عماد فرحات
القادمون الى الوادي الكبير، أو الغراند كانيون، تعتريهم الرهبة عند مشاهدته. فهذا الوادي الذي يخترق ولاية أريزونا الأميركية، والذي نحته نهر كولورادو في الصخر، هائل الى حد يفوق التصور. طوله 446 كيلومتراً، ويصل عرضه الى 29 كيلومتراً في بعض المواقع وعمقه الى نحو 1600 متر.
وجماله أيضاً لا يصدق. فبالإضافة الى الممر الضيق الرئيسي الذي يتدفق عبره النهر، هناك شبكة معقدة من الوديان الجانبية الضيقة والوهاد و"الأبراج" والأجراف والتشكيلات الصخرية العملاقة. وتراوح الألوان من الأسود والبرتقالي الى الأحمر والزهري والأبيض القشدي. ومع عبور الشمس الغيوم فوق الوادي، يتلاعب الضوء والظل على الصخور فينسجان أشكالاً وألواناً.
ولعل أروع أنحائه يضمها منتزه غراند كانيون الوطني. ومعظم زائري هذا المنتزه يوافقون المستكشف جون وسلي باول الذي وصف الوادي بأنه "المشهد الأكثر مهابة على الأرض".
الصخور من أسفل الوادي حتى أعلاه تروي حقبات الزمن. والأحافير التي تحويها تسجل ظهور أشكال الحياة على الأرض، وأقدمها بقايا نباتات بحرية بدائية. وفي الطبقات الأعلى والأحدث عهداً أحافير مفصليات منقرضة شبيهة بالسلطعون وأسماك بدائية وحشرات وسرخسيات وزواحف.
العمق السحيق أوجد في الوادي أربع مناطق مناخية ونباتية مميزة. وتنمو على الطرف الشمالي الأكثر برودة غابات عذراء كثيفة من الحور والصنوبر والتنوب والبيسية. ويكسو الطرف الجنوبي غطاء من أشجار البسيون والعرعر المتفرقة. وتتنوع الحيوانات من العقارب والسحالي في القاع الى الثعالب الرمادية ومالك الحزين والأيائل في الشعاب الجانبية الخصبة وسنجاب كيباب الفريد في غابات الطرف الشمالي. وترتع في أرجائه الظباء والأسود الأميركية (الكوغر) والأكباش الجبلية. وقد عاشت فيه قبائل أصيلة تعود الى عصور ما قبل التاريخ. وما زالت ماثلة للعيان خرائب قرى "الهنود الحمر" والمساكن على المنحدرات الشاهقة. ويحدّ المنتزه من الجنوب موئل شعب الهافاسوباي الذي ما زال يقيم هناك.
تأثيرات السياحة والمشاريع المائية دفعت الحكومة الأميركية الى اتخاذ خطوات غير تقليدية لحماية بيئة الوادي. ففي العام 1996 تم إحداث "فيضان منضبط" عبر سد غلين كانيون كوسيلة لاعادة الفيضانات الربيعية التي كان يشهدها. وأدى ذلك الى وضع خطة جديدة لادارة المياه، تشمل استحداث فيضانات لاعادة النظم الايكولوجية الطبيعية في الوادي الى وضعها السابق الذي غيّره انشاء السد عام 1963. ومنذ العام 1997، تمنع الطائرات الصغيرة والمروحيات من التحليق فوق الوادي. واتخذت تدابير أخرى للحد من تأثيرات السياحة على المنتزه.
رغم الأعداد الكبيرة للزوار الذين يهبطون الممرات الشديدة الانحدار أو يجذفون بزوارقهم المطاطية في منحدرات النهر السريعة، يبقى الوادي الكبير قفراً حقيقياً. فضخامة منحدراته ووهاده وفضاءاته الخالية ما زالت تقزّم كل غزو بشري... ولكن الى حين. |