في خضم جحيم الحرائق التي تلتهم غابات البرتغال في أسوأ جفاف عرفه تاريخها المسجل، والتي دمرت مساحات كبيرة من غابات الفلين النادرة وموائل الحيوانات المهددة والنباتات المتوطنة يواصل الصندوق العالمي لحماية الطبيعة مشروعه لتجديد الغابات المحروقة بما يدعم الطبيعة والاقتصاد والمجتمعات المحلية.
لشبونة – "البيئة والتنمية"
غابات البرتغال وقود للحرائق التي تجتاح مناطقها الوسطى والشمالية، في أشد موجة جفاف تواجهها البلاد منذ العام 1945. وحتى أواخر آب (أغسطس) 2005، دمرت الحرائق نحو 1500 كيلومتر مربع من غابات البرتغال، أي ما يعادل 15 في المئة من مساحة لبنان. علماً أن موسم الحرائق مستمر حتى أوائل الخريف ويتوقع اتساع رقعة المساحات المحروقة.
معروف أن تطرف اختلاف المناخ بين الشتاء والصيف في المناطق المتوسطية هو أحد أسباب الحرائق. فالأمطار الشتائية تؤدي الى نمو الاشجار والأعشاب في الغابات. وخلال الصيف الحار والجاف تيبس الأعشاب وتحترق بشكل طبيعي. ولكن، في الماضي، كانت الحرائق الكبيرة تحصل مرة كل عشرات من السنين. وقد سجلت حرائق عظيمة عام 1945 حين تعرض 80 في المئة من مساحة البرتغال للجفاف. لكن الحرائق باتت خلال العقود الأخيرة أكثر حدة وتكراراً. فقد أحدثت موجة الحر التي ضربت أوروبا عام 2003 أكثر من 25,000 حريق، كان معظمها في البرتغال حيث قدرت كلفتها المالية بأكثر من مليار يورو. لكن موسم الجفاف والحرائق لصيف 2005 تجاوز كل المستويات السابقة في البرتغال، اذ شمل الجفاف الحاد نحو 97 في المئة من مساحة البلاد.
الحرائق في البرتغال أفظع منها في بقية أوروبا لسبب رئيسي هو النظام العقاري. فمعظم الغابات يملكها أفراد، وقد أهملوها، فلا تلقى العناية الضرورية مثل ازالة الأعشاب أو حرقها المنظم. ولا يوجد سجل عقاري مركزي تستطيع السلطات الحكومية على أساسه تحديد أصحاب الغابات وإجبارهم على إنشاء "حواجز حرائق"، أي تفريغ بعض أجزاء الغابات من الأشجار كي لا يحصل تواصل في امتداد النار، أو زرع أحزمة من الأشجار المقاومة للحرائق تحول دون شبوب النار وتساعد في السيطرة عليها. وثمة سبب حديث لهذا الدمار الأحمر، هو زرع مساحات كبيرة بأشجار الاوكاليبتوس من أجل استغلال لب الورق، وهذه أشجار سريعة الاحتراق.
حرائق هذه السنة في البرتغال أدت الى مقتل 15 شخصاً على الأقل، معظمهم من رجال الاطفاء. كما دمر الجفاف محصول القمح الذي هبط 95 في المئة عن حصاد 2004 فلم يتجاوز 9000 طن. وهبط المحصول الاجمالي للحبوب 60 في المئة، وهو الأسوأ خلال العقود الماضية. وبدأ برنامج لتقنين الماء في أنحاء البلاد.
ويحذر المراقبون من أن تغير المناخ يتسبب في موجات جفاف صيفية أطول وأحوال مناخية بالغة القسوة، مثل فترات من الحر الشديد والهواء الجاف جداً والرياح القوية جداً، مما يؤجج ويوسع انتشارها.
أحزمة الفلين
في حزيران (يونيو) 2005، أطلق الصندوق العالمي لحماية الطبيعة (WWF) ولجنة التحريج في اقليم الغارف مبادرة لمكافحة حرائق الغابات، تتضمن تجديد المساحات المحروقة وإرساء ادارة مناسبة للأراضي. المبادرة المعروفة بمشروع "كانسينو" (Cansino) تركز حالياً على جبل مونشيك، الذي ابتلته خلال عامي 2003 و2004 حرائق كبرى أتت على أكثر من 700 كيلومتر مربع. وقد شهد إقليم الغارف، الذي يقع فيه هذا الجبل، أعظم الحرائق خلال صيف 2005.
يشمل المشروع تشجير الغابات المحروقة واعادة تصميم الأراضي وإنشاء حواجز عازلة لجعلها أكثر مقاومة للحرائق. وستؤدي أشجار الفلين دوراً رئيسياً، اذ انها مقاومة للحرائق طبيعياً. وهي ستزرع في المناطق الرئيسية المزروعة بأشجار الاوكاليبتوس، لتكون حواجز لصد الحرائق. وسوف ينفذ مشروع كانسينو في منطقة مساحتها 40 كيلومتراً مربعاً خلال السنوات الثلاث المقبلة. وعلى المدى البعيد، سيزرع مزيد من أشجار الفلين اضافة الى أنواع أخرى من الأشجار والشجيرات لاستعادة غابات الفلين الطبيعية في المنطقة.
جبل مونشيك، الذي تزيد مساحته الاجمالية على 760 كيلومتراً مربعاً، مدرج في قائمة Natura 2000، وهي شبكة مواقع محمية في دول الاتحاد الاوروبي. وتغطي غابات الفلين في جبل مونشيك وجبل كالديراو، الذي يقع أيضاً في الغارف، مساحة تزيد على 40,000 هكتار. وفيما جبل كالديراو ما زال يحوي غابات فلين كثيفة، فان الغطاء الطبيعي في جبل مونشيك اختفى تقريباً بسبب الزراعة والتوسع في مزارع شجر الاوكاليبتوس والحرائق في السنوات القليلة الماضية.
وغابات الفلين الطبيعية المتبقية في مونشيك هي الأغنى في البرتغال، اذ توفر موائل لمعظم الأنواع المهددة بالانقراض والخطر، مثل الوشق الايبيري والنسر البونيلي، اضافة الى كثير من الأنواع النباتية المتوطنة. وتساهم غابات مونشيك أيضاً في اقتصاد البلاد، من خلال استغلال أشجار الاوكاليبتوس ومنتجات غابات الفلين والسياحة البيئية.
يقول خوسيه روسيندو، وهو مهندس لدى لجنة التحريج في الغارف: "مفتاح النجاح لمشروع كانسينو هو مشاركة الجميع، من مالكي الغابات ومزارع الأشجار الى السلطات المحلية. هذا المشروع فرصة فريدة لوضع حلول من أجل الطبيعة والناس والاقتصاد".
مشروع جبل مونشيك جزء من "برنامج غابات الفلين" الذي يرعاه الصندوق العالمي لحماية الطبيعة، ويهدف الى تجديد غابات الفلين المدمرة في البرتغال.