كم هي دقيقة صفة "دينوصور" التي أعطاها عنوان أحمد عياش في "النهار" أمس لمجمع ABC التجاري في الاشرفية. المقال يتحدث عن 140 ألف متر مربع من الباطون على مسطح مساحته 20 ألف متر مربع، ومواقف لأكثر من 1500 سيارة، ويتساءل عن الجدوى الاقتصادية للمشروع، تخوّفاً من عدم استقطابه عدداً كافياً من المتسوقين في ظروف اقتصادية خانقة. لكنه في المقابل يتحدث عن المشروع كأنه جزيرة معزولة، متجاهلاً أثره على المنطقة المحيطة، وهي تتميز بالشوارع الضيقة والاكتظاظ السكاني. ان نجاح المشروع في استقطاب المتسوقين وملء مواقف السيارات الـ1500 سيكون الكارثة الحقيقية. والسماح بانشائه مع سوبرماركت "سبينس" قبله على طريق واحدة وعلى بعد عشرة أمتار، بلا دراسة لحركة السير، فضيحة يتحمل مسؤوليتها التنظيم المدني وكل طرف وافق على الترخيص.

 

المنطقة أساساً مكتظة، والمداخل الرئيسية لمواقف السيارات لسوبرماركت سبينس ومجمع ABC الجديد مفتوحة مباشرة على اوتوستراد الحكمة، بلا أية مسارب خدمة، اذ ان البناءين ملاصقين للطريق العامة من دون تراجع. واذا كان القانون الحالي يسمح بهذا حسب تصنيف المنطقة، فهو يتعارض مع أي منطق هندسي. فلنتصور من اليوم الازدحام على اوتوستراد الحكمة ـ العدلية، خاصة أمام مار متر، عند بدء العمل في المجمع الجديد.

 

أما الفضيحة الأكبر، فهي وجود مداخل ومخارج لمواقف السيارات لجهة الجسر فوق الاوتوستراد، تصب في الشارع الضيق خلف ساسين، وتتفرع في شوارع ضيقة أخرى نحو العازارية وزهرة الاحسان. هذه المنطقة مكتظة أساساً، وتشهد في ساعات كثيرة زحمة خانقة، خاصة في الطريق من صيدلية بارتي الى ساسين، وفي المخرج من اوتوستراد الحكمة الى ساسين والشوارع الصغيرة حول مدرسة العازارية (شارع أديب النحاس وغيره). أما عرقلة السير في جميع الشوارع المحيطة كل صباح بسبب السيارات التي تتوقف لايصال الاولاد الى مدرسة زهرة الاحسان، فلن يزيدها افتتاح المجمع إلا تفاقماً. وكان منتظراً أن يطلب وقف الروم الارثوذكس، الذي يملك المدرسة وأرض المجمّع الجديد، من المستثمرين الابقاء على فسحة تتوقف فيها السيارات أمام المدرسة، بدل تغطية كل شبر بالباطون واحكام الطوق حول مدرسة زهرة الاحسان والطرق المحيطة بها.

 

الصور الهندسية المنشورة مع التحقيق تعطي صورة مغايرة للواقع، اذ انها من خيال الرسام، أضاف اليها مساحات خضراء حول المبنى ـ الدينوصور، هي غير موجودة، والحقيقة انها شوارع ضيقة مسوّرة بالأبنية.

إذا كانت أية دائرة رسمية أو وزارة أو شركة خاصة أجرت دراسة عن تنظيم السير حول مجمع ABC وأثره على المنطقة المحيطة، نرجو نشره لاطلاع الناس عليه. أما نحن فنرى الكارثة آتية لا محالة، لأن انشاء مشروع ضخم كهذا كان يقتضي تعديلات جوهرية في الطرقات حوله وتوسيعها وتنظيم وجهات السير. وفي الدول المتحضرة، ولو قليلاً، يتم فرض شروط صارمة على أصحاب المشاريع لتحسين شبكات الطرقات حول المباني الكبيرة المسببة للازدحام، قبل إعطاء الترخيص.

 

إنه نموذج آخر للفوضى والعقلية التجارية الأنانية في جمهورية الباطون.

 

نجيب صعب

مهندس معماري

رئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية"