لمدة تزيد على أسبوعين، ركزت معظم وسائل الإعلام العالمية، سواء في الغرب أو الشرق أو أميركا اللاتينية أو أفريقيا، بشكل مكثف على مضمون تقرير الفريق العامل الأول في التقرير التجميعي الخامس حول "قاعدة العلوم الفيزيائية" في تغير المناخ، الذي صدر في نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي. منطقة واحدة فقط تعاملت مع الأمر بعدم اكتراث يصل إلى حد القطيعة هي العالم العربي. تغطية وسائل الإعلام العربية لهذا التقرير ونتائجه ومضمونه العلمي المثير اقتصر على إعادة نشر ما بثته وكالات الأنباء العالمية، ولم تتجاوز التقارير والمقالات عدد أصابع اليد الواحدة.
عدم الاكتراث الإعلامي هو نتيجة طبيعية لعدم الاكتراث العلمي أيضاً. من بين 250 مؤلِّفاً رئيسياً وأكثر من 600 مؤلف مشارك للتقرير لا يوجد إلا عدد محدود من العالم العربي، وهي المنطقة الأقل تمثيلاً على الإطلاق في تقارير الهيئة الحكومية. هذا الأمر ليس نتيجة "مؤامرة دولية" ضد العقول النابغة في العالم العربي، بل لأن معظم ممثلي الحكومات العربية المشاركة في اجتماعات الهيئة هم من غير المتخصصين علمياً (باستثناء السعودية). كما أن القليل جداً من العلماء العرب يهتم ببناء شبكات التواصل مع الهيئة للمشاركة في التأليف أو المراجعة، خاصة في ظل عدم وجود مكافآت مالية كبيرة، حيث يبقى الحافز العلمي هو الأساس في هذا الجهد، إضافة طبعاً إلى رغبة شخصية من العلماء في تمييز أنفسهم عبر المشاركة في هذا الجهد.
حتى عندما خضعت مسودة "ملخص لصانعي السياسات" لنقاش طويل وعميق لمدة ثلاثة أيام في استوكهولم من قبل ممثلي 130 حكومة، لم يشترك بفعالية في هذه المناقشات إلا ممثلو السعودية، الذين حاولوا بجهد كبير تخفيف "التهمة" عن الوقود الأحفوري وثاني أوكسيد الكربون في كل فقرات التقرير، ونجحوا إلى حد مؤثر في تغيير بعض النصوص والكلمات إلى صيغة أقل حسماً بفضل مساعيهم الحثيثة. في المقابل، كان ممثلو الحكومات العربية الأخرى مجرد متفرجين على الحدث.
تقرير فريق العمل الأول هو الخطوة الأولى في سلسلة التقرير التجميعي الخامس، حيث ستصدر مساهمة فريق العمل الخاص بالتأثيرات والتكيف وسرعة التأثير في آذار (مارس) 2014، تليها مساهمة فريق العمل الخاص بالتخفيف في نيسان (أبريل) 2014، وفي النهاية التقرير التجميعي النهائي في تشرين الأول (أكتوبر) 2014. في فرق العمل الخاصة بالتكيف والتخفيف، تبقى مساهمة العلماء والباحثين والمؤلفين العرب ضعيفة أيضاً، مع أن شروط المشاركة ليست صعبة وهنالك أيضاً فرص كثيرة لمراجعة التقارير.
كاتب هذا المقال سُجل كمراجع لتقرير الفريق الثاني، وهاله ضعف البيانات والمعلومات والدراسات حول التكيف والتأثير في العالم العربي، بالرغم من حساسية المنطقة لنتائج تغير المناخ والتي ظهرت في عدة دراسات مهمة نشرت في السنوات الماضية.
في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) الحالي سيتم فتح المجال مرة أخرى للباحثين في أنحاء العالم كافة لمراجعة المسودة النهائية لتقرير التكيف، وهو من أهم التقارير ويتضمن أحدث الدراسات والمعلومات الخاصة بتأثير تغير المناخ على مناطق العالم. وهنالك مسؤولية كبيرة على الباحثين والعلماء العرب للمشاركة في هذا الجهد وتضمين أبحاثهم فيه لخدمة المنطقة، خاصة في السنوات المقبلة التي ستشهد تدفقاً للكثير من مصادر التمويل على المناطق الأشد تعرضاً لتأثيرات تغير المناخ، وسيكون تقرير الهيئة الحكومية المرجع الرئيسي في تحديد المناطق ذات الأولوية.
|