فاطمة جمال
ماذا يعرف المواطن اللبناني عن الضنية؟ جغرافياً، هي قضاء يتوسط قضاء زغرتا جنوباً ومحافظة عكار شمالاً، يفصل بينهما نهر البارد ونهر موسى ووادي جهنم. ويحدها من الشرق بيت جعفر والهرمل ومن ناحية الغرب بعض قرى قضاء زغرتا والمنية.
تلك البقعة الخضراء الجميلة تتصف بميزات رئيسية. فهي تعلو عن سطح البحر ابتداء من 300 متر وحتى 3089 متراً في القرنة السوداء، أعلى قمة في جبال لبنان والشرق الأوسط. وهي خزان عظيم للمياه، تتميز بكثرة الينابيع التي تبلغ نحو 216 نبعاً، أشهرها نبع السكر والقسام وسير والزحلان ورأس العين وعين البرغش ويريصا. وثلثا أراضي الضنية غير مأهولة، فالمساحات والروافد الممتدة من عكار حتى بشري وإهدن وصولاً الى أعالي البقاع تعتبر من أكبر المساحات البرية في لبنان، وهي عبارة عن جرود وغابات وأودية حيث الزراعة قليلة. وثمة غابات من الأشجار المثمرة في المناطق المأهولة، يتميز العديد من أنواعها جودة وشكلاً ومذاقاً.
الطبيعة أهم ما تملكه في الضنية، لذا وجبت المحافظة عليها، غابات وجبالاً وأودية ومياهاً، خصوصاً من خطر التلوث والخلل في التوازن الطبيعي والبيئي.
جبل المكمل
يعتبر جبل المكمل سطح المشرق وخزان لبنان. انه كتلة هائلة من الصخور الجيرية القابلة لامتصاص المياه وتخزينها جوفياً بدءاً من ارتفاع 3089 متراً ونزولاً حتى ارتفاع 2400 متر. تتفجر الينابيع حوله ابتداء من عيون أرغش أعلى ينابيع لبنان (2200 متر) وعين النواعير الى ارتفاع 1450 متراً حيث ينابيع مار سركيس في إهدن ومار سمعان في بشري. وتتميز ينابيع السكر ـ القسام في جهة الضنية.
ينابيع الضنية وأنهارها تسيل في الوديان طوال ثمانية أشهر من السنة، وتذهب الى البحر هدراً بدل استغلالها في الري وتوليد الكهرباء. لذلك قام مشروع سد نهر البارد ـ عيون السمك على نهر موسى الذي يفصل بين قضاء الضنية ومحافظة عكار. أنشئ هذا السد عام 1952، بطول 500 متر وعرض متفاوت بين 150 و175 متراً وعمق يصل الى 10 أمتار. وهذا أعطى مسحة جمال اضافي للمنطقة وشجع على الزراعة السمكية. وفي العام 1958 أقيمت عليه محطة لتوليد الطاقة الكهربائية.
تتنوع الحياة النباتية والحيوانية في الجبل، حيث عدد كبير من النباتات النادرة والخاصة بالمنطقة. ويأتي أرز لبنان في الطليعة، مع اللزاب والشوح والشربين. أما النباتات البرية فمتنوعة جداً، منها ما يؤكل ومنها العطري والطبي. وبين تلك الأنواع، بتسمياتها المحلية، المريمية والصعتر والزوبع والزوفا والبابونج والزلوع وإكليل الجبل وحشيشة القزاز وزهرة الثلج.
ومن الحيوانات الثديية البرية الثعلب والسنجاب وأبو غرير والنمس والقنفذ وكبابة الشوك والضبع والخنزير البري. والمؤسف أن أعدادها تناقصت كثيراً بسبب الصيد. ومن الطيور الدوري والقبرة وأبو بليق (البيوضة) والكيكو، وهو طائر موسمي، وقد سمعنا أحدهم يتبجح بأنه اصطاد 27 طائراً منه في رحلة صيد واحدة، رغم قرار حظر الصيد.
لا تخلو المنطقة من مربي النحل، الذين تنتج قفرانهم أجود أصناف العسل البري. ولكن، من جهة أخرى، يجتاح الرعاة الجبال بقطعانهم من الماعز والغنم، وصولاً حتى القرنة السوداء. وهذا الرعي عشوائي، فحدث ولا حرج عن النباتات المستهلكة والأشجار الحرجية المتضررة، خصوصاً أن القطعان ترعى في منطقة يُطلب تحويلها الى محمية. ويناشد البيئيون وكثير من الأهالي السلطات المعنية، بالتعاون مع بلديات المنطقة، للاهتمام بأحراج الضنية ولا سيما محمية حرج السفيرة ـ طاران ـ بطرماز، وحمايتها بموجب قانون حماية الغابات. فثمة من يقطع ويحرق ويضع اليد على هذه الأراضي، للبناء ولأغراض أخرى. وهم يطلبون أن تتحول الأحراج الكبيرة، خصوصاً حرج جرد مربين، من "محمية بقرار" الى "محمية بقانون" على غرار محميتي أرز الشوف وحرج إهدن. ومن التدابير التي يرونها ضرورية في هذا الصدد شق طريق داخلية تحسباً لأي حريق، ومنع اجتيازها باستثناء المشاة من هواة الطبيعة، وإنشاء مكتب إرشاد بيئي رسمي.
عمل أهلي
في المنطقة جمعية أهلية تدعى جمعية أنصار البيئة ـ الضنية، استطاعت بامكانات فردية ومحلية إنشاء محمية جرد النجاص (الاجاص) في جبل الأربعين (المكمل) ومحمية جرد مربين ووادي جهنم بقرارين عام 1997. وتعتبر الثانية من أكبر المحميات في لبنان، إذ تبلغ مساحتها أكثر من مئة كيلومتر مربع بشكل متصل. وهناك سعي حثيث لجعلها محمية بقانون من أجل تأمين الحماية الدائمة لأشجارها ونباتها وطيورها.
ملايين أشجار الصنوبر البري تغطي الجهة الشمالية للمحمية. وفيها بقية أشجار الأرز والشوح، علماً أن الفرنسيين والبريطانيين قطعوا منها نحو سبعة ملايين شجرة خلال فترة الانتداب. وقد قامت الجمعية بتشجير الجبال في حملة استمرت شهراً. لكنها لم تستطع حمايتها من الرعاة وعبث الانسان، لذا أتلف الكثير من الغرسات. وثمة محاولات لإنشاء مشتل للأشجار الحرجية، بعد مراجعة وزارة الزراعة التي وعدت بالمساعدة، وكذلك لإنشاء مزرعة تفقيس لبعض أنواع الطيور وإطلاقها في جبال الضنية... ولكن ليس للصيادين! وكانت إحدى الجمعيات أطلقت أكثر من 800 طائر من نوع الحجل في تلك الجبال، فأبادها الصيادون.
فاطمة جمال منشِّطة النادي البيئي الصحي في مدرسة حقليت الرسمية في بخعون، قضاء الضنية في شمال لبنان.