ديمتري سولوفيوف (ايسيك، كازاخستان)
اندفع الثعلب مذعوراً عبر واد متعرج تغطيه الثلوج، محاولاً بلوغ صخور يلوذ بها، وفوقه نسر ذهبي ينقضّ عليه. توقف الثعلب الأحمر الفرو لحظة ليرى ماذا يحدث. لكن فات الأوان، فقد عاجله النسر بضربة قاضية. وانطلقت هتافات الابتهاج من حناجر مئات المتفرجين على منحدر قريب، فيما أعلن الحكم اسم الصياد الفائز. ومضى الصياد على صهوة جواده نحو نسره الذي مزقت مخالبه الثعلب فخصب دمه الثلج على سفوح جبال تين شان.
انه منظر لا يروق لسكان المدن وأنصار البيئة. ولكن في سهوب كازاخستان، التي طغت عليها في الماضي حياة البداوة، يفخر السكان باعادة احياء هذه الهواية الموغلة في القدم، في بلد باتت ثروته تأتي من حقول النفط العظيمة.
الصياد الفائز لم يكن سوى مقبال عبدالرزاقوفا، ابنة الخمسة عشر ربيعاً، التي تفوقت على رجال أكبر سناً وأكثر خبرة. اجتازت هذه الفتاة الخجولة مئات الكيلومترات برفقة أبيها في حافلة بالية، قادمة من قريتها النائية في اقليم كاراغاندا الى هذه البلدة الصغيرة في جوار العاصمة التجارية ألماآتا.
قالت مقبال: "علمني والدي فن الصيد بالنسور، فهو ليس للرجال فقط". كانت، مثل سائر "البركوتشي" أي الصيادين بالنسور الذهبية، ترتدي معطفاً طويلاً مطرزاً يدعى "شابان" وتعتمر قبعة "مالاخاي" تقليدية مصنوعة من فراء الثعالب. وتابعت وهي تمسد ريش نسر عمره أربع سنوات كان يجثم على ساعدها الأيمن ويزعق مهدداً كل من يقترب منه: "هذه الرياضة تجسد إحياء تقاليدنا القديمة، وأتمنى أن تحذو حذوي فتيات أخريات".
أكثر من عشرة صيادين يمتطون جيادهم استعدوا للحدث السنوي في جو قارس، فيما راح المشاهدون يلتهمون ما لذ وطاب من أطباق لحوم الخيل والغنم ويرتشفون الشاي بالحليب في خيمة لباد تقليدية.
قال خانار ساتيلغانوف: "الوضع باختصار هو الآتي: هذا تراثنا، ولا نستطيع أن نعيش من دونه". والرجل هو رئيس أحد نوادي الصيد بالنسور في منطقة جمبول الجنوبية وخريج معهد موسكو للطيران. أضاف: "يقولون ان الصيد بالنسور رياضة، لكن هذا خطأ. انه فن، ويسري في عروقنا. واذا لم نحفظ هذا الفن فسوف ننسى أسلافنا".
تنجز البزاة والصقور والنسور الذهبية تمارينها الأولى بسرعة، مطاردة الأرانب البرية التي تطلق الواحد تلو الآخر وسط بقعة قاحلة تغطيها الثلوج. لكن الثعالب فرائس أشد بأساً. الثعلب الأول نجا بحياته اذ انطلق الى طريق معبدة تعبرها السيارات قبل أن يختفي في حقل قصب على الجانب الآخر. لكن الحظ لم يحالف ستة ثعالب أخرى، مع أن صيد أحدها استدعى مهارات خمسة نسور.
الجوائز التي وزعت على المتنافسين تضمنت مشغولات حرفية تقليدية وشهادات تقدير ومكافآت مالية رمزية. وقال أحدهم ويدعى ابلايخان زباسوف: "أنا سعيد بالفوز، لكن المسؤولين الكبار في الدولة لا يبدون اهتماماً كافياً بهذا التقليد".
في الأزمنة الغابرة، كان الصيد بالصقور رياضة مفضلة لدى الخانات الذين حكموا البلاد. لكنه أصبح شبه منسي أثناء الحكم السوفياتي الصارم. وقد نفي الى تلك السهوب ملايين الألمان والأوكرانيين والكوريين والقوقازيين الذين اعتبر ولاؤهم لموسكو موضع شك. فأصبح الكازاخيون أقلية في بلدهم. حتى لغتهم أخذت تتلاشى. واليوم تحاول كازاخستان، التي استقلت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في أواخر 1991، استعادة بعض ماضيها المفقود. فجعلت النسر الذهبي شعارها الوطني وزينت به سماء علم البلاد الأزرق.
لكن الازدهار الاقتصادي الذي جلبته الاستثمارات الغربية في صناعات النفط والمعادن جعل سكان المدن يفضلون الهوايات الأجنبية على التقاليد القديمة، بما فيها تربية الصقور. قال زباسوف: "نحن لا تنقصنا الحماسة ولا نطلب أي مال. لكن الدعم المعنوي من الدولة يضمن عدم نسيان هذا الفن القديم مجدداً".