تم تطوير مفهوم البصمة البيئية في التسعينيات من القرن الماضي لقياس طلب الإنسان على الموارد الطبيعية وقدرة كوكب الأرض البيولوجية على تلبيته، وفي الوقت نفسه استيعاب مخلفات البشر وانبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون.
وتقاس البصمة البيئية بالهكتار العالمي من المساحة البرية والبحرية اللازمة لإنتاج وتزويد الإنسان بالمواد والموارد واستيعاب المخلفات. ويمكن استخدام البصمة البيئية من قبل الدول والمؤسسات والأفراد للاهتداء بها واتخاذ السياسات والقرارات المتعلّقة باستخدام الموارد الطبيعية وكيفية تخفيف الضغط عليها.
جدير بالذكر أنه سبق للصندوق العالمي لحماية الطبيعة أن حذر في تقريره عام 2006 بعنوان «الكوكب الحي» من أن استهلاك البشرية للموارد الطبيعية بشكل يفوق %25 من القدرة الطبيعية على تجديد تلك الموارد يشكّل خطراً داهماً يهدد مستقبل الأجيال القادمة ما لم تتخذ الإجراءات اللازمة على المستوى العالمي لتفادي الكارثة التي تواجه الإنسانية.
وفي تقريره لعام 2012 بعنوان «خيارات البقاء: البصمة البيئية في البلدان العربية»، خلص المنتدى العربي للبيئة والتنمية إلى أن المنطقة العربية دخلت مرحلة العجز في الموارد منذ عام 1979، واليوم تبلغ مستويات استهلاك البضائع والخدمات الأساسية لاستمرار الحياة أكثر من ضعفي ما يمكن للأنظمة الطبيعية المحلية توفيره، فضلاً عن انخفاض معدل الموارد الطبيعية المتوافرة للفرد في البلدان العربية 60 في المئة خلال خمسين عاماً من 2.2 إلى 0.9 هكتار عالمي. ويمكن إرجاع هذا الانخفاض الحاد أساسا إلى التزايد الكبير في السكان وتدهور القدرة الانتاجية للأنظمة الطبيعية في المنطقة، بسبب التلوث وتدمير الموائل الطبيعية والإدارة غير الملائمة للموارد.
وقد أدرك العالم أن تنامي ثقل البصمة البيئية على موارد كوكب الأرض له أبعاد اقتصادية وإنمائية تتمثل في عدم التمكن من تحقيق التنمية المستدامة باعتبارها «التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة».
جدير بالذكر أن استهلاك الموارد الطبيعية ينطوي على بعدين متناقضين. فبينما استهلاك تلك الموارد بكثافة يؤدي إلى مزيد من النمو الاقتصادي، إلى أنه في الوقت نفسه يسرع من استنزاف تلك الموارد ويحد من استدامة تنفيذ انشطة اقتصادية مختلفة.
التعاون الدولي
ولما كان مستوى البصمة البيئية يلعب دوراً مهماً في تغير المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصا ثاني أكسيد الكربون، فقد ارتأت الأمم المتحدة ضرورة التعاون الدولي للحد من ارتفاع درجة الحرارة وتفادي أبعادها الخطيرة على مستوى البشرية.
وقد جسدت اتفاقية باريس في عام 2015 التي وافقت عليها ما يزيد على 190 دولة الاهتمام الشديد للالتزام بسياسات وإجراءات للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون، وكل ما من شأنه أن يحد من شدة البصمة البيئية على الطبيعة، وضبط ارتفاع درجة الحرارة بما لا يزيد على 1.5 درجة مئوية، وذلك من خلال تعاون دولي وثيق حسب ما يترتب على كل دولة القيام به. ويتطلب ذلك أيضاً تعاوناً إقليمياً ومحلياً من قبل كل الجهات والمؤسسات والأفراد في كل من دول العالم.
وبعد انقضاء ما يزيد على خمس سنوات منذ الإعلان عن اتفاقية باريس أشارت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في تقريرها الصادر في أغسطس 2021 إلى تقديرات جديدة لاحتمالات تجاوز مستوى الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية في العقود المقبلة، ويخلص إلى أنه لا سبيل إلى حد الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية تقريباً أو حتى درجتين مئويتين دون تحقيق تخفيضات فورية وسريعة وواسعة النطاق في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناجمة عن الأنشطة البشرية.
تخفيف الوطأة البشرية
يتضح مما تقدم أن المحافظة على التقدم البشري تتطلب تخفيف وطأة البصمة البيئية للبشر لكي تتمكن الطبيعة من تجديد خدماتها. لذا، يتطلب الأمر التأكد من أن الأنشطة الاقتصادية وما تشمله من برامج ومشاريع أن تأخذ في الاعتبار، بين أمور أخرى، ما يأتي:
1 - المحافظة على الموارد الطبيعية وتعزيز قدرتها لتلبية الطلب عليها.
2 - الحد من تدهور البيئة ومكوناتها المختلفة، كالهواء والمياه والتربة.
3 - الحد من الأنشطة المضرة بالبيئة نتيجة انبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصاً ثاني أكسيد الكربون.
4 - الحد من استخدام الطاقة الأحفورية وتعزيز الطاقة المتجددة.
5 - تشجيع الإبداع والابتكار لخدمة الإنسانية والمحافظة على البيئة.
د. عبدالكريم صادق، مستشار اقتصادي في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، المدير التنفيذي لدولة الكويت لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، مستشار لمدير تنفيذي في البنك الدولي سابقاً، عضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد).