Friday 22 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
تشرين الأول (أكتوبر) 2004جزر دلماتيا
  • جزر دلماتيا
  • خليج في جزيرة ملجت
  • قرية في جزيرة لاستوفو
  • حقول مدرجة في جزيرة ملجت
  • سلحفاة ضخمة الرأس فقست حديثاً
  • خليج في جزيرة فيس
  • شجرة وارفة على ساحل جزيرة لاستوفو
  • حشائش بحرية
  • عرض فولكلوري في لاستوفو
 انه الصيف في نصف الكرة الشمالي، وملايين الناس يتوجهون الى المقصد السياحي الجديد الأكثر إقبالاً في منطقة المتوسط: الجزر الدلماتية الجميلة في كرواتيا. لكن فيما يروَّج لهذه الجزر على أنها "الريفييرا الجديدة"، يجتهد عدد متزايد من السكان المحليين لكي لا يتحول الاقبال السياحي على أرضهم إدماناً
إيما دنكان (زغرب)
ينطلق مركب، مسدلاً أشرعته، في الخليج الصغير الذي تحميه تضاريس طبيعية، وقد علا أزيز صراصير الحصاد فوق قرقعات محركه. انه ينسلّ بمحاذاة الخط الساحلي الصخري، وبياضه البرّاق يتباين مع زرقة المياه المتلألئة وخضرة غابة الصنوبر خلفه. وبعدما ألقى مرساته، نزل ركابه الى زورق مطاطي نقلهم الى مطعم "اوغوستا إنسولا" على رصيف الميناء. هناك رحبت بهم فانيا يوريكا، المضيفة الناحلة الأنيقة، وقدمت لهم أطباقاً اشتملت على سلطة الأخطبوط والسمك المشوي على الفحم والخبز الطازج، مقرونة بابتسامة لا تفارق ثغرها.
ما لا يخطر على البال أن فانيا تنتج بنفسها ما يستهلكه المطعم من فواكه وخضار وزيت زيتون، فضلاً عن الشراب الذي نال جوائز تقديرية. فهي تعمل في مزرعتها كل صباح، من الرابعة حتى التاسعة، قبل أن تتوهج أشعة الشمس. والى ذلك، تدير مؤسسة صغيرة تدعى "سباسيمو لاستوفو" غايتها حماية جنات الجزر الكرواتية من السياحة المكثفة.
تقول فانيا: "أحب لاستوفو. لماذا نقترف الأخطاء ذاتها التي اقترفت في أجزاء أخرى من المتوسط؟"
لاستوفو الصغيرة هي إحدى الجزر الدلماتية، تلك المجموعة الجنوبية من الجزر المتناثرة على امتداد ساحل كرواتيا، والتي يزيد عددها على 1000 جزيرة. وقد كانت هذه الجزر مغلقة أمام العالم الخارجي طوال معظم السنوات الخمسين المنصرمة، لذا فان زيارة اليها تشبه العودة الى الماضي القديم، حيث بلدات القرون الوسطى ذات الأبنية الحجرية، والحقول المدرَّجة التي ما زالت تمهد وتشيد جدرانها باليد، وامتدادات واسعة من غابة لم تمس، والخلجان والشواطئ الهادئة، وقلة قليلة من الناس. لا عجب أن تكون هذه الجزر الوجهة الجديدة للسياح الذين سئموا المنتجعات المكتظة والشواطئ "الراقية" في ايطاليا وفرنسا واسبانيا واليونان والبرتغال.
تدفق الزائرين أنعش سكان الجزر. ففي تسعينات القرن الماضي، غادر نحو نصف السكان الى الأجزاء الداخلية من البلاد أو هاجروا، إثر انهيار الشيوعية وتقوُّض صناعة الأسماك في المنطقة. وباتت فرص العمل محدودة، وتقلصت خدمات كالمدارس ووسائل النقل. ومعظم السكان الباقين يرون السياحة وسيلة لانعاش اقتصادهم المحلي.
لكن السيّاح سيف ذو حدين. فبينما يؤمنون لمجتمعات الجزر الصغيرة دخلاً هي في أمسّ الحاجة اليه، يهددون أيضاً الجمال الطبيعي الذي يجتذبهم في المقام الأول.
ان امكانية الخطر هائلة. فالمتوسط هو المقصد السياحي الأول في العالم، يستقبل 220 مليون زائر كل سنة، ويتوقع أن يرتفع العدد الى 350 مليوناً بحلول سنة 2025، أي أكثر من مجموع سكان أميركا الشمالية. ورغم أن كرواتيا لا تستقبل حالياً الا عدداً صغيراً من السياح، فمن المتوقع أن تصبح بحلول سنة 2020 من المقاصد الثلاثة الأوائل.
تقول مارينا راديك من جمعية "سونس" البيئية المحلية: "السياحة هي الطريق الأقصر لكي يكسب الناس مالاً. لكن ما لم يتم تطويرها بعناية، فاننا سنشهد تحولاً في الجزر الدلماتية مماثلاً لما حدث في أماكن أخرى كثيرة من المتوسط. ستصبح مكسوة بالاسمنت!"
المنازل والشقق السياحية، التي يبنى الكثير منها عشوائياً، بصورة غير مشروعة، آخذة في التمدد الى خارج القرى والمدن في الجزر. والمستثمرون يشترون الأراضي لبناء منتجعات كبيرة. وليس من الصعب الادراك أن الجانب الكرواتي من البحر الادرياتيكي، اذا ما استمر البناء عليه خارج نطاق السيطرة، يمكن أن يصبح في نهاية الأمر مماثلاً للجانب الايطالي، فيتحول الى التمدن كلياً من الشمال الى الجنوب. وهذا لا يقضي على ميزة الجزر فحسب، بل يدمر أيضاً أحد أكبر امتدادات الطبيعة الفطرية في منطقة المتوسط برمتها.
يقول باولو غوجليلمي، الذي يرأس البرنامج البحري للصندوق العالمي لحماية الطبيعة في المتوسط: "ان التنوع البيولوجي في الجزر الدلماتية محمي جداً بشكل لا يصدق. فالمياه تؤوي مفاقس ومصائد الأسماك الهامة والدلافين والمروج العشبية المستوطنة في خليج بوسيدونيا والسلاحف الضخمة الرأس، بينما تضم الغابات كثيراً من أنواع النباتات والحيوانات والطيور المستوطنة".
استبعاد السكان!
فانيا واحدة من عدد متزايد من سكان الجزر الذين يدركون ضرورة أن يكون هناك توازن بين حماية هذه الثروة الطبيعية وكسب لقمة العيش من خلال السياحة. تقول: "يجب أن نكون أذكياء عندما نتخذ قرارات حول كيف ينبغي أن نكسب المال". وهي تشير الى أن لاستوفو، كمعظم الجزر، ببساطة لا تحتوي على ما يكفي من الماء والبنية التحتية ووسائل النقل التي تربطها بالأجزاء الداخلية من البلاد، لدعم نمط السياحة المكثفة السائد في مناطق أخرى من المتوسط. وتضيف أن "كثيراً من الناس يظنون أن كل ما نحتاج اليه هو توفير الأسرّة للسياح، لكن بناء فندق لايواء 2000 شخص على جزيرة لا يتعدى سكانها المقيمون طوال السنة 400 نسمة هو أمر غير معقول. فمن أين سيأتي الماء، والى أين ستذهب النفايات؟ وكيف يمكن لفندق كبير لا يمتلئ الا لمدة شهر أو شهرين أن يعيلنا طوال السنة؟ اننا نحتاج الى تطوير شيء يكون أكثر استدامة ولا يدمر الموارد التي نمتلكها".
كخطوة أولى لحماية الجزيرة من التنمية الخارجة عن نطاق السيطرة، تبذل فانيا جهوداً مكثفة لاعلان لاستوفو محمية طبيعية. هذه المبادرة المحلية التي تدعمها جمعية سونس والصندوق العالمي لحماية الطبيعة هي الأولى من نوعها في كرواتيا، حيث ينظر عموماً الى المحميات بارتياب. تقول مارينا: "ان جزيرة مليت المجاورة هي منتزه وطني. لكن السكان المحليين لا يستسيغون هذا. فهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً من دون إذن، وهم مستبعدون من ادارة المنتزه. لكن المحمية الطبيعية أمر مختلف. فهي تسمح بمزاولة نشاطات بشرية، وبذلك تصبح لها أهمية أكبر بالنسبة الى المجتمعات التي تعيش في الجزر.
كجزء من تحويل لاستوفو الى محمية طبيعية، يجب تحديد قدرتها الاستيعابية. وهذا يتيح معرفة الحد الأقصى لعدد السياح الذين يستطيعون المكوث على الجزيرة في وقت واحد. واضافة الى ذلك، فان الوضع الشرعي للمحمية الطبيعية سيساعد في الحد من البناء غير القانوني الذي يحدث حالياً. واعلان الجزيرة محمية طبيعية، المتوقع أن يصبح رسمياً السنة المقبلة، من شأنه أن يساعد السكان أيضاً بصورة غير مباشرة، من خلال إلزام الحكومة الكرواتية تحسين وسائل النقل والخدمات الأخرى. وهذا أمر هام للغاية، اذ ان طبيعة الجزيرة ليست وحدها بحاجة الى حماية، وانما سكانها أيضاً.
تقول مارينا: "السكان المحليون هم أثمن مورد لحماية التنوع البيولوجي والمناظر الطبيعية. فاذا كانت هناك مجتمعات مزدهرة على الجزر تنتفع من الطبيعة، عندئذ تكون الحماية مستدامة. لكن الحماية لا تكون مستدامة اذا ماتت المجتمعات". وهذا موقف آخر مناهض للسياحة الجماعية المكثفة. يقول باولو: "السياحة الجماعية تدمر التراث المحلي ولا تعزز الدخل المحلي كثيراً. وفي حالات عديدة تذهب غالبية الأرباح الى متعهدي الرحلات والمستثمرين الأجانب. فعلى سبيل المثال، ذهب ثلثا الدخل من السياحة المتوسطية خلال السنوات الثلاث الأخيرة الى أقل من 10 متعهدي رحلات من شمال أوروبا".
الممر الأزرق
صممت فانيا على ابقاء تراث لاستوفو وروحها على قيد الحياة. وبدعم من جمعية سونس والصندوق العالمي لحماية الطبيعة، أقامت قنوات معلوماتية تصف طبيعة الجزيرة وتاريخها الطويل الذي يعود الى عصور ما قبل الرومان. وهي تدير أيضاً نادياً للتصوير الفوتوغرافي لأطفال الجزيرة. تقول: "أريد أن يتعرف الأطفال على لاستوفو عن كثب، لا ان يمروا بالأشياء مرور الكرام. وبهذه الطريقة يفاخرون بموطنهم ويهتمون أكثر بمستقبله".
دعم الصندوق العالمي لحماية الطبيعة وجمعية سونس لفانيا جزء من مشروع أشمل في الجزر الدلماتية لاقامة "ممر أزرق" (Blue Corridor) هو امتداد من الجزر والمياه مساحة 4207 كيلومترات مربعة، سيضم أشكالاً مختلفة من المناطق المحمية، كلها بادارة أشخاص محليين. وضمن هذه المنطقة، ستُمد يد العون الى سكان الجزر لتطوير سياحة بيئية مسؤولة وسبل حياة مستدامة أخرى، ليس بهدف حماية التنوع البيولوجي فحسب، بل أيضاً لمساعدة الناس في المدى البعيد.
يقول باولو: "السياحة الجماعية يمكن أن تجلب لهذه المنطقة منافع قصيرة الأجل فقط. ان الجاذب الرئيسي للجزر الدلماتية هو جمالها الطبيعي وتراثها الثقافي. ونحن لن نمنع الناس من التمتع بهما، وانما نحاول حمايتهما لمصلحة الجميع حاضراً ومستقبلاً".
إيما دنكان مديرة تحرير منشورات الصندوق العالمي لحماية الطبيعة.
...مواضيع أخرى
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.