Sunday 24 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
تموز-آب (يوليو-اوغسطس) 2006مختارات من تحقيقات الطبيعة المصورة 1996 – 2006
  • تماسيح الصحراء: تمساح صحراوي غير بالغ في يد باحث ألماني
  • ضانا القرية القديمة محمية الطبيعة والانسان
  • حرج اهدن محمية عالمية في شمال لبنان
  • نيوزيلندا أرض معزولة تسكنها غرائب عجيبة من الكائنات
  • النمر العربي في جبال عُمان
  • آيسلندا أرض الثلج والنار حيث البراكين والجليد جزء من الحياة اليومية
  • المها العربي في محميات الإمارات
  • غيانا الفرنسية: غابة ماتيشو في وسط غيانا الفرنسية وقد بدت ثغرات قديمة وحديثة في توزع الأشجار. وسيتم ملء الفجوات بنمو أشجار جديدة كتلك التي تبدو في صدر الصورة
تماسيح الصحراء
ظهــرت بعـد انقـراض في موريتـانيـا
أُدرج التمساح الافريقي القزم على قائمة الحيوانات المنقرضة، لكنه اكتشف حديثاً في صحراء موريتانيا. الدكتور ولفغانغ بوهمه، نائب مدير معهد ومتحف ألكسندر كونيغ لعلم الحيوان في ألمانيا ورئيس دائرة الفقاريات وقسم الزواحف والبرمائيات فيه، شارك في بعثة علمية استكشفت آخر موائل هذا التمساح الصحراوي في موريتانيا. وهو كتب هذا المقال لـ«البيئة والتنمية»، حيث نشرت صور الاكتشاف للمرة الأولى
ولفغانغ بوهمه (بون)
خاص بـ«البيئة والتنمية»
انطلقت بعثة استكشافية متخصصة بعلم الزواحف والبرمائيات من بون في ألمانيا قاصدة الجزء الغربي من الصحراء الأفريقية الكبرى، حيث بقيت من 4 تشرين الأول (اكتوبر) الى 31 كانون الأول (ديسمبر) 1999. وقد تولى تجهيزها معهد ومتحف ألكسندر كونيغ لعلم الحيوان، أحد أهم متاحف التاريخ الطبيعي ومراكز أبحاث التنوع البيولوجي في ألمانيا. وكان هدف البعثة مقارنة ودراسة مستوطنات الزواحف في خط ايكولوجي ممتد من الطرف الشمالي للصحراء في المغرب، مرورا بجزئها الأوسط في الصحراء الغربية وموريتانيا، نزولاً الى أحزمة سهول السافانا في السنغال.
كانت البعثة تأمل أن يلقي التركيب المتنوع لمستوطنات الزواحف على امتداد هذا الخط ضوءاً جديداً على التاريخ الديناميكي للصحراء الكبرى، ولا سيما تقلباتها الحادة خلال العصر الحديث القريب والأقرب (البليو ـ بلستوسيني). وقد تبين أنه، نتيجة لهذا التاريخ الديناميكي، هناك أنواع عديدة من الحيوانات الصحراوية الأصلية موجودة بعيداً الى الجنوب من الطرف الجنوبي الحالي للصحراء، مثل بعض عظاءات السقنقور من جنسي Scincus وSphenops والسحالي ذات الأصابع الهُدَّابية (Acanthodactylus Scutellatus) والأبوبريص (Stenodactylus Petrii) التي تكيفت مع الرمال الريحية وما زالت صامدة على كثبان رملية احفورية معزولة ضمن سهول السافانا، شاهدة على امتدادات أكبر للصحراء الافريقية في الماضي.
من جهة أخرى، هناك أنواع مختلفة من الحيوانات الافريقية الاستوائية التي استطاعت استيطان كامل الجزء الشمالي من أفريقيا والوصول الى ساحل المتوسط في العصور المناخية الرطبة عندما تقلصت الصحراء الى بقع صغيرة معزولة ومتناثرة. ومن أشهر الأمثلة تمساح النيل الذي كان في ما مضى منتشراً في مساحة واسعة من شمال أفريقيا حتى أنه دخل الشرق الأدنى. وأول اكتشاف لآثار أقدام حديثة لهذه التماسيح في جنوب الجزائر (تاسيلي ناجر) عام 1864، من جانب الرحالة الفرنسي دوفيرييه وزميله الألماني ف. باري، أصبح أشهر الأدلة على نظرية أن الصحراء الكبرى كانت في ما مضى سهولاً عشبية خضراء رطبة وخصبة. وثمة أدلة سابقة على وجود تماسيح في الصحراء الكبرى قدمها عدد من الكتّاب الاغريقيين والرومان القدماء، مثل هيرودوتوس وبوسانياس وبلينيوس وفيتروفيوس، الذين أوردوا تفاصيل دقيقة جداً. وتم توثيق بعض أقدم مشاهدات الانسان لتماسيح تعيش حوله مع طرائد صيد مثل الظباء والفيلة والزرافات، في نقوش صخرية من العصر الحجري الحديث (النيوليثي) حوالى 10 آلاف سنة قبل الميلاد.
قتل آخر تمساح صحراوي في جنوب الجزائر بالرصاص عام 1924، وأرسل الى جامعة الجزائر. وكان الاعتقاد أن مجموعتين أخريين فقط من هذه التماسيح بقيتا آنذاك، واحدة في جبال تاجانت جنوب موريتانيا وأخرى في مرتفعات إنيدي جنوب تشاد. وقد أعلن عن انقراض المجموعة الموريتانية منذ ثلاثينات القرن العشرين بموجب تصريح رسمي صدر عن الاتحاد العالمي لصون الطبيعة عام 1992. وتفقدت بعثة ألمانية مجموعة إنيدي عام 1999، فوجدت أنها مؤلفة من سبعة تماسيح فقط، وهذا يقل كثيراً عن العدد اللازم للحفاظ على مجموعة قابلة للبقاء.
فهل هذه نهاية عصر التماسيح في أكبر صحراء في العالم؟ لحسن الحظ، لا. ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، عندما مررنا بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، سمعنا من موظفي الوكالة الألمانية للتعاون الفني (GTZ) أنهم شاهدوا مؤخراً تماسيح بالقرب من عيون العتروس، حيث يجري تنفيذ مشروع تنموي. وقد زرنا المنطقة بدعوة من GTZ. وبتوجيه من تارا شاين، الموظفة في الوكالة، استطعنا مشاهدة عدد من التماسيح، حتى أن هيمو نيكل، طالب الماجستير في فريقي، استطاع التقاط تمساح شبه بالغ أخذنا له عدداً كبيراً من الصور والأفلام قبل أن نطلقه.
كان الموئل في هذا الموقع بالذات، قرب عيون العتروس، منطقة صخرية تحوي مستجمعاً مائياً يقع جزء منه تحت سطح الأرض، وهو شبيه بآخر موائل التماسيح الصحراوية في جنوب الجزائر وتشاد. لكن تبين أن في موريتانيا أنواعاً أخرى من الموائل، مثل الأودية وما يدعى «تامورت»، ما تزال تؤوي تماسيح.
الميزة العامة لتماسيح الصحراء الكبرى، التي كانت أخبارها تتوارد من موريتانيا والجزائر وتشاد، هي حجمها الصغير. ويقدر طولها الأقصى بما لا يزيد على 30,2 متر، وهذا حجم صغير فعلاً بالمقارنة مع أنسبائها في افريقيا الاستوائية ومدغشقر التي قد يصل طولها الى سبعة أمتار. وقد أثارت دراسة تمهيدية، اشتملت على تقنيات جزيئية، السؤال غير المتوقع حول ما اذا كانت هذه التماسيح المتقزمة في الصحراء الكبرى هي البقية الناجية من ظروف مناخية قصوى في موئل هشّ، أو ما اذا كانت نتيجة انعزال طويل وتكيف مع بيئة صحراوية.
بالنسبة الى الاحتمال الأخير، من الضروري معرفة بعض الحقائق عن الايكولوجيا الأساسية لهذه المجموعات الباقية: ما الحجم الذي تبلغه فعلاً، وعلى أي كائنات تتغذى، وما الأنشطة التي تقوم بها، وما هي معاييرها التوالدية (عدد البيض الذي تضعه وحجم البيضة وحجم المولود عند التفقيس)، وكيف تتفاعل ازاء الظروف المناخية الموسمية في الطرف الجنوبي للصحراء؟
لقد عاد هيمو نيكل الى موريتانيا، حيث يجري دراسة ميدانية تشتمل على قياسات حيوية عن بعد، للاجابة عن أكبر عدد ممكن من هذه الأسئلة المهمة للمحافظة على تلك الزواحف الرائعة. وكما هي حال جميع التماسيح، تم ادراجها في الملحق «أ» من اتفاقية التجارة الدولية بالانواع المهددة بالانقراض (CITES). وكلما ازدادت ندرةً استحقت مزيداً من الجهود لحمايتها، لكي لا يضطر الاتحاد العالمي لصون الطبيعة الى اعلان انقراضها في موريتانيا مرة ثانية.
ولعل يوماً يأتي يعاد فيه إطلاق هذه التماسيح في موائلها الطبيعية على التخوم الجنوبية للصحراء الكبرى.
كادر
معهد ومتحف ألكسندر كونيغ في بون
معهد ومتحف ألكسندر كونيغ لعلم الحيوان واحد من متاحف التاريخ الطبيعي الرئيسية الستة في ألمانيا. وهو الأحدث بينها، وتعود بدايته كمعهد أبحاث الى 100 سنة خلت. ولم يفتح أمام الجمهور قبل عام 1934.
كان مؤسس المعهد ألكسندر كونيغ ابن تاجر ألماني جمع ثروة من تجارة الشمندر السكري في روسيا القيصرية. قدم الى بون مع أسرته وهو في السادسة من العمر، وسرعان ما أبدى اهتماماً قوياً بجمع قطع التاريخ الطبيعي. درس علم الحيوان في جامعة بون وحصل فيها على درجة الدكتوراه. وبعد أن ورث ممتلكات أبيه، قرر أن يبني متحفاً خاصاً لتخزين مجموعاته بالشكل الملائم وجعلها أيضاً في متناول الجمهور لأغراض تعليمية. وكانت اهتماماته البحثية مركزة على الأنواع الحيوانية في شمال افريقيا. وقادته بعثاته الى الجزائر وتونس وليبيا والسودان ومصر (بما فيها سيناء). وبذلك أرسى حجر الأساس للأبحاث الألمانية الخاصة بالتنوع البيولوجي في أفريقيا، في الاطار الذي نفذت فيه أيضاً البعثة التي يستند اليها هذا المقال عن تمساح موريتانيا.
وكأحد المراكز الرئيسية للتوثيق وأبحاث التنوع البيولوجي في ألمانيا وأوروبا، يختزن متحف كونيغ عينات محفوظة تضم، على سبيل المثال، 90 ألف طائر و75 ألف حيوان من الزواحف والبرمائيات و3,1 مليون فراشة ومليون خنفساء. ومبنى المتحف كان له أيضاً معنى رمزي كبير في تاريخ ألمانيا الحديث. فعندما أصبحت بون بعد الحرب العالمية الثانية العاصمة الموقتة لألمانيا، استقبلت القاعة الكبرى في المتحف أولى جلسات البرلمان، حيث تم اعداد الدستور الجديد. وهكذا أصبح متحف كونيغ مكان ولادة جمهورية ألمانيا الاتحادية.
 
ضــانـا القديمـة
محمية الطبيعة والانسان
كانت هذه القرية الاردنية كنزاً خفياً ينتظر من يكتشفه
باتر محمد علي وردم (عمّان)
قرية منسية في جنوب الأردن، هجرها أهلها بحثاً عن الحياة المستقرة في المدن والبلدات القريبة. كانت مكاناً استثنائياً، فوق ربوة جبلية تشرف على واحدة من أجمل المناطق الطبيعية في الأردن. لقد كانت ضانا في العام 1991 كنزاً خفياً ينتظر من يكتشفه.
القول بأن النساء هن الأكثر التصاقاً بالطبيعة ليس مجرد نظرية أو شعار، بل ظهر حقيقة من خلال إنشاء لجنة أصدقاء ضانا النسائية برعاية الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، لتأخذ على عاتقها إعادة إحياء هذه القرية الفريدة. وما بدأ جهداً للحفاظ على الموروث الثقافي والطبيعي، تحول في نهاية الأمر إلى واحد من أنجح مشاريع التنمية المستدامة، لا في الأردن والعالم العربي فحسب بل في العالم أجمع. كما كان هذا المشروع بمثابة شهادة ميلاد ثانية للجمعية الملكية لحماية الطبيعة، بعد إنشائها الفعلي في العام 1966 كأول منظمة عربية غير حكومية معنية بحماية الطبيعة والحياة البرية.
عودة السكان
بدأ مشروع تنمية قرية ضانا في أوائل التسعينات، بترميم بعض البيوت القديمة وإقناع السكان بالعودة إليها عن طريق توفير مصادر دخل معتمدة على المهارات والحرف التقليدية. لكن النقلة النوعية الحقيقية كانت في العام 1994 عندما وقعت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ومرفق البيئة العالمي اتفاقية مشروع تطوير محمية ضانا، الذي كان العلامة الفارقة في عمل الجمعية ونموذجاً واضحاً للتطبيق المتكامل لمفهوم التنمية المستدامة المنبثق عن قمة الأرض عام 1992.
تضمن المشروع عدة محاور رئيسية تطبق للمرة الأولى في الأردن. ومن أهم هذه المحاور الدراسات البيئية الميدانية للخصائص والمزايا الطبيعية للمحمية، التي تضمنت 16 دراسة شاملة شارك فيها عشرات الباحثين الأردنيين الشباب الذين تدرجوا في السلم الهيكلي الإداري للجمعية منذ ذلك الحين وأصبحوا العصب الحيوي لعملها. وقد شملت الدراسات مسوحات للحيوانات والنباتات والتربة والمياه، وكذلك الخصائص الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين. وقدمت معلومات وافية ساعدت في إعداد الخطة الإدارية الحديثة للمحمية، التي كانت الأولى من نوعها في شموليتها وتفاصيلها الدقيقة، وباتت نموذجاً لكل الخطط الإدارية للمحميات في الأردن.
لكن التحدي الرئيسي كان تأمين الاستدامة للمشروع، خاصة مع توسع النشاطات المرافقة له. فركزت الجمعية على تأهيل السكان المحليين وايجاد مصادر دخل تساهم في رفع نوعية الحياة في القرية وتشجيع سكانها على العودة إليها. وتم ذلك بطريقتين أساسيتين. أولاهما السياحة البيئية، واعتبرت أول تجربة لهذا النوع من السياحة في العالم العربي، حيث بنيت مرافق سياحية مستندة إلى التراث ومتوافقة مع بيئة المنطقة، كما تم تدريب العديد من الشباب والرجال من سكان المنطقة على العمل كأدلاء سياحيين أو في المواقع الإدارية للمحمية. ونجحت التجربة، واجتذبت المحمية عشرات الآلاف من الزوار سنوياً. وفي العام 1997 كان دخل السياحة البيئية كافياً لتأمين نفقات استدامة العمل فيها.
الطريقة الثانية كانت استثمار مهارات السكان المحليين، وخاصة النساء، في صنع المنتجات التقليدية من حرف يدوية وحلي فضية، بالإضافة إلى الزراعة العضوية الخالية من المبيدات وإنتاج العسل والمربيات من المحاصيل.
وفي العام 1998، بعد تنفيذ المشروع، تم خلق 55 فرصة عمل أنتجت مبيعات بلغ مجموعها 700 ألف دينار (نحو مليون دولار) وغطت احتياجات 800 شخص من سكان المنطقة. كما ساهم العائد في تغطية جميع النفقات الجارية في المحمية. وقد ساعد ذلك على حدوث هجرة عكسية إلى القرية، فازدهرت من جديد وباتت فرص العمل والنشاط الاقتصادي متوافرة.
مدينة النحاس
بالنسبة إلى الخصائص البيئية والطبيعية، تعتبر محمية ضانا نظاماً من الجبال والوديان المترابطة والمتشابكة، التي تمتد من قمة وادي الأردن إلى الأراضي الصحراوية المنخفضة في وادي عربة، بهبوط في الارتفاع يبلغ 1600 متر. وتتكون المحمية من نظامين جغرافيين حيويين رئيسيين وأربع مناطق نباتية متمايزة. وهذا التنوع الداخلي الكثيف في أشكال التضاريس والموائل، بالإضافة إلى التفاوت الكبير في الارتفاع، ينتج عنه تنوع حيوي غني. ويبلغ عدد أنواع النباتات المسجلة في ضانا نحو 700، منها ثلاثة أنواع جديدة على العلم. وهناك نحو 450 نوعاً حيوانياً، منها ما هو نادر جداً ومهدد بالانقراض، مثل القط البري والذئب السوري والسحلية الشوكية الذيل. وبوجود نحو 25 نوعاً مهدداً في المحمية، فإنها تعتبر ذات أهمية عالمية.
وإلى الحياة البرية، تزخر المحمية أيضاً بالآثار والثقافة. فهناك نحو 100 موقع أثري تم الكشف عنها، منها مناجم النحاس القديمة في وادي فينان، وهي المجموعة الأثرية الأكثر أهمية في جنوب الأردن بعد البتراء.
خلال السنوات الماضية، حاز مشروع ضانا الكثير من التقدير والاهتمام العالميين. وحصل على جائزة دولية من معرض هانوفر في العام 1998. ووصفه جيمس وولفنسون رئيس البنك الدولي بأنه «من أنجح المشاريع التي ساهم البنك في تمويلها بما يتعلق بالتنمية المستدامة». وقد بات نموذجاً تحتذيه الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في المحميات الطبيعية الست التي تديرها في الاردن.
لقد كانت تجربة ضانا استثنائية لكل العاملين فيها، سواء من الجمعية الملكية أو السكان المحليين. وتعلم الجميع من خلالها أن حماية الطبيعة والتنمية الاقتصادية الاجتماعية يمكن أن تنجحا معاً إذا توفرت الإرادة والقناعة والفكر الخلاق والانتماء للأرض والطبيعة.
 
حرج اهدن
محمية عالمية في شمال لبنان
شكّل الايكولوجي الراحل الدكتور ريكاردوس الهبر وزوجته الدكتورة ميرنا سمعان الاختصاصية بعلم أجناس النبات فريق بحث ميداني أغنى المكتبة العلمية بالمعلومات والبيانات والصور حول ايكولوجية لبنان. وهذا واحد من عدة مقالات مصورة كتباها لـ''البيئة والتنمية''
النص والصور: ريكاردوس الهبر وميرنا سمعان
يجثم حرج إهدن على المنحدرات العليا لسلسلة الجبال الغربية في شمال لبنان. وقد أعلن منطقة محمية على مساحة حوالى 1100 هكتار، تقع ضمنها غابات الأرز والشوح والصنوبر والعفص. وفيه خمائل ومروج ونجود تنمو فيها الشجيرات والجنبات والأجمات، ومنحدرات وتلول تتفاوت بين الأراضي المعشبة والحقول الصخرية والسهوب.
تبعد المحمية مسافة 5,3 كيلومترات شمال شرق بلدة اهدن، التي ترتفع 1500 متر عن سطح البحر وتبعد 100 كيلومتر عن العاصمة بيروت و35 كيلومتراً عن طرابلس. وهي تتعرض لرياح تهب من الغرب وشمال الغرب معظم أيام السنة، بتردد يبلغ 300 ساعة في الألف. أما الكتلة الهوائية الشمالية الغربية، التي تؤثر بمنطقة المحمية ابتداء من شهر تموز (يوليو)، فتهب عبر الممر الهوائي المنفتح بين منطقتين ثابتتين من الضغط الجوي المنخفض، واحدة فوق سورية والاخرى فوق قبرص. وبين تشرين الأول (اكتوبر) وأيار (مايو) من كل سنة تهب على المحمية وأعالي شمال لبنان رياح قارية سيبيرية من الشمال الشرقي.
تراوح رطوبة الهواء في حرج إهدن بين 55٪ صيفاً و75٪ شتاء. ويبلغ معدل الحرارة 10 درجات مئوية، بفارق 20 درجة بين متوسط الحرارة في آب (أغسطس) ومتوسطها في شباط (فبراير). وتهطل الامطار بمعدل 1050 مليمتراً سنوياً. وتتساقط الثلوج على مدى خمسين يوماً، فتغطي أكثر من نصف أراضي المحمية لمدة 95 يوماً في السنة. وهي تتعرض للصقيع نحو 85 يوماً، معظمها بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس).
موائل أزلية وكائنات نادرة
يكتسب حرج إهدن أهمية عالمية لأسباب عديدة. فهو تجمع فريد لمجموعات شجرية قديمة التواجد والتفاعل، بينها كافة فصائل الصنوبريات مختلطة مع أنواع عديدة من الاشجار العريضة الاوراق المتساقطة أو الدائمة الخضرة، وجميعها في منطقة مناخية ـ نباتية متميزة. كما أنه موطن طبيعي نادر لتركيبة متوازنة من النباتات والحيوانات المحلية، مشكلاً احتياطياً فريداً من تنوع الكائنات البرية في هذا الجزء من القارة.
وحرج إهدن هو أحد الشواهد الاخيرة على الطراز البدئي لغابات لبنان الطبيعية القديمة. وهذا يعطيه أهمية خاصة كأحد أكبر المواقع الطبيعية لأرز لبنان. ففيه آلاف النماذج الأنيقة النمو، المختلطة بأنواع عديدة من الأشجار كاللزاب والعرعر والقيقب والدردار والعذر والتفاح البري والغُبيراء وخوخ الدب. أما الشجيرات الخفيضة المتواجدة مع الاشجار فتشكل مزيجاً من الاصناف النادرة أو المستوطنة، كمخلب عقاب الارز ومخلب عقاب صوفر ودحريج لبنان والورد الغروي وغملول لبنان.
يشتهر حرج إهدن عالمياً بأنه آخر موطن طبيعي جنوب النصف الشمالي للكرة الارضية لنمو أشجار الشوح الرشيقة القوام، والمتعايشة مع ثروة نباتية ضخمة تحتوي على 40 نوعاً آخر من الأشجار، بالاضافة الى عشرات أنواع الشجيرات التي تغني المحمية بظروف حياتية مختلفة لآلاف أنواع النباتات والحيوانات. وتشكل شقوق الصخور والينابيع والجداول وغياض الاشجار والممرات الضيقة والدروب القديمة جنة مكتظة بأكثر من 1045 نوعاً من النباتات المزهرة. وهذا الأمر جعل من حرج إهدن محجة لعلماء النبات عبر 350 سنة منصرمة، أسفرت عن اكتشاف وتسمية أنواع من الأزهار البرية التي لا ينمو بعضها الا في لبنان، مثل بنفسج لبنان، وبعضها لا ينمو الا في حرج إهدن، مثل مخلب عقاب إهدن. والحرج مأوى لعدد كبير من أنواع الأزهار البرية النادرة والمهددة بالانقراض، تضم 115 نوعاً مستوطناً، بينها 70 نوعاً أعطي علمياً اسم لبنان، مثل «حليب طير لبنان» و«نجمة ربيع لبنان» و«قصر نحل لبنان»، و22 نوعاً أعطيت أسماء مواقع لبنانية، مثل «مخلب عقاب صوفر» و«سَلْسَفي المكمل» و«قيقب حرمون».
كنز دفين
يقدم حرج إهدن ظروف عيش مناسبة لآلاف الأنواع من الكائنات اللافقارية، بفضل غنى وتنوع قاعدته الغذائية النباتية. فكل نوع من الاشجار والشجيرات والاعشاب والأزهار يؤوي حصراً أنواعاً خاصة من تلك الحيوانات الصغيرة. وحرج إهدن هو الملجأ الطبيعي لأعداد كبيرة من فراشات المناطق المرتفعة النادرة، مثل «فراشة باسّون» المكتشفة حديثاً والتي لا تعيش الا في لبنان. كذلك يؤمن ظروفاً مثالية حيث تجد مئات الحشرات النافعة موئلاً مناسباً. وينمو فيه أكثر من مئة نوع من النباتات المُعَسلة والرحيقية، مما يجعل من فسحاته المشمسة جنة لأنواع عديدة من النحل البري ولمئات من أنواع الكائنات المعسلة.
التنوع الجغرافي، وغنى المساكن الطبيعية، ووفرة الاماكن الصالحة للتعشيش، والتنوع الكبير في المأكل والملجأ، عوامل جعلت من حرج إهدن ملاذاً للطيور وموقعاً دولياً حيوياً للحفاظ على الثروة الطائرة. فعلى مدار السنة، يعج بكافة أنواع الطيور الساكنة والمهاجرة والمعششة ربيعاً وصيفاً والزائرة شتاءً. وكثير منها مهدد بالانقراض ومحمي دولياً، مثل ملك العقبان ونسر البادية والنسر الذهبي والعوسق والباشق والشاهين وعقاب النحل والبيدق والابلق العربي والنقشارة الخضراء وهازجة الشجر والدُخّلة الرأساء وجميع أنواع النعّار.
ويؤمن حرج إهدن أحد الملاجئ الاخيرة للثدييّات المستوطنة والمهددة جدياً بالانقراض، ومنها النيص والقنفذ والسنجاب وابن آوى وابن عرس والغرير والسنّور والطبسون والارنب البري والقدّاد وعكبر الحقل والزبابة والخفاش.
وحرج إهدن مخزن وطني طبيعي لبذور مئات الأنواع من النباتات البرية التي ما برحت تجمع وتؤصل معلومات وراثية نادرة منذ ملايين السنين. كما أنه مستودع طبيعي أخير لبذور ولشتول أنواع عديدة من الأشجار والشجيرات المستوطنة، التي لا بد من الاستعانة بها لانجاح أية عملية إعادة تحريج مستقبلية لمناطق لبنانية ذات ظروف بيئية كامنة مماثلة.
يعتبر علماء الطبيعة أن حرج إهدن مورد علمي وثقافي وجمالي وسياحي فريد. وهو تراث ومتحف طبيعي وطني لا مثيل له، حيث ما زالت تعيش مختلف كائنات الغابات الغابرة المستوطنة، والتي تضم بعض أندر المخلوقات المتأقلمة في بيئة جبلية مرتفعة. لذلك هو بمثابة كنز دفين للبنان وللمنطقة، لأنه يختزن معلومات علمية فائقة الاهمية حول أنواع الحياة البرية في الغابة الاصلية، وحول علم اجتماع النبات ودينامية علاقات الكائنات وتطور النظم الطبيعية.
كادر
عاصف كإعصار، رقيق كنسمة
ريكـاردوس الهـبر
عاصف كإعصار ورقيق كنسمة. هذا هو ريكاردوس الهبر الذي عرفناه، صديقاً، باحثاً، مناضلاً بيئياً، وانساناً بامتياز. خسرناه في كانون الثاني (يناير) 2006 عن 58 عاماً، فكأنما قلبه الكبير انفجر حزناً وأسى على ما آلت إليه أحوال البيئة التي أحبّ الى حدود العشق، حتى لكنّا نتساءل عما اذا كانت زوجته الدكتورة ميرنا تغار عليه منها.
نادراً ما اجتمعت صفات العالم الباحث والمناضل البيئي في شخص واحد كما اجتمعت في ريكاردوس، مؤسس جمعية أصدقاء الطبيعة، الأستاذ الدكتور المحاضر في الجامعات، الكاتب والمصوّر المستكشف. لا يساوم ولا يقبل الحلول الوسط. ينقضّ كعاصفة ضد تدمير الطبيعة وتلويثها. لكن له قلب طفل، يطير فرحاً كلما اكتشف في الطبيعة جديداً. وكانت عيناه الكبيرتان العميقتان مستعدتين للاكتشاف في كل لحظة.
عشنا مع ريكاردوس الفرح والألم، الاستكشاف والخسارة. كان شريكاً في حلم ''البيئة والتنمية'' من يومها الأول. وندر أن غاب عن أي عدد من المجلة. فحيث لم يشارك بكلمة أو فكرة، شارك بصورة.
وقد يكون أبرز ما أنجز معنا ريكاردوس سلسلة رحلات الطبيعة في برنامج ''نادي البيئة'' الذي اعدت منه مجلة ''البيئة والتنمية'' 39 حلقة لتلفزيون لبنان بين 1997 و1999. ولا شك أن الرحلات التي قدمها ريكاردوس لهذا البرنامج هي الأجمل في استكشاف الطبيعة اللبنانية. ولا يزال التلفزيون يعيد بث الفقرات يومياً، ويكتشف فيها المشاهدون جديداً في كل مرة.
سنفتقدك ريكاردوس. وتفتقدك العصافير والفراشات والأعشاب والأشجار والنسمات.
"البيئة والتنمية"
كادر
متطلبات الحماية والادارة والتنمية في حرج إهدن
بناء على مقدمة علمية تشرح أهمية حرج اهدن الوطنية والعالمية، وطلب بالحماية الرسمية، ومشروع قانون باعلان حرج اهدن محمية طبيعية، أعدتها وتقدمت بها جمعية أصدقاء الطبيعة، صادق مجلس النواب اللبناني على مشروع القانون رقم 121، بتاريخ 9 آذار (مارس) 1992، الذي يعلن انشاء «محمية حرج اهدن الطبيعية».
ينص القانون على البنود التالية لحماية حرج إهدن:
- يمنع قطع وتصنيع أي من الأشجار والشجيرات على مختلف أنواعها.
- يمنع دخول المواشي الى أراضي المحمية.
- يمنع رفع أي حاصل من حاصلات المحمية، كاستخراج أو نزع الحجارة أو الرمل او المعدن أو المياه أو التراب أو العشب أو الازهار أو الكلأ أو الاوراق الخضراء او الاسمدة الطبيعية من أرض الحرج، والبلوط والبذور المختلفة والاثمار الاخرى وسائر حاصلات أو محتويات المحمية، الا لغاية البحث العلمي الذي يهدف الى تحسين ايكولوجية المحمية.
- يمنع القيام بأي عمل أو تصرف يخل بتوازن المحمية الطبيعية.
- يمنع اشعال النار وحرق الاعشاب وغيرها من النبات أو النفايات الطبيعية المتواجدة في المحمية، وكذلك على أقل من 500 متر من حدودها.
- يمنع الصيد البري في أراضي المحمية أو ضمن مسافة أقل من 500 متر من حدودها.
- يمنع التخييم في أراضي المحمية، وكل عمل آخر يضر بها أو يشوه المناظر الطبيعية أو يتلف مواردها.
- يطبق في نطاق المحمية كل نص قانوني مستقبلي وكل الاتفاقات الدولية المرعية الاجراء التي تشدد على حماية البيئة والثروة الحرجية والطبيعية الجمالية.
تحتاج خطط ادارة المحمية وتنميتها الى دراسات حقلية وأبحاث متكاملة وعملية لايجاد أساليب ملائمة للحماية، ومنها:
- القيام بمسح كامل للموارد الطبيعية في المحمية وحفظ بيانات بموجوداتها النباتية والحيوانية.
- العمل على إدامة القيمة الطبيعية للمحمية بكاملها ولمختلف عناصرها ذات الاهمية العلمية الفائقة.
- التخطيط لاعادة التأهيل وزراعة الاجزاء المعرّاة سابقاً، مع الاحتفاظ بفسحات وممرات مناسبة.
- تعزيز تنوع المَواطن ووفرة الحياة البرية من خلال: تخصيص فرجات وفسحات وافية، تشجيع التجدد الطبيعي، زراعة الاشجار العريضة الاوراق والشجيرات المناسبة، الاكثار من نمو الجنبات الفاصلة لتشجيع سكنى الطيور.
- انشاء مركز محلي دائم لتعزيز البحث العلمي والتثقيف والاستمتاع الشعبي والسياحة، ولاظهار أهمية المحافظة على الطبيعة ودورها في المناطق الناشطة.
- اعداد مرشدين متخصصين ومرافقين مؤهلين لجعل زيارات المحمية أكثر تثقيفاً.
- تأسيس مشتل حديث مجهز لاستنبات أعداد كبيرة من شتول نباتات المحمية المستوطنة والنادرة.
- صيانة أجزاء من شبكة الممرات الموجودة وتخطيط مسالك جديدة لتعزيز فعالية وسلامة الزيارات العامة.
- تأمين الدعم المادي اللازم من خلال الهبات ومنح الابحاث التي تسمح بتحقيق ادارة فاعلة للحماية وتساعد في انجاح خطط تنمية المحمية.
 
نيوزيلندا
أرض معزولة تسكنها غرائب
عاشت في نيوزيلندا، المنعزلة عن العالم، أنواع غريبة عجيبة من الكائنات، حتى ليخيل الى السامع بها انها من عالم الخيال، لولا وجود الأحافير والمتحجرات الشاهدة عليها. ومن غرائب أرض الجزر هذه انها كانت تؤوي نحو 70 نوعاً من الطيور التي لم تعرف في أي مكان آخر من العالم، ثلثها لا يطير وربعها ليلي
النص والصور : كريستو بارس
جبال وعرة مترامية وأنجاد بركانية وأنهار جليدية وغابات مطر وخلجان وشواطئ رملية فائقة الجمال. هذه بعض ملامح الطبيعة في نيوزيلندا، القابعة في جنوب المحيط الهادئ على بعد حوالى 2250 كيلومتراً من شرق أوستراليا. ويبلغ طولها من الشمال الى الجنوب 1600 كيلومتر، ومساحتها الاجمالية 268 ألف كيلومتر مربع. وتتكون من جزيرتين كبيرتين، شمالية وجنوبية، وعدد من الجزر الصغيرة. ولا يزيد عدد سكانها على أربعة ملايين نسمة. ويتحدر سكانها الأصليون من شعب الماوري الذي أتى اليها من جزر بولينيزيا في وسط وجنوب المحيط الهادئ. وبدأ وصول المستوطنين الاوروبيين اليها في ثلاثينات القرن التاسع عشر.
تضم الجزيرة الشمالية أكبر بحيرة في البلاد وهي بحيرة توبو، وأطول نهر وهو نهر ويكاتو، وعدداً من البراكين الناشطة. وتهيمن على الجزيرة الجنوبية الجبال والمرتفعات، وأهمها جبال الألب الجنوبية التي تمتد على طولها تقريباً، فتشكل مع الأنهار الجليدية والبحيرات والخلجان الضيقة والحقول الساحلية لوحة طبيعية رائعة.
منذ نحو 100 مليون سنة، انفصلت نيوزيلندا عن قارة غوندوانا العملاقة. فنشأ فيها تنوع نباتي وحيواني فريد. وهناك حيوانات تحدرت مباشرة من الأنواع المنقرضة، ومنها الحلزونيات العملاقة والتواتارا، وهو حيوان زاحف شوكي كبير من ذوات الأربع قوائم وله عين مجهولة الوظيفة في وسط الجبين تمثل الغدة الصنوبرية. وهو الوحيد المنقاري الرأس بين الزواحف، وقد يعيش أكثر من مئة سنة.
ويبدو أن نيوزيلندا، قبل ان يستوطنها الانسان، كانت تضج بضوضاء طبيعية. فقد أوت أدغالها الكثيفة تشكيلة هائلة من الطيور. وفي غياب أعداء طبيعيين، أصبحت أجنحة بعضها غير ضرورية، فباتت غير قادرة على الطيران، ومنها ببغاء الكاكابو، والكيوي الليلي الذي يعتبر رمزاً وطنياً، والموا الذي انقرض وكان أكبر طائر في العالم والوحيد بلا جناحين. أما طائر التاكاهي النادر فيمتاز بريشه النيلي والأخضر الجميل ومنقاره الأحمر البراق وقائمتيه القصيرتين، وكان يعتقد انه انقرض حتى اكتشفه من جديد عام 1948 عالم الطيور النيوزيلندي ج. ب. اوربل. ومن طيور نيوزيلندا المتوطنة الهازج الرمادي الذي تراجعت أعداده سريعاً بعد الاستيطان الاوروبي وادخال اعداء له، فبات محصوراً الآن في جزيرة مانغير ومجموعة جزر كاثام، وببغاء الكاي الذي يعتبر من أذكى الطيور في العالم، ويعرف بأنه مولع بالأجسام اللامعة ولا يتردد في مهاجمة السيارات لسرقة مسّاحة الزجاج الأمامي أو قطع مطاطية أخرى.
أتاحت غزارة الأمطار في نيوزيلندا، وما يتخلل أيامها من أوقات مشمسة وافرة، نمو غطاء نباتي كثيف ومتنوع، حيث 80 في المئة من الأشجار والسرخسيات والنباتات المزهرة متوطنة. وتتوزع غابات نيوزيلندا المطرية المهيبة ذات الخضرة الدائمة في مناطق جبلية وساحلية. ومن أشجارها الريو والتوتارا وأنواع من الزان، وأكبرها شجرة الكوري العملاقة المتوطنة. ومن أجمل ما يقع عليه النظر شجرة الكوهاي بأزهارها الصفراء وشجرة البوهوكوكاوا بأزهارها الحمراء اللامعة التي تتفتح في كانون الأول (ديسمبر)، فأطلق عليها اسم شجرة الميلاد. وينبت تحت الاشجار غطاء نباتي كثيف يشمل شجيرات متوطنة لا تحصى وتشكيلة هائلة من السرخسيات والطحلبيات والاشنيات.
تغطي المنتزهات الوطنية والغابات والمحميات الطبيعية 20 في المئة من مساحة نيوزيلندا. ويحتوي 13 منتزهاً وطنياً على تشكيلة ضخمة من المواقع الطبيعية والنباتات التي لم تمسها يد انسان. وتهيمن الجبال على طبيعة نيوزيلندا، اذ يمكن تصنيف 60 في المئة من الجزيرة الجنوبية و20 في المئة من الجزيرة الشمالية أراضي جبلية. ومعظمها يعلو أكثر من 600٠ متر عن سطح البحر، وتتخلله أجراف شاهقة.
يمتد الخط الساحلي الطويل لنيوزيلندا نحو 15 ألف كيلومتر. ويقع جزء كبير منه في محاذاة طرق هجرة بعض أكبر الحيتان وأروعها في العالم، ومنها حوت العنبر. وهي كثيراً ما تشاهد برفقة أنواع من الدلافين قرب الشواطئ حيث تتوافر الكائنات البحرية التي تقتات عليها. ومشاهدة الحيتان وهي تسبح مع الدلافين من أجمل المشاهد التي تجذب السياح. ودلفين هكتور الصغير الذي لا يزيد طوله على 4,1 متر هو الاندر في العالم، ولا يوجد الا في المياه النيوزيلندية. ويقصد السياح الجزيرة الجنوبية لمشاهدته.
وكانت اسود البحر تعيش على طول الساحل النيوزيلندي، لكنها تعرضت لصيد جائر إذ يبدو أن السكان الأصليين كانوا يأكلونها. وهي الآن شبه محصورة في جزر اوكلاند وكامبل وسنير.
ربع مساحة نيوزيلندا اليوم أراض برية محمية. وباقتصار قطاعاتها المنتجة الكبرى على الزراعة وصيد السمك واستغلال الغابات والسياحة، ما زالت البلاد بعيدة نسبياً عن التلوث.
 
النمر العربـي في جبــال عُمـان
ساد اعتقاد في الآونة الأخيرة أن النمر العربي بات منقرضاً، اذ لم يعد يشاهد في براري شبه الجزيرة العربية. لكن هذه الصور النادرة الملتقطة حديثاً في جبال عُمان، والتي نشرت للمرة الأولى في ''البيئة والتنمية''، تثبت أنه ما زال موجوداً هناك.
للنمر العربي ملاذ آمن في محمية جبل سمحان الطبيعية في عُمان، حيث نصبت آلات تصوير خاصة لرصده. وقام اختصاصيو الحياة الفطرية بامساك عدد من النمور وتطويقها بأطواق متصلة بالأقمار الاصطناعية لتتبع تحركاتها.
الدكتور أندرو سبالتون، من مكتب مستشار حفـظ البيئة في ديوان البـلاط السلطـاني، كتـب لـ«البيئة والتنمية» هـذا التحقيق عن النمر العربي وبرنامج مسح أعداده وحمايته في موائـله الطبيعيـة. وتولى خليفة بن حمد الجهوري ترجمة التحقيق عن الانكليزية.
حقوق ملكية الصور لديوان البلاط السلطاني في سلطنة عُمان
أندرو سبالتون (مسقط)
عندما التقيت ديفيد ويليس لأول مرة، كان أشبه  بفارس من العصور الوسطى وفي رأسه ضالة لم يعثر عليها. كان جادّاً في محاولاته تصوير النمر العربي، الذي كان في الماضي يقطن المناطق الجبلية في الأردن وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة واليمن. ولكن الدلائل تشير الى قيام السكان المحليين باصطياد النمور وقتلها، مما أدى في أواخر الثمانينات الى انقراضها من معظم المناطق التي عاشت فيها. وإذا كانت ثمة مجموعات باقية، فمن المحتمل أنها تستوطن الجبال العالية في سلطنة عمان واليمن.
ديفيد ويليس رسام يعيش في سلطنة عمان. بدأ في العام 1991 رحلته لتصوير النمر العربي، مدركاً أنه انقرض من المناطق الشمالية لعُمان، وأن المكان الأنسب لوجوده هو الجبال الجنوبية وخصوصاً المرتفعات العالية المعروفة بجبل سمحان. فهناك تم الامساك بأربعة نمور عام 1985، ونقلت الى مركز إكثار الثدييات العمانية في حديقة السلطان قابوس في بيت البركة في مسقط، لتشكل أول مجموعة أسيرة من النمور العربية. وبعد سنوات استخدمت لدعم برنامج الاكثار في الأسر في الشارقة بدولة الامارات.
نجح ويليس في تصوير أحد النمور في جبل سمحان. وقد رافقته عام 1995 الى الجبل. وكجزء من عملي لحكومة عمان في مكتب مستشار حفظ البيئة، أردت الحصول على معلومات حول وضع النمر العربي وبيئته في جبل سمحان، بعدما أكد لي ويليس أنه موجود في هذه المنطقة.
النمـر العربي هـو أكبــر أنـواع القطط الباقية فـي شبه الجزيرة العـربية. اسمه العلمي Panthera pardus nimr، وهو أحد الأنواع المهددة بالانقراض حسب القائمة الحمراء في الاتحاد العالمي لصون الطبيعة والموارد الطبيعية، ومدرج أيضاً في الملحق الأول من الاتفاقية الدولية «سايتس» التي تحظر المتاجرة بالأنواع المهددة.
يصنف النمر العربي في سلطنة عمان كأحد الأنواع المهددة بشكل حقيقي. وقد تم وضعه تحت الحماية من الصيد أو الامساك كغيره من الثدييات الكبيرة. و«النمـر» هو الاسـم العربي الفصيح لهذا النــوع، ويطلق عليه محلياً في محافظة ظفار اسم «قضـر». وقد عرف في السابق بوجوده في محافظة مسندم وسلسلة جبال الحجر وجبال ظفار. بيد أن عوامل الصيد والقتل أدت الى اختفائه من جبال الحجر عام 1976، وبقيت أعداد قليلة منه في مسندم في منتصف الثمانينات.
محمية جبل سمحان الطبيعية
لم يكن الكثير معروفاً عن النمر العربي في ذلك الوقت. وقد أفادت التقارير الواردة من محافظة مسندم أنه هناك على حافة الانقراض، في حين كانت التقارير الواردة من أهالي محافظة ظفار تشير الى وجود أعداد كبيرة من النمور في المناطق الجبلية. وفي العام 1997 أولت وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه اهتماماً بالغاً لتأمين بقاء النمر العربي في موطنه مستقبلاً، وهو العام الذي أعلنت فيه منطقة جبل سمحان محمية طبيعية. وتم اعداد خطة لادارة المحمية وتوظيف مراقبين من السكان المحليين لتوفير الحماية للنمور والحياة الفطرية الأخرى.
ويعد جبل سمحان المنطقة الأكثر ارتفاعاً في السلطنة، حيث يعلو منحدره الجنوبي حوالى 1900 متر عن السهل الساحلي. وخلال أشهر الصيف ترتفع الغيوم بفعل الرياح الموسمية، وتسقط على طول المنحدر في ما يشبه المد البحري. ويؤدي هذا الى توفر كميات كبيرة من مياه الندى الضرورية لحياة النباتات والحيوانات في الجبل. وتتحول جبال غرب صلالة الى واحات استوائية خضراء، بينما لا يصل الى المناطق الداخلية الجافة من جبل سمحان إلا القليل من الغيوم المتفرقة. وتبلغ الحرارة في الجبل 45 درجة مئوية صيفاً. وهو لم يشهد سقوط أية أمطار خلال الأعوام الستة التي سبقت 1997.
وتنمو في أنحاء من الجبل أنواع سائدة من الأشجار كالسنط (Acacia spp.) والمقل (Commiphora spp.) واللبـان (Boswellia sacra). وهنـاك أنـواع أقـل انتشاراً كتلـك التـي تنتمـي الـى التنينيات (Dracaena serrulata). وتنمـو مجموعـة سـائدة مـن أشجـار اللبـان والتيـن (Ficus spp.) والسمـر والغضـف (Nannorrhops ritchieana) بكثافة في الأودية العميقة الضيقة. وهناك مجموعة أخرى من الأشجار تعرف باسم Phragmites تنمو حول نزوز المياه العذبة. كما تكسو أشجار السمر المنحدر الجنوبي للجبل، بالإضافة الى وجود تجمعات كثيفة من شجيرات المركبات اللحميــة (Kleinia odora) ووردة الصحـراء (Adenium obesum) التي يطلق عليها محلياً اسم «آسفيد».
مشروع المسح
في العام الذي أعلنت خلاله منطقة جبل سمحان محمية طبيعية، قام مكتب مستشار حفظ البيئة بالتعاون مع وزارة البلديات الإقليمية والبيئة وموارد المياه ومكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار بتدشين مشروع مسح النمر العربي. وكان الهدف من المشروع التأكد من وجود هذا النمر في جبل سمحان، وجمع أولى البيانات عن هذا النوع البري لاستخدامها في وضع خطة لإدارة المحمية والمحافظة على بقاء النمر العربي فيها. فعلى سبيل المثال، سيتم معرفة كم نمراً هناك، وكيف تعيش، وعلام تتغذى، وهل تتكاثر بشكل جيد. هناك أسئلة كثيرة لا حصر لها ستستغرق الإجابة عليها أكثر من ثلاث سنوات مقبلة.
وتعدّ محمية جبل سمحان بيئة صعبة للعمل الميداني. فالجبل تشقه أودية سحيقة جافة وضيقة تتميز بكثرة الالتواءات والانعطافات بين المرتفعات الشاهقة، ولا يمكن عبوره إلا على الأقدام في الممرات المتعرجة طلوعاً وهبوطاً. ويرى سالكو هذه الممرات آثاراً لبعض الحيوانات كالنمور والذئاب، مما يعني أنها تستخدم الطرق ذاتها التي يمر بها الإنسان في الجبل. وقد استخدم الإنسان هذه المسالك قبل مئات السنين ومنذ العصور الأولى للفراعنة، عندما جاء الى المنطقة على ظهور الجمال لجمع اللبان العربي الأبيض ذي القيمة العالية من شجرة الصمغ (Boswellia sacra).
ونظراً لاستحالة مشاهدة النمر بالعين المجردة في البراري، بدأت عملية المسح بالبحث عن دلائل وجوده في الجبل. وفي أيلول (سبتمبر) 1997 أقدم الباحثون، بمساعدة مرشدين محليين، على قطع مسافات شاسعة مشياً على الأقدام، عابرين تلك الأودية السحيقة والممرات المتعرجة. وأحصوا مختلف الدلائل التي تشير الى وجود النمر، مثل الخدوش والبراز وآثار البول وبواعث الرائحة وآثار الافتراس.
كما قام مكتب مستشار حفظ البيئة ببرنامج مشترك مع جامعة ابردين في المملكة المتحدة لجمع عينات البراز وتصنيفها ووضعها لاحقاً في ثلاجات تجميد وإجراء التحاليل عليها لمعرفة نوع الغذاء الذي يأكله النمر. وأوضحت النتائج أن الكمية الكبرى من غذائه تشمل الوعل النوبي والوبر الصخري والغزال العربي والنيص الهندي والحجل العربي الأحمر الساقين. ولم تثبت التحاليل وجود عناصر من أغنام أو جمال.
تصوير النمر
تضمنت المرحلة التالية لمشروع المسح نصب آلات تصوير فخّية (camera traps) في المواقع التي عثر فيها على دلائل وجود النمر. وآلات التصوير هذه تعمل آلياً دون حاجة الى تدخل الإنسان، فتقوم بالتصوير عند مرور أحد الحيوانات خلال حزمة الأشعة تحت الحمراء التي تبثها. وقد تم نصب 13 آلة تصوير فخّية في أواخر أيلول (سبتمبر) 1997. وخلال السنوات الثلاث التالية كان الباحثون يزورون محمية جبل سمحان بمعدل مرة كل شهرين لتجميع الأفلام من آلات التصوير وتغيير بطارياتها ووحدات الأشعة تحت الحمراء.
لم تأت النتائج سريعة. فقد كان من يمن الطالع أن يحصل الباحثون على أكثر من صورة واحدة من كل آلة تصوير في الشهر. وكان هذا مؤشراً أولياً على وجود النمر في أعداد صغيرة ومناطق انتشار واسعة. وبمرور الوقت بدأت الحقائق تنجلي حول حياة النمور في الجبل. فهي تعيش في عزلة بعضها عن بعض، على رغم التقاط آلات التصوير المنصوبة في الجبل صورة لنمرين معاً وأخرى لأنثى مع صغيرها. وتنفرد أفراد النمور بوجود بقع مختلفة أو خطوط وردية على أجسامها تجعل من تمييزها أمراً يسيراً بدلاً من استخدام رقع الأذن أو الأطواق. وكبقية أنواع النمور، تجول الذكور والإناث في أقاليمها أو مناطق انتشارها فقط. بيد أن أقاليم النمور العربية في جبل سمحان لا تتسم بهذه الخاصية الى حد كبير. فهناك تداخل واضح بين هذه الأقاليم ذات المساحات الواسعة. ولا توجد النمور في المناطق المتداخلة في الأوقات ذاتها. فالذكور مثلاً تسلك طرقاً بعينها، ولكن في أوقات مختلفة.
والتقطت آلات التصوير الفخيّة صوراً لأنواع أخرى من الثدييات يتم تصوير بعضها  لأول مرة، وتشمل الوعل النوبي (Capra ibex nubiana) والغزال العربي (Gazella gazella) والـضـبــع المخـــطــط (Hyaena hyaena sultana) والــذئــب العربي (Canis lupus arabs) والقـط الـبري (Felis silvestris gordoni) وثعلب بلانفورد (Vulpes cana) والثعـلـب الأحمــر (Vulpes vulpes) والزريقــاء المـنقـطـة
 (Genetta felina grantii) والغـــريــــر العسلـــي (Mellivora capensis pumilio) والنيــص الهنــدي (Hystric indica) والنـــمــس الأبيـض الـذيـــل (Ichneumia albicauda albicauda) والوبر الصخري (Procavia capensis jayakari) والقنفـذ الأثيـوبي (Paraechinus aethiopicus).
الإمساك بالنمور وتطويقها
بدأت في أيلول (سبتمبر) 2000 مرحلة جديدة من مشروع مسح النمر العربي، تهدف الى الإمساك بعدد من النمور وتطويقها بأطواق متصلة لاسلكياً بالأقمار الاصطناعية، تحتوي على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) من أجل تتبع تحركاتها في جبل سمحان. وبمساعدة طائرات مروحية تم نقل ستة فخاخ الى الجبل وتجهيزها، مع إبقائها مغلقة حتى توقيت عملية الإمساك.
وفي شباط (فبراير) 2001 أقيمت ثلاثة مخيمات موقتة في الجبل. وبدأ الباحثون وبصحبتهم عدد من مراقبي الحياة الفطرية مهمة الإمساك بالنمور، التي استغرقت سبعة أسابيع قبض خلالها على أربعة. وكلما تم الامساك بنمر، كان يجري استدعاء الطبيب البيطري من صلالة للمساعدة في تخديره من أجل تطويقه بطوق نظام تحديد المواقع العالمي، وبعد ذلك يترك ليواصل حياته المعتادة في الجبل، ويسجل الجهاز المثبت على الطوق تحركاته كافة.
وفي بداية 2002 استعيدت أولى الأطواق، التي صممت بحيث تسقط آلياً من النمور بعد فترة من الزمن. وقام الباحثون بإدخال البيانات المخزنة فيها الى أجهزة الحاسوب. وكانت المعلومات المعطاة واضحة جداً. فعلى سبيل المثال، أمضى أحد النمور 80 في المئة من وقته على المنحدر، واستخدم نطاقاً تزيد مسافته على 45 كيلومتراً من الغرب الى الشرق.
آلات تصوير في جبال القَرى والقمر
عام 2001، تم توسيع نطاق نصب آلات التصوير الفخّية ليشمل المرتفعات الخضراء لجبال القَرى والقمر خارج حدود منطقة جبل سمحان. وفي تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام قام الباحثون وعدد من مراقبي الحياة الفطرية بإجراء مسح لبعض الأجزاء من جبال القَرى والقمر لتحديد الأماكن التي يحتمل وجود النمر العربي فيها. واختيرت ثلاثة مواقع نصبت فيها مجموعة من آلات التصوير الفخّية في كانون الثاني (يناير) 2002. وبعكس منطقة جبل سمحان غير المأهولة، تضم جبال القرى والقمر مستوطنات بشرية كثيرة. ويقوم مراقبو الحياة الفطرية هناك بمراقبة آلات التصوير وتعريف الأهالي بدوافع اجراء هذا العمل وأهمية المحافظة على النمر والحياة البرية الأخرى.
وقد ظهرت في أوائل الصور الملتقطة نمور في موقعين من المواقع الثلاثة التي نصبت فيها آلات التصوير. كما ظهرت في بعضها الضباع المخططة والذئاب العربية وقط غوردن البري والزريقاء الأفريقية المنقطة والغرير العسلي والنيص الهندي والنمس الأبيض الذيـل والوبـر الصخري والقنفـذ الأثيوبي. وبعكس جبل سمحان، أوضحت الصـور أيضاً وجـود الوشق (Caracal caracal schmitzi).
نظرة الى المسـتقبل
في حين اختفى النمر العربي من معظم أرجاء شبه الجزيرة العربية، فانه لا يزال حاضراً في جبال ظفار. وقد أفرز مشروع مسحه معلومات أولية على هذا النوع البري في محمية جبل سمحان الطبيعية، التي تعد معقله الرئيسي. وهو يوجد أيضاً في جبال غرب صلالة. ويجري الآن التحقق مما إذا كانت النمور تعيش في مناطق بعينها، أم إنها تجوب المنطقة الممتدة من محمية جبل سمحان الطبيعية في الشرق الى الحدود العُمانية اليمنية في الغرب. فدرجة العزلة الإقليمية التي تعيشها المجموعات الفرعية تحمل مضامين هامة حول مدى قابلية هذا النوع للنمو والاستمرار على قيد الحياة. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2002 بدأ نصب آلات تصوير فخية إضافية. ويتولى مراقبون للحياة الفطرية من أبناء محافظة ظفار القيام بالأعمال الدورية لتفقد الآلات وصيانتها بمعية اختصاصي في علم الحياة. وبهذا أصبح لدى السلطنة الآن فريق مختص قادر على اجراء مزيد من البحوث على النمر وآكلات اللحوم الأخرى.
ونظراً لعيش النمر العربي بالقرب من التجمعات السكانية في جبال القرى والقمر، خلافاً لحاله في جبل سمحان، فإن العلاقة بينه وبين الإنسان هناك باتت بحاجة ماسة الى دراسة مستفيضة إذا ما أريد صون النمور في المناطق الواقعة خارج حدود المحميات الطبيعية. ويمكن اعتماد عدة أساليب في ذلك، تشمل التتبع بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي المتصل لاسلكياً بالأقمار الاصطناعية لتحديد تحركات النمر ضمن المستوطنات البشرية، وتوزيع استبيانات على الأهالي للمساعدة في فهم ما يعنيه النمر لهم وتحديد احتياجاتهم. وهناك تقنيات أخرى تعنى بالنظر في كيفية عيش آكلات اللحوم الكبيرة جنباً الى جنب مع البشر والماشية، تشمل استخدام التحاليل الجينية عن طريق جمع عينات من البراز في الجبل وتحليلها جينياً لتحديد ماهية الحيوان الذي خلفها، أكان نمراً أو ذئباً أو ضبعاً. وفي أواخر العام 2002 نجح باحثون في جامعة السلطان قابوس في عزل الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسيجين (DNA) من دم النمر، وقريباً سيبدأ تحليل عينات من برازه. إن استخدام مثل هذه التقنيات واجراء دراسات أخرى على الحمية الغذائية قد يساعدان على تحديد المواقع التي ترتادها النمور والتحقق من ضلوعها في افتراس الماشية.
إن مستقبل بقاء النمر العربي في جبال ظفار يكمن في مدى ادراك السكان المحليين لأهمية المحافظة عليه في بيئته الطبيعية. ويرى كثيرون أن النمر يشكل خطراً داهماً على حياتهم وحياة أسرهم، شأنهم في ذلك شأن آبائهم وأجدادهم. لذا فإن تغيير هذا النمط الفكري يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى استيعاب الأهالي لقيمة الصون وفوائده، من خلال تعريفهم مثلاً بالطرق التي تحقق لهم منافع مادية في تطبيق برامج الصون، كتوظيفهم مراقبين للحياة الفطرية أو مرشدين لزوار مناطق الحياة البرية.
بيد أن الحل الأنجع هو غرس الوعي العام للقيمة الحقيقية لكل أشكال الحياة، وذلك عن طريق العمل المستمر والمتجدد لبرامج التوعية والتربية البيئية، خصوصاً لطلاب المدارس في محافظة ظفار.
 
آيسلندا
أرض الثلج والنار
كريستو بارس يشارك القراء في مغامرة أخذته إلى آيسلندا، حيث لبراكين والجليد جزء من الحياة اليومية
الصور والنص كريستو بارس
آيسلندا، أرض الثلج والنار. هذه الجزيرة العائمة فوق المحيط الأطلسي في الطرف الشمالي لأوروبا مقابل الدول الاسكندينافية، قد تبدو خارج العالم. أرض الثلج والجليد هي، لكنها أرض البراكين أيضاً. وقد تكون آخر ما تبقّى من الطبيعة العذراء في أوروبا.
مساحة جمهورية آيسلندا 103 آلاف كيلومتر مربع، يعيش عليها 279,000 نسمة، معظمهـم يقطنون العاصمة ريكيافيك.
تقبع آيسلندا على مرجل من المواد التي تغلي في أعماق الأرض تحت المحيط الأطلسي. وفي حين يشكل الجليد 11 في المئة من مساحتها، فهي أغنى مناطق العالم في مصادر الحرارة الجوفية وينابيع المياه الحارة. وأشهر مناطق الينابيع الحارة في آيسلندا تدعى «خيزر» (Geyzir)، وهي أعطت اسمها في لغات كثيرة ليعني «النبع الحار» أو جهاز تسخين المياه. خزانات الحرارة الجوفية تنفجر باستمرار، فتطلق البخار في السماء على ارتفاعات عالية. وتؤدي انفجارات البخار إلى ظهور مستنقعات الوحول والترسبات الكبريتية. وأكبر الينابيع الساخنة ينتج 250 ليتراً من المياه المغلية كل ثانية واحدة.
وتؤدي الانفجارات البركانية أحياناً كثيرة إلى انكسار قطع ضخمة من جبال الجليد. وقد تكوّنت بحيرة آسكيا في وسط آيسلندا، التي يبلغ عمقها 220 متراً، من انفجار بركاني. أما الهزات الأرضية فهي شبه يومية، لكنها غالباً ضعيفة ولا تؤدي إلى أضرار.
آيسلندا أرض فريدة بتنوعها البيولوجي، لموقعها وسط المحيط الأطلسي شمال غرب اسكوتلندا، وغرب النروج وجنوب شرق غرينلاند. إنها أرض بركانية يرتفع نصفها فوق علو 400 متر، لتصل أعلى قمة فيها إلى 2119 متراً. ولا تتجاوز مساحة الاراضي الصالحة للزراعة 21 في المئة من مجمل آيسلندا، تقع كلها قرب السواحل. ومعظم مساحة المناطق المأهولة والمزروعة تتركز في الجنوب الغربي للجزيرة. والبلاد غنية جداً بالطيور، خاصة البحرية منها، تتخذها ممراً وملجأ. وتتكاثر الطيور حول شلالات المياه وأنهار الجليد.
وإلى حفر البخار الملتهبة، تتميز آيسلندا بشلالات كثيرة، معظمها حول الشريط الساحلي. وهذا يفسّر اعتمادها كلياً في توليد الطاقة على المصادر المتجددة، موزعة بنسبة 90 في المئة من المياه و10 في المئة من الحرارة الجوفية. وهذا لا يشكل إلا جزءاً بسيطاً من الامكانات المتاحة لانتاج الطاقة المتجددة.
رحلتنا، من الشاطئ الشرقي إلى وسط البلاد فسواحلها الشمالية الغربية، أخذتنا عبر مشاهد مثيرة لأنهار جليد وبحيرات وشلالات وينابيع حارة وانفجارات بخارية. وشاهدنا «بحيرة البعوض» (Myvatn) في الشمال، التي أخذت اسمها من وجود أسراب آلاف الملايين من البعوض في منطقتها، وهي تشكل غذاء محبباً للطيور التي تتوالد هناك بأعداد كبيرة.
في أرض الثلج والنار الآيسلندية، تنسى أنّك ما زلت في أوروبا.
 
٤٥٠٠ رأس في العالم عام ٢٠٠٣ منها ٢٣٤٥ في محميـات الامـارات
المها العربي في الامــارات
ماجد المنصوري
أمين عام هيئة البيئة في أبوظبي
تعتبر منطقتا شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام موطن المها العربي. وقد اكتسب هذا الحيوان اسمه العربي لأن توزيعه الطبيعي يقتصر على هاتين المنطقتين. وللمها دور كبير في التاريخ الثقافي العربي، حيث كان مصدر وحي والهام لكثير من الشعراء الذين تغنوا بجماله وتغزلوا بعيونه. وكانت الصحارى العربية ملاذاً آمناً لكثير من الأحياء البرية.
وللمها العربي خصائص فريدة مكنته على مر العصور من التعايش والتأقلم مع الظروف المناخية، ومن أهمها لونه الابيض الذي ساعده في التغلب على حرارة الشمس الحارقة. لكن هذا اللون تحوّل نقمة على المها، إذ اصبح من السهل جداً مشاهدته ومطاردته بهدف صيده. ومن خصائصه وجود قرنين يتراوح طولهما بين 60 و75 سنتيمتراً، يستخدمهما سلاحاً ضد الاعداء وفي القتال بين الذكور. وأهم ما يميز المها العربي جمال عينيه والبقع الدكناء الضاربة الى السواد والزرقة على الانف وحول العينين.
وقد أدى توفر الاسلحة الأوتوماتيكية والسيارات والمركبات ذات الدفع الرباعي الى استهداف كثير من الحيوانات البرية، وخاصة المها الذي عجز الانسان من قبل عن غزو الصحارى التي يقطنها. والنتيجة كانت انقراض احد اهم الانواع البرية في المنطقة، الذي يعتبر جزءاً من تراثنا وحضارتنا. فقد اختفى المها العربي من دولة الامارات العربية المتحدة في الستينات من القرن المنصرم، بعدما كان يجوب المناطق الغربية للدولة المتاخمة لصحراء الربع الخالي بأعداد كبيرة.
لذلك، وحرصاً على اهمية المها العربي وضرورة الحفاظ عليه كجزء من التراث الحضاري والتراث الطبيعي للدولة، وبناء على توجيهات رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقد تم انشاء برامج خاصة لإكثار المها العربي والعناية به، كمرحلة اولى بهدف التمهيد لاعادة هذا الحيوان الى موطنه الطبيعي بعد مرور اكثر من نصف قرن على انقراضه من دولة الامارات. ومن الجدير ذكره ان الامارات قطعت شوطاً كبيراً في برامج المحافظة على المها العربي، إذ تبلغ الاعداد المتواجدة فيها نحو 2300 رأس من اصل 4500 رأس تقريباً هي عدد قطعان المها العربي في جميع انحاء العالم.
الهدف من برامج المها العربي في الأسر هو ادارة هذه القطعان بشكل علمي يضمن خلوها من الامراض، من خلال عمليات الفحص البيطري المنتظم واجراء التلقيحات اللازمة. وقد تولّت الدائرة الخاصة لرئيس الدولة المشرفة على برامج المها العربي في امارة ابوظبي، بالتعاون مع مركز ادارة الأحياء الفطرية في جامعة بريتوريا في جنوب افريقيا، دراسة وراثية لقطعان المها العربي بهدف تحديد المخاطر الوراثية التي تهددها، أظهرت أن القطعان سليمة.
ومن اجل سهولة ادارة القطعان ومراقبتها، فان القائمين على هذه البرامج يقومون بحفظ سجلات عن كل حيوان، تشتمل على تاريخ الولادة وتاريخ النفوق ورقم الحيوان، بالاضافة الى التاريخ الطبي ورصد حركة تنقلات الحيوانات ما بين القطعان المختلفة.
وللمها العربي نظام تغذية بسيط يقوم على الحشائش الخضراء والاعلاف المركبة، يضمن تمتع الحيوانات بصحة جيدة في الاسر. كما يتم تزويد القطعان بالماء والاملاح اللازمة.
وتساهم برامج المها العربي في كثير من حملات التوعية والتعليم البيئي. فمن خلال التنسيق مع المناطق التعليمية والهيئات البيئية، تم تحضير برامج توعية خاصة تعنى بالمها العربي واهميته وقصة انقراضه واعادة توطينه والتحديات التي تواجهه وكيفية المحافظة عليه. وتنظم المدارس والجمعيات التطوعية والتجمعات الشبابية زيارات للتعرف على هذا الحيوان الفريد.
لم يقتصر دور دولة الامارات العربية المتحدة على العناية بالمها العربي ورعايته داخل الدولة، بل تعداه ليشمل دول المنطقة التي تعنى بشؤون المها العربي. وقد استضافت دولة الامارات المؤتمر الدولي الأول للمها العربي عام 1999، وكان من أهم توصياته تأسيس لجنة اقليمية تعنى بالمحافظة على المها العربي. وفي العام 2000 استضافت سلطنة عمان الاجتماع التأسيسي للجنة الاقليمية لصون المها العربي والامانة التنفيذية. وكان من أهم نتائج ذلك الاجتماع تأسيس اللجنة واستضافة دولة الامارات مقر الامانة التنفيذية للجنة الاقليمية وتولي رئاستها. وتضم اللجنة في عضويتها السعودية وعمان وقطر والبحرين والأردن والامارات، كما تضم ممثلين عن الصندوق العالمي للطبيعة (WWF) والاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN).
وتهدف هذه اللجنة الى تقوية العمل المشترك وتنسيق الجهود الرامية للحفاظ على المها العربي في بلدان تواجده، وإكثاره بشكل قطعان طليقة التجوال عبر موطنه في شبه الجزيرة العربية والبلدان الاخرى المجاورة، من خلال التدابير الآتية:
- إنشاء شبكة اتصالات فعالة وقاعدة بيانات ومعلومات خاصة بالمها العربي.
- تعزيز الاتصالات بين الدول المشاركة والمنظمات ذات الصلة وتبادل المعلومات والخبرات بينها.
- جمع التمويل والتبرعات والهبات المخصصة للجنة والتصرف بها واستثمارها بما لا يتعارض مع أهدافها.
- القيام بنشاطات العلاقات العامة على كل المستويات.
- إصدار نشرة دورية إخبارية متخصصة.
- تشجيع المشاركة في المبادرات الإقليمية والدولية لصون المها.
- التعاون مع الجهود المبذولة للقضاء على التجارة غير المشروعة والمساهمة في توفير الحماية عبر الحدود.
- تشجيع تنفيذ الاتفاقيات المحلية والدولية والتشريعات المنظمة للتجارة أو نقل الأحياء الفطرية.
ومن أبرز التحديات التي تواجه برامج المها العربي الحفاظ على قطعان عالية الجودة مع زيادة اعداد الحيوانات ضمن برامج الأسر، علماً ان أعداد المها في دولة الامارات العربية المتحدة تزيد على نصف أعداده في العالم اجمع. واستمرار هذه البرامج يتطلب الكثير من الموارد المالية والبشرية.
ولا بد من تأمين البيئات المناسبة التي تضمن استمرارية قطعان طليقة في مواطنها البرية. لذلك يجب التأكُّد، قبل المباشرة في عملية اطلاق اي حيوان، من توفر الموئل والبيئة المناسبة. وإن إعادة الحيوانات الى مواطنها الطبيعية يتطلب التزاماً طويل الأمد، من حيث توفير الحماية اللازمة وتنفيذ برامج مراقبة مستمرة ومنتظمة للتعرف على حالة الحيوانات و مدى نجاحها في الطبيعة.
التدابير الحالية والمستقبلية
تتولّى الدائرة الخاصة لصاحب السمو رئيس الدولة، بالتعاون مع هيئة ابحاث البيئة والحياة الفطرية وتنميتها (أصبح اسمها حالياً هيئة البيئة) وضع بروتوكولات ذات معايير ومواصفات عالمية للعناية ببرامج إكثار الحيوانات، ومن ضمنها برنامج المها العربي، تتضمن الادارة اليومية والرعاية البيطرية، بهدف الحفاظ على قطعان عالية الجودة من الناحية الصحية والوراثية.
وتقوم الهيئة، بالتنسيق مع الجهات المعنية، بالاعداد لانشاء شبكة من المحميات الطبيعية تمثل الانظمة البيئية والبيئات المختلفة في امارة ابوظبي. ومن أهم المقاييس التي سيتم استخدامها في تحديد شبكة المحميات الطبيعية مدى صلاحية هذه البيئات وملاءمتها لتنفيذ برامج خاصة باعادة التوطين. وستكون ادارة القطعان جزءاً من ادارة هذه المحميات الطبيعية، التي تتضمن البرامج البحثية وادارة الانواع والموائل، بالاضافة الى تطوير برامج السياحة البيئية وبرامج التوعية والتعليم البيئي. ومن المناطق التي تجري دراستها حالياً الظفرة وليوا وأم الزمول، التي تدل الدراسات على ان المها العربي كان يعيش فيها في الماضي. وسيتم التنسيق مع الدول المجاورة من اجل انشاء برامج مشتركة توفر الحماية لهذه الحيوانات، خاصة في المناطق الحدودية.
ولعل أبرز الدروس والعبر التي تم تعلمها خلال العقود الماضية اهمية المحافظة على الأحياء الفطرية والمصادر الطبيعية وضرورة استغلالها بشكل سليم، مما يضمن توفرها ليس فقط لهذه الاجيال وانما للاجيال القادمة من بعد. وان المحافظة على الحياة الفطرية هي مسؤولية جماعية لا تتحملها الدولة فقط بل يتحملها كل فرد، نظراً لأن كثيراً من هذه الانواع جزء لا يتجزأ من تراثنا الحضاري والطبيعي.
الصور: كريستـو بــارس
خاص بـ«البيئة والتنمية»
 
رحلـة ايكولوجية
في غيانا الفرنسية
هذه البلاد القابعة على الطرف الشمالي لأميركا الجنوبية تحوي غابة أوروبية فريدة تزخر بتنوع بيولوجي كبير. مصوّر الطبيعة الفرنسي روجيه لوغان، الذي رافق بعثة علمية في الغابة، كتب لـ''البيئة والتنمية'' بعض مشاهداته مرفقة بصور مختارة.
النص والصور: روجيه لوغان
غيانا هي احدى ''دوائر'' فرنسا ما وراء البحار. مساحتها نحو 90 ألف كيلومتر مربع، ما يقارب سدس مساحة فرنسا. مناخها استوائي رطب، وهواؤها يبقى محملاً بالرطوبة حتى أثناء احتباس المطر. وهي تضم أحد الامتدادات الكبيرة الأخيرة لغابة المطر الاستوائية، ويقطن فيها عدد من القبائل الاميرينديانية التي ما زالت تعيش كما كانت منذ قرون. ويتكون الخط الساحلي أساساً من مستنقع لأشجار القرم (المنغروف) وبضعة شواطئ رملية. ومن ثروتها الحيوانية القردة وتماسيح الكيمن والتابير والأسلوت وآكل النمل.
هذه البلاد، التي تقع على الساحل الشمالي الشرقي لأميركا الجنوبية على المحيط الأطلسي، هي الوحيدة التي ما زالت تحتفظ بغابة أوروبية ترتفع تدريجياً من الشريط الساحلي باتجاه جبال توماك ـ هوماك على الحدود البرازيلية. وتغطي الغابة نحو 92 في المئة من مساحة غيانا، وتزخر بتنوع بيولوجي مذهل. ففيها نحو 750 نوعاً من الطيور و186 نوعاً من الثدييات و110 أنواع من الزواحف و106 أنواع من البرمائيات، تعيش في موائل متباينة بين شواطئ رملية ومستنقعات ساحلية.
رحلة في الغابة
زقزقة الطيور في الغابة شنفت آذاننا قبل شروق الشمس، ونحن نجذف بزورقنا صعوداً الى منبع نهر ماروني لاحصاء أنواع الحيوانات والنباتات المتواجدة في المنطقة. وكان علينا أن نمضي ثلاثة أيام أخرى من التجذيف في مياه ضحلة. فنحن في شهر آب (أغسطس)، أي في بداية موسم الجفاف الذي يدوم خمسة أشهر.
الرحلات العلمية المتعددة الأغراض التي كنا نقوم بها استهدفت تعميق معرفتنا بالثروة الحيوانية المحلية، واحصاء أعداد الحيوانات بحسب أنواعها، وهو عمل شاق لكنه ممتع. وهذه الرحلة بالذات، التي قادها فيليب غوشيه الاختصاصي بعلم الزواحف والبرمائيات، غايتها تكوين صورة عن هذه المنطقة واحصاء تنوعها الحيواني بالمقارنة مع أجزاء أخرى من غابة غيانا المترامية. وقد قام الباحثان أوبير جيرو وفيليب غوشيه باجراء مسوحات التنوع الحيواني، وتولى سيسيل ريتشارد ـ هانسن تنسيقها مع دراسة أوسع حول أثر الصيد في غيانا.
أحصينا الاعداد الموجودة في أجزاء مختلفة من الغابة، مساحة كل منها كيلومتر مربع، ما سمح لنا بتحديد الكثافة العددية لمختلف الأنواع في موائلها الطبيعية المختلفة، ومستوى الصيد ضمن كل منها. وتشمل هذه الطريقة تعداد جميع الثدييات والطيور التي تعتبر طرائد مفضلة للصيد، والمتواجدة ضمن مسار مستقيم بطول معيَّن عبر الغابة. وكنا نجتاز هذا المسار بانتظام في الصباح الباكر وعند الغسق، وهما وقتان مثاليان لرصد الحيوانات في أوج نشاطها.
فرنسوا كاتزيفيس، الاختصاصي بعلمي الوراثة والثدييات، أسندت اليه مهمة خاصة هي جمع عينات من أمصال وأنسجة الحيوانات، لفحصها وتحديد الأنواع التي تحمل أمراضاً معينة كالالتهابات الفيروسية والاربوفيروسية (حمى تنقلها المفصليات) وحمى كيو وداء الكلَب وسواها، وذلك بالتعاون مع مختبرات معهد باستور في غيانا.
لاحصاء الموارد الطبيعية في هذا الجزء من الغابة، استخدمت فانيسا هوغيه وباسكال باترونيلي، الاختصاصيتان بعلم النبات، تقنية ''المسح الموضعي''، أي التوقف كل 20 متراً عبر مسار معين وتحديد أقرب أربع أشجار وتسجيل عائلتها وجنسها ونوعها. هذه الطريقة المنتظمة لأخذ العينات تسمح بتكوين صورة عن التركيب النباتي في منطقة معينة وربطه بالأنواع الحيوانية المتواجدة فيها. فدراسة التركيب الوراثي للأنواع الحيوانية والنباتية في الغابات المطيرة الاستوائية تمكننا في النهاية من الالمام بثروتها الوراثية وبهجرة الحيوانات، اضافة الى طبيعة الاستيطان الذي ربما حدث قبل انفصال القارات.
مع انتهاء مهمتنا، كنا جمعنا عشرات العينات النباتية والمعطيات المتنوعة، وسجلنا ملاحظاتنا حول السلوكيات الطبيعية لأنواع عديدة من السنوريات والقردة والطيور.
ويخطط حالياً لانشاء منتزه وطني كبير في جنوب غيانا. فالغابات العذراء المترامية الأطراف هناك جديرة بالحماية. وأملنا أن تؤدي نتائج عمل هؤلاء العلماء الى تعزيز الوعي بالحاجة الى حماية الغابات المطيرة  حول العالم، لأنها ضرورية لبقاء الحياة على الأرض، فضلاً عما تؤويه من أنواع حيوانية ونباتية لا تعوض.
...مواضيع أخرى
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.