النص والصور: محمد السارجي
البحر، ذلك العالم الازرق، كم يخبئ من أسرار!
ما رأيكم في لقاء مع هذا الكائن الجميل؟ قنديل البحر! انه من الهلاميات اللاحشوية التي يشبه جسمها كيساً فارغاً مع نظام هضمي بدائي.
تعيش قناديل البحر عائمة على وجه البحار أو قريباً من السطح تتقاذفها الأمواج والتيارات. ويتراوح حجمها من بضعة مليمترات الى الأنواع الضخمة التي يزيد قطرها على المترين. أما مجساتها الشعيرية فقد يصل طولها، كما في القنديل الذي يدعى "البارجة البرتغالية"، الى عشرين متراً، يرخيها القنديل الى أسفل لتساعده على التقاط الغذاء.
يتكون جسم القنديل من ثلاث طبقات: الداخلية التي تؤدي عمل الجهاز الهضمي لدى الكائنات الأكثر تطوراً، والطبقة الهلامية وهي الأكبر، وطبقة الخلايا الشريطية اللاسعة التي تبرز في أسفل القنديل كخيوط قطنية مختلفة الأطوال. تلك الخيوط هي التي تجعل الاحتراس أمراً واجباً لدى الغوّاص، ولكن لا ضرر في لمس ظهر القنديل الذي لا يحمل خلايا سمية.
يصنف قنديل البحر بين الحيوانات الخمسة الأكثر سمية على وجه الأرض، ما يجنبه خطر الحيوانات البحرية الأخرى ولا سيما المفترسة. فالمجسات اللاذعة لبعض قناديل البحر الاستوائية تحتوي على سموم قاتلة أحياناً. أما الأنواع التي توجد في مياه البحر المتوسط، مثلاً، فلا تسبب الا تورماً وآلاماً جلدية عند اللسع. ولم يسجل للقناديل الا قلة من الأعداء لسمّيتها، منها الحوت والسلحفاة، اضافة الى التيارات التي تدفعها باتجاه الشاطئ فتلفظها الامواج الى اليابسة حيث تجف وتهلك، اذ ان معظم جسمها مكون من الماء.
والمجسات ليست مجرد وسيلة ردع ودفاع. فمعظم الخلايا اللاسعة للقنديل تكون عادة مجتمعة حول الفم، ما يعني ان لها وظيفة أساسية في العملية الغذائية. فعندما يقترب مصدر طعام، سمكة صغيرة مثلاً، تتحسسه المجسات المحيطة بالفم، فينطلق خيط رقيق منها ويلتف حول الفريسة ويطوقها ويلسعها بقليل من السم، فيشلها. ثم يدخلها في الفم الذي هو عبارة عن قعر تتحلل فيه الفريسة بفعل نبضات القنديل، ليحصل بعدها على حساء غني.
ومن المفارقات أن الاسماك الصغيرة تجد في القنديل ملاذاً من مفترسات البحر، وجواره يوفر لها بعض الطعام الذي يتفلت من فمه. الا أن كثرة منها تقع فريسة من تحتمي به وتصبح طعاماً لمن ترجوه إطعامها. انها لعبة الموت حقاً.
تتكاثر قناديل البحر في أوائل أشهر الدفء، ثم تندفع بفعل التيارات المائية قاصدة الشواطئ لتبقى فيها حتى نهاية الصيف. وتفقس القناديل الصغيرة من البيض، فتلتصق بالصخور أو بأي شيء آخر تصادفه في الماء. ثم تتحول ببطء الى شكل طبق، لتأخذ بعدئذ شكل زهرة ذات بتلات، تتساقط واحدة تلو الاخرى، وكل بتلة هي في الحقيقة قنديل جديد. يبدأ بالوميض صغيراً، ليستمر مشعاً مزيناً ظلام القاع ببريق أبيض يتلألأ. لذا استحق أن يطلق عليه اسم قنديل البحر.
محمد السارجي نقيب الغواصين في لبنان. |