أصدر المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) تقريره السنوي السادس حول حالة البيئة العربية، وذلك خلال المؤتمر السنوي الذي أقامه في الشارقة قبل أسبوع. التقرير الجديد تمحور حول الطاقة المستدامة كواحد من أهم القطاعات التنموية والسياسية والبيئية في العالم، وقدم تشخيصاً وحلولاً متميزة لمن يرغب من صناع السياسات أصحاب الوعي. لقد أصبحت تقارير "أفد" بمثابة موعد سنوي ينتظره خبراء ونشطاء البيئة في العالم العربي بلهفة، فما هو السر في هذا النجاح؟
من خلال متابعة حثيثة للتقارير الصادرة منذ العام 2008، هذه هي الوصايا العشر لإعداد التقارير والتي يمكن أن تستخدم دروساً مستفادة للمؤسسات الأخرى:
1. كن مثابراً: أكبر وأهم إنجاز حققته تقارير "أفد" هو الاستمرارية، وليس بالنوعية ذاتها فقط بل بتحسن كبير مع السنوات. مشكلة جميع التقارير الشمولية التي تصدرها عدة مؤسسات في العالم العربي هي أنها تتوقف عند التقرير الأول، الذي تطلق عليه عادة ألقاباً عظيمة ويتم تفخيمه ويحتاج إلى سنوات من الإعداد، ولكن التقرير الثاني لا يشاهد النور. تقارير "أفد" انتقلت من التقرير الأول، الذي شكل مرجعية للقطاعات كافة، لتركز على قطاعات معينة في السنوات اللاحقة. القيمة الأولى للنجاح هي الاستمرارية.
2. كن مبدعاً: لم تكتف تقارير "أفد" بعرض الواقع البيئي بطريقة تقليدية، بل قدمت نموذجاً في التحليل العميق والتركيز على القطاعات المختلفة، وقدمت معلومات للمرة الأولى حول قطاعات مثل تغير المناخ والبصمة البيئية والاقتصاد الأخضر لم يتم التطرق إليها سابقاً في العالم العربي.
3. كن عميقاً: تقارير "أفد" جميعاً تجاوزت العرض السطحي للمعلومات التقليدية ودخلت إلى الأعماق التحليلية للقضايا التي تم تناولها، وتميزت بمضمون علمي وتقني عالي المستوى ولكنه مصاغ بأسلوب يضمن أن يتمتع به الجميع حتى غير المختصين. في تقاير "أفد" معلومات "ثقيلة" ومرجعية عميقة، لكنها مقدمة بمنهجية سلسة وجذابة في التصميم والعرض.
4. كن مؤثراً: حازت تقارير "أفد" على نسبة عالية جداً من اهتمام الساسة والباحثين وصناع القرار والفئات المستهدفة في العالم العربي وخارجه. يتم الاقتباس منها في دوريات علمية ودراسات دولية محكمة ومن قبل مؤسسات كبيرة، وفي معظم الأحيان يكون تقرير "أفد" هو المرجعية الأولى التي يتم استخدامها للبحث المتعمق حول القضايا البيئية في العالم العربي. هذا يعود ليس فقط إلى دقة المضمون وثرائه، ولكن أيضاً إلى نجاح السياسة والخطط الترويجية والاتصالية التي ترافق التقرير، وخاصة انعقاد المؤتمر السنوي.
5. استعن بالخبرة الوطنية: باستثناء حالات قليلة جداً، اعتمدت تقاير "أفد" على الخبرات العربية والوطنية بشكل رئيسي، وتمكنت من إظهار القدرة العالية لهذه الخبرات وتعريف العالم بها، مما يعزز الثقة بقدرة الباحثين العرب على إصدار التقارير المهنية العالية المستوى. تمت الاستعانة بخبرات دولية في حالات معينة نتيجة عدم توافر الخبرات العربية (البصمة البيئية مثالاً)، ولكنها ساهمت في بناء القدرات العربية في هذه القضايا.
6. كن إيجابياً: تجاوزت تقارير "أفد" السياق البيئي التقليدي في إظهار المشاكل والتحديات وقرع أجراس الإنذار، وقدمت للقارئ والباحث وصانع السياسات منظومة من الخيارات البديلة والحلول الإيجابية التي يمكن من خلالها تغيير الواقع الحالي. تقارير "أفد" تتضمن أفضل مجموعة من التوصيات العملية للتحول نحو تنمية مستدامة في العالم العربي، ولا تبقى سوى الإرادة السياسية لتحويل هذه التوصيات إلى قرارات مؤثرة.
7. أتقن عملك: تتميز تقارير "أفد" بالدقة العلمية العالية واستخدام الكلمات والمصطلحات الصحيحة والحرص الشديد على نوعية الترجمة والبحث الدؤوب في المراجع العلمية، بحيث تضاهي نوعية تقارير الهيئات الدولية المختصة التي لا تدع مجالاً للظنون والافتراضات في الكتابة، بل الدقة المتناهية والإتقان في العمل حتى في الجداول والرسوم التوضيحية والصور.
8. شارك الآخرين: تخضع تقارير "أفد" لمراجعة دقيقة من قبل باحثين ومختصين قبل صدورها، ويتم تنظيم عدة لقاءات تشاورية في الدول العربية لأخذ وجهات النظر كافة بعين الاعتبار. تقارير "أفد" لا تتم كتابتها بشكل منفصل من قبل باحثين أفراد، بل تخضع لمراجعة أصحاب الشأن والاختصاص لضمان الشمولية ودقة المعلومة. تقارير "أفد" متاحة عبر الإنترنت مجاناً لجميع الراغبين والمهتمين، ولا يتم استخدامها وسيلة لجني الربح من خلال البيع.
9. كن شاملاً: تتعامل تقارير "أفد" مع جميع تفاصيل القطاعات التي يتم التركيز عليها، بحيث يكون التقرير الخاص بالطاقة أو المياه أو تغير المناخ شمولياً وقادراً على تكوين الصورة الكبيرة وليس فقط التفاصيل الصغيرة، ويصبح كل تقرير بالتالي صاحب مكانة متميزة ومرجعية ومتكاملاً في طرحه من دون نقص تلزم تغطيته في تقارير لاحقة.
10. كن جريئاً: لا تخضع تقارير "أفد" للمساحيق التجميلية التي تعاني منها التقارير الرسمية ومحاولات "تخفيف اللهجة" لإرضاء السياسيين. إذا كانت ثمة مشاكل، تتم الإشارة إليها، حتى لو أدى ذلك إلى إغضاب بعض الجهات الرسمية، لأن مسؤولية "أفد" هي في تقديم تقرير مستقل موثوق لا يجمل الواقع ويتغاضى عن التحديات وسوء الإدارة في كثير من الحالات.
بهذه الوصايا العشر يمكن إعداد التقارير البيئية المتميزة، التي أصبحت هوية نادرة ومرتبطة بالمنتدى العربي للبيئة والتنمية.