Saturday 23 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
كاظم المقدادي هيروشيما بعد 76 عاماً | 14/08/2021
بعد 76 عاماً على هيروشيما وناغازاكي
الأسلحة النووية ما زالت تهدد البشرية بالفناء
 
 
في السادس من اَب (أغسطس) كل سنة، يستذكر الشعب الياباني، ومعه أنصار السلام في العالم، أفظع جريمة حرب دولية، ألا وهي إلقاء أول قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما، التي تبعتها بعد 3 أيام قنبلة ثانية على مدينة ناغازاكي. حصل هذا عام 1945، في مرحلة كان جيش الأمبراطورية اليابانية على وشك الإستسلام في الحرب، وفي توقيت صباحي حين كان مئات الآلاف من السكان في الشوارع متجهين إلى أعمالهم، أو كانوا وصلوا إلى المصانع والمدارس والجامعات والمستشفيات والمتاجر. فدمّرت القنبلتان المدينتين خلال دقائق قليلة، وحولتهما إلى أكوام من اللهب والرماد، في أضخم تفجير كان معروفاً حتى ذلك الوقت.
 
لقد أحدثت القنبلتان أبشع الكوارث الإنسانية وأفظع الأضرار الصحية والبيئية والإجتماعية في القرن العشرين، حيث سقط في هيروشيما أكثر من 140 ألف قتيل، أي نحو 30 في المئة من عدد سكانها، بينما سقط في ناغازاكي 80 ألفاً. وشكّل المصابون ضعف عدد القتلى، فيما مات لاحقاً 15-20 في المئة منهم متأثرين بالجروح والصدمات والحروق والتسمم الإشعاعي، والمضاعفات المرضية الأخرى، حيث انتشرت الأمراض والوفيات السرطانية، خاصة سرطان الدم والأورام الخبيثة. أما الناجون، ويعرفون باسم "هيباكوشا"، فقد روى المئات منهم قصص معاناة تقشعر لها الأبدان.
 
والجدير بالذكر أنه في العام نفسه الذي أُلقيت فيه القنبلتان الذريتان، تأسست الأمم المتحدة، وهذا التأسيس شكّل ترابطاً بشكل وثيق مع الدمار في هيروشيما وناغازاكي، وبداية المساعي الدولية المؤسسية لمنع تكرار مثل هذه الكارثة.
 
الأسلحة النووية
كانت الأسلحة النووية إبان الحرب العالمية الثانية محصورة بالقنابل المعبأة باليورانيوم، كتلك التي ألقيت من الطائرة على ارتفاع يقارب 600 متر في المدينتين اليابانيتين، بزنة نحو 4.5 أطنان. أما اليوم فقد أصبحت أكثر تطوراً وتنوعاً، مع دخول الصواريخ والقذائف، وأشد تدميراً وفتكاً، بما تحتوية من مواد متفجرة ومشعة خطيرة، وأسهل حملاً وإطلاقاً. ولذا، تُعدُّ من أخطر أنواع أسلحة الدمار الشامل قاطبة، مستخدمة عمليات التفاعل النووي للأغراض الحربية لضمان قوتها التدميرية والفتاكة. وهي تعتمد على عمليات الإنشطار والإندماج النووي، التي تجعل بإمكان صاروخ واحد أو قنبلة واحدة تدمير مدينة كبيرة بأكملها وتحويلها الى أنقاض. ولن تقتصر أضرارها على الجيل الحالي، بل تطول لأجيال.
 
هذا ما بّينته الأبحاث العلمية التي درست أضرار القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما، وامتدت إلى سنين طويلة بسبب استمرار التأثيرات الضارة الناجمة عن التلوث الإشعاعي. ومن لم يقتل ساعة الانفجار مات بعد ذلك بسبب تأثيرات الإشعاع. وأكدت الدراسات أن تأثيرها مستمر حتى اليوم، وتتسبب في الإصابة بالسرطانات وبالعيوب الخلقية لحديثي الولادة. وكشفت دراسة لإحدى الجامعات اليابانية، كُرّست لآثار الإشعاع الناجم عن القنبلة، أنه بين كل 4 مواليد من أبناء الجيل الأول لضحايا الكارثة يصاب واحد بعيوب خلقية.
 
ترسانة رهيبة
تهدد الترسانة الحالية للأسلحة النووية في العالم بفناء البشرية وكل الأحياء على كوكب الأرض فناءً تاماً. فقد أكد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الدول النووية تواصل عملياً "تحديث ترسانتها، بدلاً من نزعها، خلافاً للرغبة المعلنة للمجتمع الدولي في نزع هذا السلاح". وأشار المعهد إلى ازدياد الرؤوس النووية وبطء وتيرة نزعها، حيث وصل عددها في العالم في مطلع 2015 إلى 15850، بينها 4300 رأس جاهزة للاستخدام، بينما كان عددها في 2010 نحو 22600 رأس، بينها 7650 رأساً جاهزاً للاستخدام. وأضاف أن وتيرة نزع الأسلحة النووية في عام 2015، وعلى غرار العام 2014، ظلت بطيئة بالمقارنة مع ما كانت عليه في العقد الفائت.
 
وتقع مسؤولية خفض عدد الرؤوس النووية في العالم بالدرجة الأولى على عاتق الولايات المتحدة وروسيا، لكونهما تمتلكان 7260 و7500 رأس على التوالي، أي أن حصتهما مجتمعتين توازي 90 في المئة من الترسانة النووية في العالم بأسره. وأوضح الباحث في معهد ستوكهولم، شانون كايل، أنه "رغم التصريحات الدولية المتكررة بشأن أولوية نزع السلاح النووي، فإن برامج التحديث الجارية في الدول التي تمتلك أسلحة نووية تدفع إلى الاعتقاد بأن أياً منها لن يتخلى عن ترسانته النووية في المستقبل القريب. فواشنطن وموسكو منخرطتان في برامج تحديث ضخمة ومكلفة تستهدف الأنظمة الناقلة والرؤوس النووية وإنتاجها".
 
وتستمر ترسانات بقية الدول التي تمتلك أسلحة نووية بالتزايد. فقد أكدت التقارير عام 2018 أن فرنسا تمتلك 300 رأس حربي نووي، تأتي بعدها الصين (270)، وبريطانيا (215)، وباكستان (140)، والهند (130)، وإسرائيل (80)، وكوريا الشمالية (20) وتجدر مراقبة تطورات البرنامج النووي الصيني، الذي لا يقتصر دوره على اقامة توازن رعب مع الولايات المتحدة فقط، بل يسعى إلى تعزيز موقع الصين تجاه روسيا والجيران الإقليميين.
 
وأكدت وكالات الأنباء أن إسرائيل وكوريا الشمالية أجريتا اختبارات على صواريخ بالستية جديدة بعيدة المدى. وتسعى إيران جاهدة لامتلاك السلاح النووي، رغم الأزمة الاقتصادية-الاجتماعية الخانقة التي يعيشها الشعب الإيراني، والتوتر المتصاعد مع المجتمع الدولي. ولعل الأخطر أن العديد من الدول النووية الكبرى تساعد دولاً أخرى على تطوير قدراتها النووية، خلافاً للمعاهدات الدولية.
 
خروقات صارخة
إرتكبت الدول النووية العظمى عملياً خروقات صارخة. فعلى سبيل المثال قامت الولايات المتحدة بتزويد دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي بما يصل إلى 180 رأساً نووياً. ولعبت الإدارة الأميركية دوراً محورياً وأساسياً في تشجيع إسرائيل على رفض الإنضمام إلى المعاهدة منذ عام 1968. ومع أن إسرائيل لم تعلن رسمياً حيازتها للأسلحة النووية، إلا أنه أصبح معروفاً امتلاكها لعشرات الرؤوس النووية، ولديها 7 مفاعلات ذرية، أبرزها مفاعل ديمونة.
 
إقتراناً بالخروقات، لم توقع على معاهدة حظر الإنتشار النووي كل من الهند وباكستان، وهما تمتلكان أسلحة نووية. وانسحبت كوريا الشمالية من المعاهدة عام 2003 بعد أن كانت قد وقعت عليها، مما استتبع تصاعد التوتر حول برنامجيها النووي والبالستي. وتواصل التوتر في منطقة الشرق الأوسط بسبب رفض إسرائيل لمبادرة المجموعة العربية الداعية لجعل المنطقة خالية من الأسلحة النووية. وما يزال التوتر سائداً بين إيران ومعظم دول المنطقة والعالم بشأن برنامجها النووي.
 
ولم يقتصر انتشار السلاح النووي على الدول المالكة له، إذ إن هناك 5 دول أوروبية لا تملك برنامجا نووياً، لكنها تنشر أسلحة نووية أميركية على أراضيها في إطار اتفاقية "الناتو". وأكدت دورية "علماء الطاقة الذرية" وجود 23 دولة أخرى موافقة على نشر الأسلحة النووية الأميركية على أراضيها "كوسيلة لتعزيز أمنها القومي". وهناك فئة ثالثة من الدول التي تمتلك مفاعلات نووية للأغراض السلمية، لكن يمكن تطويرها لتصبح قنابل ذرية فتاكة.
 
أما روسيا، التي أعلنت أن سلاحها النووي "لا يوجد خارج أراضيها"، فهي تدّعي أن الهدف منه ينحصر في "الدفاع عن الذات ضد التمدد الأميركي وتوسع حلف شمال الإطلسي" على حدودها. ورغم السرية التي تحيط بالنشاطات النووية الروسية، فمن المعروف أنها تساعد بعض الدول في تطوير برامج نووية. ويلعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دوراً كبيراً في عملية عرض العضلات النووية، فينافس الولايات المتحدة في تسريب المعلومات والوثائق والصور والفيديوهات عن امتلاك أسلحة جديدة أشد فتكاً وتدميراً. وقد أطلق بوتين بنفسه 4 صواريخ بالستية خلال تدريبات القوات النووية الاستراتيجية الروسية وحذّر أنه "في حالة نشوب حرب بين روسيا والولايات المتحدة فلن يبقى أحد على قيد الحياة".
 
المفارقة أن جميع الأطراف أقرّت بان ركائز معاهدة حظر إنتشار الأسلحة النووية بُنيت على إلتزامات موضوعية واَنية وملحة، بيد أن الدول النووية العظمى لم تلتزم جدياً بالمعاهدة. والأنكى أن الدول المهيمنة، بدلاً من السعي الجاد لمنع انتشار الأسلحة النووية والتخلص من ترسانتها، حوّلت العالم، رغم وجود المعاهدة ونفاذها، من السلام إلى الحروب بخطوات ثابتة. فكلّفت الحروب الاقتصاد العالمي في عام 2014 وحده نحو 14.3 ترليون دولار، وهو ما يعادل مجموع الناتج لكل من البرازيل وكندا وفرنسا وألمانيا وأسبانيا والمملكة المتحدة- بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، بالإستناد لما نشره "مؤشر السلام العالمي". ووفقاً للمؤشر، فقد أُنفق أكثر من ترليون دولار على النشاط العسكري.
 
تحذيرات جدّية
نبذهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016 أن المجتمع الدولي يملك الآن أدلة دامغة على ما ينجم عن هذه الأسلحة من آثار مروّعة وممتدة ولا رجعة فيها، على الصحة والبيئة والمناخ والإنتاج الغذائي- أي على كل ما تعتمد عليه حياة البشر. وظهرت منذ ذلك الحين أدلة إضافية جديدة على الآثار العشوائية والمعاناة المريرة التي تسببها الأسلحة النووية. وقد عُرِضت هذه الأدلة في ثلاثة مؤتمرات دولية معنية بالآثار الإنسانية للأسلحة النووية. وخرجت دراسات كل من الصليب الأحمر ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة باستنتاج رئيسي يفيد بأنه لا توجد أي قدرة أو خطة مناسبة للاستجابة بوسعها مساعدة ضحايا الأسلحة النووية.
 
وحذّر ستيفن ستار، وهو عالِم بارز في منظمة «أطباء من أجل المسؤولية الاجتماعية»، وشريك في «مؤسسة السلام في العصر النووي»، من أنه بمجرد بدء عملية صراع نووي بين واشنطن وموسكو، فإن عدد القتلى خلال الساعة الأولى سيكون عشرات الملايين، وستكون هذه مجرد بداية مروعة. ويبقى "الشتاء النووي" أحد العواقب البيئية الطويلة الأجل للحرب النووية، إذ من شأن طبقة الدخان الستراتوسفيرية العالمية، التي تولدها العواصف النووية، أن تحجب معظم أشعة الشمس من الوصول إلى سطح الأرض، مما يؤدي إلى حالة طقس العصر الجليدي التي ستستمر لمدة 10 سنوات على الأقل. ومن شأن "الشتاء النووي" أن يجعل معظم الناس على كوكب الأرض مهددين بالموت بسبب المجاعة في غضون عامين من "الحرب النووية الأميركية- الروسية" المفترضة.
 
ومن هذا المنطلق، حذّر وزير الدفاع الأميركي الأسبق ليون بانيتا، في نيسان (أبريل) 2017، من مغبة إقدام واشنطن على ضربة إستباقية لكوريا الشمالية، مشيراً إلى أن أي خطوة في هذا الإتجاه سوف تشعل حرباً نووية تزهق أرواح الملايين. وفي المقابل، فمن شأن ضربة نووية محتملة توجهها كوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة الأميركية أن تتسبب بسقوط عشرات آلاف الضحايا بين السكان. وأكد الخبير الأميركي في القضايا النووية، ديني روي، أنه إذا كان لدى كوريا الشمالية تكنولوجيا أكثر تطوراً، فإن صواريخها ستتمكن من ضرب واشنطن ونيويورك وستتسبب بموت 130 ألف و210 آلاف نسمة على التوالي.
 
جهود دولية حثيثة
تقدمت الجهود الدولية المدركة والمقدّرة لخطورة الترسانة النووية خطوات كبيرة في سعيها من أجل عالمٍ خالٍ من السلاح النووي، توجتها باعتماد الأمم المتحدة يوم السادس والعشرين من أيلول (سبتمبر) يوماً عالمياً للإزالة الكاملة للأسلحة النووية. وفي تموز (يوليو) 2017 تبنى ثلثا أعضاء الأمم المتحدة معاهدة حظر الأسلحة النووية، التي منعت كافة الأنشطة المتصلة بالأسلحة النووية، مثل تطوير وإختبار وإنتاج وتصنيع وإستحواذ وامتلاك وتخزين أسلحة نووية، أو غيرها من الأجهزة المتفجرة النووية، فضلاً عن استخدام هذه الأسلحة أو التهديد باستعمالها.
 
ومَثّلَ إقرار معاهدة حظر الأسلحة النووية والتوقيع عليها من قبل 122 دولة لحظة تاريخية، إذ أصبح، بحسب المعاهدة، من غير الشرعي إمتلاك وتطوير الأسلحة النووية بموجب القانون الدولي. وصار بحكم المعاهدة من الصعب على مؤيدي الأسلحة النووية الإدعاء بأنها "وسيلة مشروعة وضامنة للأمن والسلم". ولعل الأهم اعتبار المعاهدة الجديدة، التي دخلت حيّز التنفيذ، تدشيناً لعصر نهاية الخطر النووي على البشرية، مع أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أعلن أنه "لا يزال هناك نحو 15 ألف رأس نووي، ولا يمكن أن نسمح لهذه الأسلحة شديدة الفتك والتدمير أن تعرّض عالمنا ومستقبل أولادنا للخطر". ولكن أركان هذا الحدث الكبير لم تكتمل، إذ لم تشارك فيه جميع الدول النووية، حيث قاطعت المحادثات الدولية لصياغة المعاهدة، التي جرت برعاية الأمم المتحدة، منذ انطلاقها عام 2017. ولم توقع الدول النووية العظمى المعاهدة أو تصادق عليها، مما يجعلها منقوصة.
 
ولعل الأهم لتجنيب البشرية خطر وضعها على "كف العفريت" النووي، وجوب انضمام جميع الدول التي تمتلك الأسلحة النووية إلى معاهدة الحظر، والإلتزام ببنودها، والتخلص من ترسانتها النووية في أسرع وقت.
 
 
الدكتور كاظم المقدادي أكاديمي عراقي متقاعد مقيم في السويد
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.