صدر يوم الجمعة في 27 أيلول (سبتمبر) تقرير "ملخص لواضعي السياسات" للفريق العامل الأول في التقرير التجميعي الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وهو الجزء الأول في سلسلة من التقارير التفصيلية حول تغير المناخ سوف تصدر في الأشهر المقبلة وتمثل أشمل وأهم تقييم دولي حول هذه القضية يصدر مرة كل ست سنوات. التقرير الخاص بمجموعة العمل الأولى يتعلق بقاعدة العلوم الفيزيائية، وهي الأساس العلمي والمناخي لتحليل تطورات الاحتباس الحراري وتوجهاته كافة في الماضي والحاضر وتوقعات المستقبل. ويصدر التقرير الكامل، إضافة إلى أطلس للتغيرات المتوقعة في جميع مناطق العالم، اليوم الإثنين على الموقع www.climatechange2013.org
شهد التقرير قبل صدوره حرباً إعلامية شرسة، خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة وأوستراليا، قادتها صحف ووسائل إعلام يمينية ومشككون بتغير المناخ. قابلتها حملة مضادة من وسائل الإعلام التقدمية واليسارية والعلماء المشاركين في الهيئة الحكومية وعدة علماء مستقلين، لتوضيح الحقائق العلمية حول تغير المناخ. بدأت الحملة بشدة عن طريق صحيفة "ديلي ميل" البريطانية ومحررها "العلمي" ديفيد روز، الذي قاد محاولة تكذيب التقرير وفبركة بعض النتائج، إذ نشر في 14 أيلول (سبتمبر) قبل أسبوعين تقريباً من نشر التقرير أن النص الذي تسرّب إليه يتضمن معلومات مفادها أن مدى زيادة درجات الحرارة في الغلاف الجوي خلال العقدين السابقين كان أقل من الربع مما توقعه علماء الهيئة، نظراً لسوء النماذج الحاسوبية المستخدمة. وأضاف أن المؤلفين المشاركين في التقرير يواجهون صعوبة في تفسير هذه الحقائق وعرضها أمام الرأي العام.
وبشكل مشابه تقريباً، كانت الحملة في الولايات المتحدة بقيادة "فوكس نيوز" وفي أوستراليا برعاية حكومية بعد الانتخابات الأخيرة التي حققت فوزاً لحزب المحافظين المشكك بتغير المناخ. لكن الأمر استغرق يومين فقط قبل أن تعود وسائل الإعلام الأخرى، مثل صحيفتي "غارديان" و"إندبندنت" في بريطانيا، لتكذب ما نشرته "ديلي ميل"، وأن نص التقرير لا يتضمن أبداً مثل هذه الأرقام، بل أن جميع القراءات تؤكد أن العقود الثلاثة الماضية كانت الأشد حرارة منذ العام 1850 حين بدأت القراءات الدقيقة.
أشار الباحثون إلى أنه، حتى في حال وجود تباطؤ في الاحترار في الغلاف الجوي خلال السنوات الـ15 الأخيرة، فإن الاحترار في المحيطات قد زاد. وهذا يعني أن المحيطات ساهمت بشكل أكبر مما كان متوقعاً في امتصاص الحرارة الجوية، ولكن من شأن ذلك تسريع عملية ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة ذوبان الجليد نتيجة ارتفاع حرارة المياه. في المحصلة، هذا "التباطؤ" في ارتفاع حرارة الغلاف الجوي لا يعني الاستكانة، بل يشكل خطراً داهماً قد يكون أشد تأثيراً ويرتبط بنتائج زيادة حرارة المحيطات، ويتطلب بالتالي عملاً دؤوباً لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة.
بعد أيام من نشر مقال "ديلي ميل"، قام اللورد نيكولاس ستيرن، مؤلف التقرير المهم حول اقتصاديات تغير المناخ عام 2006، بكتابة مقال في صحيفة "غارديان" طالب فيه بتجاهل المشككين في حقيقة تغير المناخ واستمرار الضغط على الحكومات والجهات المساهمة في المشكلة، وذلك لاتخاذ الإجراءات الضرورية اعتماداً على نسبة 95 في المئة من التيقن التي تعتبر عالية جداً. كما قام علماء كثيرون بتفنيد ما نشرته "ديلي ميل" وطالبوا بانتظار صدور التقرير رسمياً.
كان يوم الجمعة 27 أيلول (سبتمبر) استثنائياً في استوكهولم، لأن النقاشات التي استمرت لمدة ثلاثة أيام بين نحو 400 ممثل للحكومات راجعوا الملخص حرفاً حرفاً كانت طويلة ومنهكة. ولكن في الثامنة صباحاً جاءت الأخبار المطمئنة من الهيئة بأن التقرير قد تمت الموافقة عليه وسيصدر رسمياً في التاسعة صباحاً عبر مؤتمر صحافي شارك فيه رئيس الهيئة ورئيس الفريق العامل الأول، وحظي بحضور كبير من الإعلاميين كان بينهم ديفيد روز مرة أخرى محاولاً التشكيك في النتائج.
أكد التقرير أن ظاهرة تغير المناخ يتسبب بها الإنسان بنسبةExtremely likely أي "مرجح بشكل كبير جداً"، وهي تماثل 95 في المئة من التيقن في المسؤولية مقارنة بنسبة Very likely أي "مرجح جداً" التي تمثل 90 في المئة وتم الإعلان عنها في التقرير الرابع للعام 2007. وأكد المؤلفون أن السبب في زيادة نسبة التيقن هو تحسن قدرة النماذج الحاسوبية، إضافة إلى وجود نسبة عالية من التطابق بين القياسات الفعلية لحالة المناخ في السنوات الماضية وما تم توقعه مسبقاً في سيناريوهات السنوات الماضية.
لم يحقق المشككون في تغيّر المناخ أي نصر يذكر في هذه الحملة الإعلامية، لكنهم لن يتوقفوا على ما يبدو، رغم زيادة ثقة الدراسات العالمية ومصداقيتها وقبولها سياسياً، إلى الدرجة التي جعلت وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري يعلن تأييده وثقته بنتائج التقرير، مما قد يعطي أملاً بحدوث تغيرات جذرية في مواقف الولايات المتحدة.
بالنسبة إلى ردود الأفعال والمواقف في العالم العربي... لا يزال الرقم المطلوب خارج الخدمة!
|