حافظ جريج
نُور الشمس، ونَوْر الأرض، ورائحة الورد وماء الورد، تزيّن بيئة الطبيعة والانسان في شهر "نوّار" اللبناني، "أيّار" في الكلدانية والعربية ولغات سامية أخرى، وفي الميثولوجيا الرومانية "مايو" من اسم إلاهة النمو والربيع "مايا" ابنة أطلس وزوجة زفس ووالدة هرمس أي عطارد. وكان الرومان يرمزون الى مايو بصورة رجل متوسط العمر يحمل على رأسه سلة من الأزهار.
خلال أيامه يتكامل انبعاث الربيع الترابي في سواحل لبنان وجباله وسهوله وأوديته، دفئاً واخضراراً وزهراً وعطراً، زراعاتٍ وغاباتٍ وأحراجاً وألواناً.
مع هذه الصور الحيوية المعروفة، لأيار أيضاً وجه آخر بألوان لا ربيع فيها ولا حياة، لكنها صور لا لا تشبه الموت، وليست نهايات. هي تجلّيات البيئة بتنوع بداياتها وحلقاتها، التكاملية والجمالية، في سلسلة تراثية كونية من الانقلابات الفلكية والتفاعلات الطبيعية بفصولها وصورها المنظورة وغير المنظورة.
وجه أيّار الآخر، لا عطر ولا ندى ولا غيم ولا مطر. إنه ارتفاع في الحرارة وانخفاض في الرطوبة، وتزايد في وقت النهار يبلغ في اليوم الأخير منه 44 دقيقة، فيمنح الشمس فرصة إضافية لتسخين الأرض والجو كلَّ يوم من أيامه الواحد والثلاثين، المصحوبة غالباً وابتداءً من اليوم العاشر بالرياح الحارة، الصَّبا والسَّموم والشَّمال والدَّبُور، يتكامل خلالها أيضاً سكون البحر وغياب الموج وجفاف الشاطئ مع برودة المياه من تفجر الينابيع البحرية وذوبان الثلوج في مجاري الأنهار.
ومع هذا كله يبقى للقمر تأثيره الخاص فتبلغ حركة المد والجزر في أيار الحد الأكثر انخفاضاً، لتطلع "رائحة البحر" من يباس الأعشاب والطحالب، ومن عطش القواقع والأصداف التي تستوطن الضفاف المالحة والحفر الصخرية فيها التي يجمّد أيّار حياتها... الى أن يأتي المدّ في حزيران (يونيو) بمياهه الدافئة وهوائه الغربي، محرّك البحر وباعث الرطوبة الصيفية والربيع المائي. وينقضي الشهر العجيب الذي تفوَّق على جميع الشهور بلوحات ربيعه وخريفه معاً في إطار من بيئة الصيف.
هذه الصور تعبّر عن وجه أيّار الآخر في خريفه البحري على الشاطئ، بيئةً مثيرة للدهشة والتأمّل والاقتباس لابتكار الجديد في الرسم والتصوير والسياحة، وفي صناعة الأشكال والألوان لتصميم الأزياء وهندسة الديكور وتزيين التحف على أنواعها، وأيضاً في الدراسات البيئية وحماية الطبيعة البحرية لما تبقى من الشاطئ اللبناني... والاحساس بهذا كله حتى الطمأنينة والحب على نظرية الشاعر الانكليزي "تشوسر": "قاسٍ هو قلب الذي لا يحبّ في أيّار".
حافظ أديب جريج، المصوِّر والناشط البيئي اللبناني، التقط هذه الصور في أيار (مايو) 2003 على ساحل أنفا ورأس الناطور في شمال لبنان. |