باتر محمد علي وردم
حظيت الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن بجائزة دولية في مجال إدارة المحميات، في سياق المؤتمر العام لمنظمة الطيور الدولية (بيردلايف إنترناشونال)، ليضاف ذلك إلى سجلها المثير للإعجاب من تقدير دولي وإقليمي في هذا المجال. وتقوم الجمعية بإنشاء المحميات الطبيعية وإدارتها في الأردن منذ نحو 40 سنة، بتفويض حكومي واسع. لكنها تواجه في الفترة الأخيرة صعوبات جمة في تحديد المحميات الجديدة والموافقة على إنشائها وإدارة المحميات الحالية، وذلك لسبب لم يكن متوقعاً على الاطلاق، وهو الربيع العربي. هذه الظاهرة موجودة أيضاً في عدة دول عربية وأحياناً بمظاهر أشد خطورة.
كانت لحالة الربيع العربي تداعيات إيجابية، أهمها كسر حاجز التخوف لدى الرأي العام وممارسة حق الاحتجاج وإبداء الرأي. ولكن ذلك كان يصل أحياناً إلى التركيز على المصالح الخاصة باستغلال حالة الفوضى الأمنية والاحتجاجات المتواصلة، بتنفيذ محاولات لإضعاف المحميات القائمة ومنع تأسيس محميات جديدة.
في محمية اليرموك في الأردن، قام بعض النواب بتحريض أبناء المجتمع المحلي على إلغاء المحمية متذرعين بأسباب واهية وغير منطقية، وحتى مع توزيع اتهامات بوجود أجندات خارجية لبيع الأراضي داخل المحمية. ولكن السبب الحقيقي هو الرغبة في الاستخدام العشوائي لهذه الأراضي للرعي وغيره من النشاطات التي يمكن في حال تنظيمها أن تدر دخلاً مناسباً على المجتمع. وفي الجنوب، تم إلغاء عملية إنشاء محمية جبل مسعودة بسبب مطالبات واحتجاجات من المجتمع المحلي، لأن نسبة من الأراضي المزمع حمايتها تقع ضمن ما يسمى “الواجهات العشائرية” التي تعتقد المجتمعات المحلية أنها تملكها منذ بداية نشأة المملكة.
فقرر مجلس الوزراء والجمعية الملكية الاستجابة وإلغاء المحمية واستبدالها بمحمية أخرى في جبل الشوبك، ولكن الإجراءات البيروقراطية والاحتجاجات ما زالت تمنع إعلانها حتى الآن. في محميات أخرى في الشمال، تُرتكب عمليات إشعال حرائق متعمدة لتخريب النظام البيئي وتحويل الأراضي إلى سلع في الأسواق بدلاً من قاعدة للتنمية.
وتواجه دول أخرى مشاكل أشد صعوية. في تونس ثمة حالات لنهب المحميات وتخريبها. وفي ليبيا استمرار لإشعال الحرائق في المحميات في سياق الفوضى الأمنية وتجاوز القانون، بهدف تحويلها إلى أراض سكنية أو قابلة للبيع في السوق.
في تونس، تركزت الاعتداءات على محمية أشكل والمحمية الوطنية في جبل الشعانبي والمحمية الوطنية في بوهدمة. وتمّ تسجيل العديد من الخسائر الماديّة، وأصبحت هذه المحميات الطبيعية مرعى للأغنام بما يهدّد بقاءها. كما تعرّضت المحميات الوطنية إلى تهجّم من المواطنين القاطنين في جوارها، من خلال اقتلاع الأشجار التي يصل عمرها إلى أكثر من 100 سنة بغرض تشييد منازل في هذه المحميات.
وفي سورية، تعرضت الغابات والمحميات أيضاً لتدخلات من المواطنين للحصول على الأخشاب والحطب بهدف التدفئة مع الانقطاع المستمر للكهرباء، كما تعرض بعض المحميات للحرائق وإزالة الأشجار والتعديات ضمن الصراع بين السلطة والقوى المسلحة. وفي مصر تعاني بعض المحميات من تدخلات سياسية وإدارية، ومنها محمية وادي الريان الشهيرة التي تمر بظروف حساسة ذات أبعاد بيئية ودينية.
لقد دفع المجتمع والأمن والاقتصاد والعمران والتراث الطبيعي والحضاري في الدول العربية ثمناً باهظاً لمرحلة التحول السياسي الذي تمت تسميته الربيع العربي. وستحتاج هذه الدول إلى الكثير من الجهد لاستعادة ما تم فقدانه من عناصر طبيعية أو منظومة إدارية في المحميات، وهو جهد بني خلال عقود طويلة وأصبح الآن في مهب الريح.
|