كهوف وأنفاق بركانية ومسالك ضيقة تنتظر هواة الاستكشاف
أحمد محمود الشريدة (لواء الكورة، الأردن)
هل خطر في بالك أن تدخل في مغاور وأنفاق كالتي نشاهدها في الرحلات الفضائية الخيالية؟ هذا ما تمنحك اياه سياحة بيئية جيولوجية في الأردن، تشمل زيارة الكهوف الطبيعة والأنفاق البركانية والممرات الجبلية الضيقة وأماكن التعرية المائية والهوائية والتشكيلات الجبلية والصخرية.
اليك نبذة سريعة عن أهم هذه المواقع.
مغارة الكورة
تناولت الروايات الشفوية في لواء الكورة في شمال الأردن أن هناك مغارة ذات طبيعة خاصة في غابات جبل برقش. وفي عام 1995 قمت بزيارة استكشافية الى موقع المغارة هادفاً كشف النقاب عما تحتويه من معالم طبيعية وجيولوجية نادرة.
ترتفع مغارة الكورة عن سطح البحر 830 متراً، وتبلغ المساحة المنظورة نحو 4 كيلومترات مربعة. المشاهد الجيولوجية في الداخل تؤكد أن المغارة نتجت عن تكسرات موضعية نتيجة تكوين حفرة الانهدام الغوري الأردني، ما أدى إلى تكسير الصخور الجيرية وإيجاد فواصل سهلت حركة الماء الجوفي بين هذه الصخور مسببة تآكلها وإذابتها رويداً رويداً. وبعد ذلك بدأت التجاويف تظهر ثم تكبر عبر آلاف السنين. وساعدت عملية أكسدة غاز الميثان وثاني كبريتيد الهيدروجين، وعن طريق الماء الجوفي المشبع بالأوكسيجين، في تكوين الهوابط والصواعد في المغارة.
في تلك التجاويف والأنفاق فعلت المياه الكلسية المترسبة من مرتفعات جبل برقش فعلتها. وشكلت مع مرور الزمن عالماً من المغاور الصغيرة الحجم والدهاليز والأقبية والسراديب المتصلة بعضها ببعض، والممرات والباحات والمعابر، مثل "ممر برقش" و"قاعة الكورة" و"قاعة كورة لبنان" و"ممر الزيتون" و"باحة الجواد" و"قبو البيئة" و"سرداب الشمال" و"دهليز زقلاب" و"معبر جعيتا".
ومن المشاهد الجيولوجية داخل المغارة مخاريط من أعمدة الصواعد متكونة في الأرضية، ومخاريط النوازل (الهوابط) مدلاة من السقف على أشكال أبواق أو محاقين أو صفائح أو رقائق مشابهة لأوراق الموز. وفيها ترسبات كلسية وأعمدة غير منتظمة الشكل وأشباه تماثيل ومسلات ومخاريط بوقية. وثمة تكوينات كلسية بديعة، ولوحات جدارية طبيعية متدرجة في الألوان والأطياف ذات جمال نادر، توحي بقدرة الصخر على مطاوعة الماء وتذكّر بالألوان الوردية لمدينة البتراء الأثرية في جنوب الأردن. وفي المغارة نبع ماء فوار.
الأنفاق البركانية
في البادية الشمالية من أراضي الأردن، التي تنتشر على سطحها صخور بازلتية ناتجة عن الاندفاعات والانسيابات البركانية ويعود أقدمها إلى 25 مليون عام، عدد من الأنفاق البركانية والكهوف التي من أهمها "مغارة عزام" و"مغارة دحدل".
والانفاق البركانية تكوينات جيولوجية رائعة، يصل طول بعضها الى 600 متر بقطر يتراوح بين 10 أمتار و15 متراً. وتمتاز بمواصفات فيزيائية وهندسية، منها أن سماكة السقف وصلابته قابلتان للتطور والتوسع والتشكيل، إضافة إلى سهولة التضاريس المحيطة.
تشكلت هذه الأنفاق بشكل طبيعي، ونتجت عن الانسيابات البركانية المتعاقبة التي يكون معدل تبريد سطحها أكثر من جوفها، الأمر الذي يؤدي إلى تجويف داخلي على هيئة نفق طبيعي بسبب انقطاع المصدر البازلتي واستمرار حركة الانسياب الداخلي. وتضم هذه الأنفاق استدارات خلابة في أسقفها، منها الهوابط والمعادن النادرة. وعلى امتدادها مَيَلانات متغيرة الاتجاه مكونة من انحناءات والتواءات رائعة الجمال.
ثروة سياحية ثقافية
استخدمت المغاور في العصور الغابرة لأغراض عديدة، كالسكن والحماية والدفاع والعبادة، وكمدافن ومستجمعات مياه، ولأغراض زراعية وتخزينية.
هذه المغاور والأنفاق هي ثروة جيولوجية وبيئية وصحية وسياحية هامة. وهي تتصف بمواصفات وتراكيب جيولوجية فريدة من نوعها، وتضاهي المغاور المشهورة عالمياً. في الوقت الحالي يمكن الاستفادة منها عبر تشجيع السياحة البيئية الجيولوجية، من خلال قيام الزوار بجولات استكشافية داخلها واستخدامها لأغراض تعليمية لغايات طلاب المدارس والجامعات والباحثين، باعتبارها متحفاً جيولوجياً مفتوحاً.
ونظراً لما تتمتع به من درجة حرارة مناسبة تتراوح بين 15 و18 درجة مئوية في معظم أيام السنة، فهي مناسبة لأغراض السياحة الطبية العلاجية. وقد أجريت دراسات علمية في دول مثل اوستراليا وجزر هاواي والبرتغال ولبنان، التي تحتوي على أنفاق ومغاور مشابهة، تبين خلالها أن "المناخ" داخل تلك المغاور والأنفاق يفيد في علاج الأمراض الصدرية، خصوصاً الربو، وكذلك في علاج بعض الأمراض النفسية كالقلق والتوتر لما فيها من سكينة وهدوء وطمأنينة.
أشكال الحياة المنظورة قليلة داخل تلك المغاور والأنفاق. تأوي اليها الخفافيش، وتظهر في سقوفها جذور الأشجار الحرجية التي تعيش فوق سطحها. ويقع معظمها وسط منطقة تعد من أجمل الغابات الطبيعية في الأردن. ففي الجوار محمية برقش للسياحة البيئية، الأمر الذي يتيح تكاملاً بين نظام غير حيوي تقريباً ونظام شامل لتنوع حيوي يندر أن يجتمع في منطقة واحدة. وهو يتجلى في وجود العديد من الحيوانات البرية، مثل الغزال الجبلي والوعل والأيل والثعلب والوشق والضبع المخطط والذئب والخنزير البري. ومن الأشجار المثمرة في المنطقة الزيتون الرومي والكرمة والتين والرمان واللوز، الى الاجاص البري وتفاح المجانين والزعرور والعليق. وفيها أشجار حرجية أبرزها البلوط والملول (فكتوريا) والبطم والقيقب والنبق والدوم والزان والبزة والعبهر، وأخيراً تم إدخال شجرة الأرز.
في الربيع تتحول المنطقة إلى بساط أخضر جميل من الأزهار البرية، وخاصة السوسنة السوداء وقرن الغزال (التوليب) وبخور مريم وشقائق النعمان والأقحوان وعرف الديك والنرجس، والأوركيديا. وتنبت فيها نباتات طبية كالزعتر والمرمية والبابونج والنعناع البري والشيح والقيصوم.
هذه دعوة لعشاق استكشاف الطبيعة الجيولوجية البكر الى زيارة مواقع السياحة الجيولوجية في الأردن، ومغامرة الدخول والعودة إلى رحم الأم الأرض في رحلة بحث واستكشاف.
Yahoo.com@shriedeh