الحسن باكريم (أغادير)

المغرب همزة وصل بين أوروبا وافريقيا. وبحكم موقعه هذا، ومناخه الذي يغطي سلسلة واسعة من الأوساط البيئية المختلفة، يتميز بتعدد حيوانه ووفرة غطائه النباتي.

وتعتبر شجرة الأركان وطائر أبي منجل الأصلع نموذجين لغنى المحيط الحيوي المغربي، وكذلك للمشاكل البيئية التي تهدد هذا المحيط بالتدهور يوماً بعد يوم، رغم كل الجهود المبذولة منذ مدة.

الأركان أو الهرجان Agrania spinoza شجر شائك من فصيلة السبوتيات، قد يعمّر نحو 250 سنة. أوراقه صغيرة وشكله العام يوحي بشجرة الزيتون. تغطي غاباته نحو 700 ألف هكتار في جنوب غرب المغرب، خصوصاً بين الصويرة وأغادير وفي وادي سوس. هذه المنطقة صنفتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (الاونسكو) ضمن التراث العالمي. وهو ينتشر في هذه المناطق دون غيرها في العالم، حيث مناخ شبه جاف الى جاف ومعدل تساقطات مطرية ما بين 120 و500 مليمتر في السنة.

تقاوم شجرة الأركان درجات الحرارة العليا التي تبلغ أحياناً 50 درجة مئوية، وتمتاز بحاجتها المائية القليلة نسبياً، وتتطلب لنموها 120 مليمتراً من المطر كحد أدنى. وهي تقاوم الجفاف باستعمال "استراتيجية" لاقتصاد الماء قوامها جذور طويلة ومتحركة، وتخزين الماء في الخشب، وسقوط الأوراق لتقليل عملية التبخر.

يتمثل دور الأركان الايكولوجي في الحفاظ على رطوبة الجو والتربة ومكافحة التصحر وزحف الرمال وإضعاف قوة الرياح، إضافة الى توفير المادة العضوية للتربة بأوراقه المتساقطة والأعشاب التي تنمو في ظلها. كما أن له دوراً اجتماعياً اقتصادياً، فهو يوفر الكلأ للمواشي، خصوصاً الماعز والابل، فضلاً عن الحطب وخشب التدفئة والتفحيم والبناء. وتستخدم أغصانه الشوكية لتسييج الزرائب. ولعل أهم ما يوفره البذور التي يستخرج منها زيت الأركان الغني جداً بمذاقه وقيمته الغذائية والطبية.

تداخل هذه الادوار في حياة السكان نسج علاقات اجتماعية وتاريخية أعطت الأركان دوراً آخر ذا ابعاد انسانية وثقافية وحضارية. وهذا يفسر حضور هذه الاشجار ومنتوجاتها في العادات والتقاليد المغربية وفي الآداب والثقافة، خاصة في جانبهما الأمازيغي.

تعاني شجرة الأركان اليوم صعوبات جمة تجعلها مهددة بالانقراض بسبب عاملين متلازمين: كونها موروثة عن فترات مطيرة تنتمي الى الزمن الثالث، وتعرضها للتدخل البشري العنيف والمخرب للبيئات الجافة الحساسة، من استغلال مفرط وعشوائي ورعي جائر واجتتاث وحرائق. هذه العوامل أفقدت غابة الأركان نحو 200 ألف شجرة الى 30 شجرة في الهكتار، مما أحدث اختلالاً ايكولوجياً وبيوجغرافياً خطيراً.

ولكن يبقى التفاؤل وارداً ما دامت شجرة الأركان تحظى حالياً بعناية كبيرة من الجهات الحكومية المغربية المعنية، وبعناية شلة من نشطاء المجتمع المدني، وكذلك بعناية دولية. وفي هذا الاطار يندرج مشروع محمية المحيط الحيوي للأركان، الذي انطلق عام 1995 بالشراكة بين الوزارة المكلفة بالمياه والغابات والوكالة الألمانية للتعاون التقني (GTZ)، والهادف الى تنفيذ برنامج لرد الاعتبار الى هذه الشجرة ومحاولة ادماج سكان مناطق انتشارها في تنمية مستدامة عبر أنشطة مختلفة، من محو الأمية وبناء الطرق والمدارس ومد الكهرباء ومياه الشرب الى انتاج زيت الأركان في إطار تعاونيات وجمعيات محلية. وفي 1998، تم الاعتراف بها كمحمية عالمية من منظمة الاونيسكو. وعلى رغم أن المشروع ما زال في مراحله الأولى، فقد أعطى نتائج أولية مشجعة تمثلت في انخراط عدد كبير من المهتمين الدوليين والمغاربة في المشروع، وتكوين ترسانة من الأبحاث والدراسات العلمية، وتأسيس عدد كبير من الجمعيات المهتمة والتعاونيات المنتجة، وتطوير أدوات استخراج زيت الأركان وعملية غرس أشجاره.

وتعزز المشروع الحمائي بوضع إطار قانوني خاص بمحمية المجال الحيوي لغابة أركان واقامة هيكلية ادارية خاصة في اطار مؤسسة محمد السادس لحماية أركان.

طائر بحجم الدجاجة، طوله بين 55 و85 سنتيمتراً، يعيش نحو 25 سنة. ساقا أبي منجل الأصلع (Geronticus eremite) قصيرتان قويتان، ريشه أسود داكن، منقاره طويل أحمر، يتغذى على الحشرات والعقارب والثعابين الصغيرة وغيرها. تبيض أنثاه بين بيضتين وأربع بيضات بين شهري آذار (مارس) ونيسان (ابريل). انه طائر بدائي في طباعه وفي تغذيته، مما يعرضه للانقراض السريع. كان سائداً في أنحاء عديدة من العالم، من أوروبا الى الشرق الأوسط وشمال افريقيا. لكنه انقرض في اوروبا مع نهاية القرن التاسع عشر، واختفى في الشرق الأوسط منذ 1928، وقد شوهد آخر زوج منه في تركيا عام 1990.

وفي ربيع 2002 شوهدت 7 طيور للمرة الاولى في البادية السورية، اعتبرت منظمة Birdlife International انها المجموعة البرية الوحيدة الباقية في العالم التي لا تزال تحفظ مسار الهجرة التاريخية.

حالياً، تتواجد أزواج من أبي منجل الأصلع في المناطق الساحلية شمال وجنوب مدينة أغادير المغربية، قبالة المنطقة التي تسودها أشجار الأركان. انها لمصادفة بيئية جميلة!

منتزه سوس ماسة الوطني محمية في جنوب المغرب للحفاظ على بعض الحيوانات المهددة بالانقراض، ومنها أبو منجل الأصلع. يقول المهندس علي أغناج، المسؤول في المنتزه، ان الجهود المبذولة في إطار مشروع المحافظة على هذا الطائر أعطت نتائج مشجعة جداً. وقد بدأ المشروع عام 1993 بشراكة بين ادارة المياه والغابات المغربية ومجموعة من المنظمات غير الحكومية، من ضمنها على الخصوص "بيردلايف انترناشونال". وعمل على تأمين الظروف البيئية وغيرها من أجل تكاثر هذا الطائر، وتوفير الامكانات المادية والبشرية من أموال وعتاد وتقنيين وحراس لرصد تحركاته، ومراقبة مناطقه من أي تدخل يشكل خطراً على حياة أفراده. وتولى المشاركون في المشروع حفر أماكن على أجراف السواحل التي تعشعش فيها طيور أبي منجل الأصلع وتتوالد بعيداً عن الأنظار، في جو لا يهددها بالقنص الجائر.

وهناك أسباب اخرى تهدد هذه الطيور، كاختفاء عناصر تغذيتها المفضلة من الحشرات، وسرعة التمدن، وهما مشكلتان يتباحث حولها الفاعلون الأساسيون في مشروع المحافظة على طائر أبي منجل الأصلع. والجهود منفتحة حالياً على المجتمع المدني المهتم، خاصة في المناطق التي يتواجد فيها هذا الطائر.

محمية المجال الحيوي لغابة أركان ومشروع المحافظة على طائر أبي منجل الأصلع مبادرتان مهمتان في إطار المحافظة على التنوع الحيوي. لكنهما في حاجة الى دعامتين أساسيتين: اعلام بيئي يعرّف بهما ويقوِّمهما، وتنامي وعي بيئي تربوي داخل المؤسسات الاجتماعية المختلفة، من مدارس وجمعيات وأندية وشركات وغيرها، يساعد الفاعلين في هذا المجال على الفعل أكثر.

تتكون ثمرة الأركان من لب كثيف وقشرة صلبة تضم بذرة زيتية تمثل نحو 3 في المئة من وزن الثمرة لكنها تحوي نحو 60 في المئة من الزيت. وما زالت عملية استخلاص الزيت بدائية، تقوم بها النساء في أوقات فراغهن. تبدأ عملية الاستخلاص بإزالة اللب، ثم تكسير القشرة باليد لاستخراج البذور الزيتية. وبعد تسخين البذور في حرارة معتدلة داخل أوان من الفخار أو الحديد، تطحن بواسطة طاحونة يدوية. وبعد خلط العجينة الناتجة عن عملية الطحن بالماء الدافئ، تضغط جيداً بالأيدي ويتم الحصول على الزيت بعد فصل الماء.

ويستعمل زيت الأركان في تحضير أطباق مغربية متعددة تتميز بنكهة خاصة جعلت كبرى المطاعم الأوروبية تتهافت على اقتنائه. وهو خفيف وسهل الهضم ويساعد على تقليص نسبة الكولسترول "المؤذي" في الدم، فضلاً عن احتوائه على نسبة مهمة من الفيتامينات. وهو يستعمل منذ مئات السنين في علاج عدد من الأمراض، كالقروح الجلدية وآلام الروماتيزم، كما يستعمل تقليدياً ضد العقم. وهو يدخل في تركيب مستحضرات التجميل. وقد شرعت المختبرات الفرنسية في إدخاله ضمن مكونات منتجاتها للحد من انحلال الأنسجة والحماية من أشعة الشمس وعلاج جفاف الجلد والأظافر.

لذا يتعين على المسؤولين مضاعفة جهودهم لحماية هذه الشجرة من خطر التمدن السريع والقطعان الجائعة بفعل الجفاف والتي تجد في الأركان غذاءها المفضل.