"التنوُّع الأحيائي" أو "التنوع البيولوجي" مصطلح حديث نسبياً، من إنتاج النصف الثاني من القرن العشرين. جيء به ليكون إطاراً عاماً لصورة تضم جميع أنواع الكائنات الحية، المتواجدة في أنظمة بيئية مختلفة. وهو يتسع ليشمل "عدد" و"تكرار تواجد" كل من: الأنظمة البيئية، وأنواع الكائنات الحية، والعوامل الوراثية المحددة لصفاتها.
وفي أعقاب قمـة الأرض الأولـى (ريو 1992) أعلنت الأمم المتحدة الثاني والعشرين من أيار (مايو) يوماً عالمياً للتنوع الأحيائي. وفي احتفال الأمم المتحدة بذلك اليوم عام 2003، كشف العالم البيئي الأميركي بيتر رافن النقـــاب عن الحقيقة المؤلمة لوضع التنـــوع الأحيائي في العالم، خلال محاضرة كان عنوانها "اختيــارنـا: كم عدد أنواع الكائنات الحية التي سيكتب لها البقاء في القرن 21؟" وجاء فيها أن البشر لم يقوموا بما كان يجب عليهم القيام به لإيجاد الأسلوب الذي يحقق عنصر الاستدامة في تعاملهم مع موارد الأرض. وبحسب تقدير رافن، فإن في العالم الآن 10 ملايين نوع من الكائنات الحية، لم يتعرف علماء التصنيف والبيولوجيا إلا على مليون ونصف مليون نوع فقط منها، أي 15 في المئة، من بينها أعداد كبيرة من الأنواع نستغلها استغلالاً فاحشاً يقودها إلى الانقراض. كما أن ثمة سلوكيات وأنشطة بشرية تؤدي إلى اختفاء أنواع حتى قبل أن يتعرف عليها العلماء.
وثمة فارق بين منطقة من البرية تتميز بالتنوع الأحيائي ومنطقة أخرى غنية بالحياة البرية. ففي الأولى، تجد أعداداً – ولو قليلة – من أفراد يمثلون عدداً كبيراً من الأنواع. أما المنطقة الثانية – ذات الغنى – فإنها قد تكون مغطاة تماماً بالنباتات، ولكن إذا أحصيت عدد الأنواع التي تحتلها وجدته لا يزيد على واحد أو اثنين. والتنوع – بيئياً – يعني رصيداً أضخم، أو بِرْكَـةً هائلةً، من الصفات الوراثية المتنوعة، ويُترجم – اقتصادياً – إلى منافع أكبر.
اكتشف بعض العلماء مؤخَّراً أن وراء التنوع النباتي، في غابات المناطق المعتدلة على وجه الخصوص، آلية تؤدي إلى عدم تجاور الشجيرات والأشجار من النوع نفسه على مسافات قريبة. لقد عثروا على نوع من الفطريات، يقال له "بيثيوم"، يتجمع فوق جذور شجيرات الكرز الأسود، ويهاجم أيَّ جذور وليدة لأي نبتة حديثة من النوع نفسه، في محيط دائرة نصف قطرها 15 متراً ومركزها الشجيرة القديمة، فيُهلك النبتات في مهدها، لتنفرد تلك الشجيرة بهذه المساحة الضخمة (نحو 100 متر مربع). وفي الوقت نفسه، لا يتعرض الفطر للنباتات والشجيرات من الأنواع المغايرة، فتنمو حول شجيرة الكرز المتفرِّدة، ويتحقق بذلك التباينُ، أو التنوعُ، بين قاطني تلك المساحة من الأنواع النباتية. ويعتقد ذلك الفريق من العلماء، من جامعة إنديانا الأميركية، أن هذه الآلية ذاتها هي المسؤولة عن التنوع الأحيائي الفائق في الغطاء النباتي للغابات الاستوائية المطيرة.
ما أحوجنا إلى استيعاب هذه الآلية الطبيعية في حياتنا السياسية، ليثريها التنوع، ويرفدها بالحيوية، فلا نظل أسرى آفاق ضيقة وأفكار فقدت طزاجتها.
|