كتلة هائلة من الجبال الوعرة ترتفع فجأة من سهول مترامية الأطراف على امتداد غرب القارة الأميركية الشمالية. جبال روكي، أو الجبال الصخرية، تمتد مسافة 3220 كيلومتراً، من نيومكسيكو في الجنوب الأميركي الى ألاسكا في الشمال عبر الأراضي الكندية. وهي تشكل جزءاً من "الحد القارّي الكبير" الفاصل بين الأنهار التي تصب في المحيط الأطلسي والمحيط المتجمد الشمالي وتلك التي تجري نحو المحيط الهادئ.
لجبال روكي جلال خاص. يقصدها ملايين السياح، بالسيارات حيث يرتادون المنتجعات والفنادق، أو سيراً على الأقدام حاملين أمتعتهم على ظهورهم للتخييم في الطبيعة. وكم سجلت آلات التصوير التي حملوها من شواهد على سحر تلك الجبال. كل منعطف تسلكه في الطريق يكشف مشهداً مختلفاً يفوق سابقه روعة. وتشمخ القبب الصخرية المستدقة فوق البحيرات الجليدية الصافية والمروج العابقة بالأزهار.
التنوع الجيولوجي والمناخي في جبال روكي أنعم عليها بتنوع أحيائي كبير. فالسفوح المنخفضة تكسوها الأعشاب. وفوق 1400 متر تتحول الأراضي العشبية الى غطاء من الشجيرات الصغيرة، فالى غابات تضم أشجار التنوب والصنوبر على ارتفاع 2000 متر. وفوق 3200 متر لا تنمو الا الأعشاب والازهار الجبلية الصغيرة خلال الصيف القصير. وتندر النباتات في معظم القمم التي يحتفظ بعضها بغطاء من الجليد على مدار السنة. وهذه الأراضي الوعرة مأوى لتشكيلة كبيرة من الحيوانات، بينها الدببة والماعز الجبلي والوشق.
تضم جبال روكي منتزه بانف الوطني الأقدم في كندا، اذ تأسس عام 1885 بعد اكتشاف ينبوع كبريتي ساخن هناك. والى الشمال منه منتزه جاسبر الوطني وحقل كولومبيا الجليدي الذي يجتذب أعداداً كبيرة من الزائرين. وتنحصر بين سلاسل الجبال المتقاربة بحيرات طويلة ضيقة ووديان تجري فيها الانهار.
ومن المواقع المقصودة بشكل خاص في القسم الأميركي جبل ألبرت، الأعلى في تلك الجبال اذ يبلغ ارتفاعه 4399 متراً، وبحيرة مورين، ووادي القمم العشر، ووادي الفردوس، ومنتزه يلوستون الوطني.
شكلت جبال روكي منذ فجر التاريخ حاجزاً سامقاً شديد الانحدار يفصل الشرق الأميركي عن الغرب. وهو أول حاجز واجه المستكشفين والمستوطنين الذين توجهوا غرباً من السهول المجاورة. انها "جزيرة" من البراري الطبيعية النادرة في بحر يزخر بالحضارة الحديثة، والملاذ الأخير لغابات دهرية ونظم ايكولوجية جبلية لم تمس. وقد أعلنت الأمم المتحدة كثيراً من المنتزهات هناك مواقع تراثية عالمية.
يمكنك أن تشاهد الشفق الألبي على القمم وأنت جالس في مطعم، أو تراقب أيلاً يرعى خلف ملعب غولف، أو تركب زورقاً في نهر أو بحيرة، أو مصعداً يرتقي بك الى روعة القمم، أو مزلجة تزحف فوق بحيرة متجمدة أو نهر جليدي.
الهنود "الحمر" الذين عاشوا على السفوح كانوا يعتبرون هذه الجبال أماكن مقدسة. وكان الشبان ينطلقون في جولات بين القمم، فيصومون أياماً وليالي حتى "تهبط" عليهم الحكمة. ويقوم كثير من الزائرين اليوم بجولات استكشافية مماثلة لاعتقادهم أن هذه الجبال تجدد النفوس المتعبة. فأنت تشعر بالسلام اذ تسمع السكوت وتراقب الغيوم وقطعان الخراف البرية وهي تسرح في الأودية السحيقة. |