروبا بشكل رئيسي، أو يشحن عن طريق ملبورن في اوستراليا. وتذهب البقية الى مصانع تسمانيا والبر الأوسترالي.
ويسعى قطاع تربية الأغنام في تسمانيا الى زيادة أعدادها من 3,3 ملايين رأس الى 5 ملايين، تمهيداً لتوسيع صناعتي الصوف واللحوم. ويتم "حصاد" نحو 15 في المئة من الصوف التسماني بموجب برنامج المحلي لضمان الجودة. وقد بات هذا الصوف على درجة من الامتياز تخوّله إمداد الأسواق بأنواع خالية تماماً من بقايا المبيدات أو تحوي قدراً قليلاً منها.