كان الفقر ولا يزال يستقطب الاهتمام العالمي للقضاء عليه. وبحسب تعريف البنك الدولي فإن الفقر المدقع يشمل الأفراد الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم. وحسب خط الفقر العالمي فإن من يعيشون على أقل من 2.75 دولار في اليوم يعتبرون في عداد الفقراء، وهناك تعريفات الفقر تتبناها مؤسسات دولية في نطاق ظروف معينة، كما أن هناك خطوطاً وطنية للفقر تهتدي بها الدول حسب ظروفها الاقتصادية والاجتماعية.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية الذي انعقد في كوبنهاكن عام 1995 اعتبر القضاء على الفقر مهمة أخلاقية واجتماعية وسياسية واقتصادية تقع مسؤوليتها على عاتق البشرية، وقد سعت الأمم المتحدة على تكثيف جهودها في حشد عدد من المبادرات ومن بينها مبادرتان وهما:
1 - تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية
دلت التجارب على أن الفقر معضلة معقدة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وبيئية إنسانية، ويقتضي القضاء عليه تعاوناً دولياً شاملاً ومنسقاً يأخذ بعين الاعتبار كل الأبعاد المتعلقة به. وفي هذا السياق اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في عام 2000 يتضمن تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول عام 2015، وهي ثمانية أهداف يتقدمها الهدف الأول وهو: القضاء على الفقر المدقع والجوع، الذي تضمن تخفيض نسبة الأفراد الذين يقل دخلهم عن دولار واحد في اليوم بمقدار النصف عما كان عليه في عام 1990 وذلك بحلول عام 2015. وبموجب هذه المبادرة حقق العلم تقدماً ملموساً في تخفيض عدد الفقراء، إذ أصبحت نسبة من يعيشون في فقر مدقع تمثل نحو %10 من سكان العالم بالمقارنة مع نسبة فاقت %33 من سكان العالم في عام 1990.
ويرجع سبب انخفاض عدد الفقراء في العالم إلى النمو الاقتصادي الذي شهدته منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي ومنطقة جنوب آسيا، وتوزيعه بشكل عادل على المواطنين، بينما أصبح الفقر أشد وطأة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، بسبب تباطؤ النمو واندلاع الصراعات وعدم قدرة المؤسسات على تنفيذ مشاريع محاربة الفقر. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن من المتوقع أن تشهد منطقة جنوب آسيا وكذلك أفريقيا جنوب الصحراء أكبر زيادة في الفقر المدقع، تقدر بحوالي 32 مليون نسمة و26 مليون نسمة على التوالي نتيجة تفشي جائحة كورونا.
2 - أجندة التنمية المستدامة
وفي سياق العمل للقضاء على الفقر، أطلقت الأمم المتحدة عام 2015 أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، وذلك لمواصلة التقدم المحرز في الأهداف الإنمائية للألفية، وفي الوقت نفسه إنجاز التنمية المستدامة من خلال تحقيق 17 هدفاً، يأتي في مقدمتها القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان، باعتباره هدفاً يمثل أكبر تحدٍ يواجه العالم ومطلباً لا غنى عنه لتحقيق بقية أهداف التنمية المستدامة.
ويشير تقرير أهداف التنمية المستدامة لعام 2020 الصادر عن الأمم المتحدة بأن «العالم قد ابتعد عن المسار المؤدي إلى القضاء على الفقر بحلول عام 2030»، كما يشير أيضاً إلى «أن الجهود العالمية المبذولة حتى اليوم، وباعتراف الدول الأعضاء المشاركة في قمة أهداف التنمية المستدامة التي عقدت في سبتمبر الماضي، لا تزال غير كافية لإحداث التغيير الذي نحتاجه، الأمر الذي يعرض للخطر الوعد الذي قطعته الخطة أمام أجيال اليوم وأجيال المستقبل».
ليس هذا فحسب، بل إن معظم أهداف التنمية المستدامة الأخرى قد ابتعدت عن مسارها قبل نشوب أزمة كورونا، غير أن هذه الجائحة حسب تقديرات البنك الدولي، أحدثت زيادة في عدد الفقراء بمقدار ما بين 119 و 124 مليون نسمة في عام 2020. ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد بشكل مبدئي إلى ما بين 143 و163 مليون نسمة في عام 2021. وهو ما يدل على أن الأزمة يمكن ألا تتوقف عند هذا الحد، وبأنها قد أطاحت كثيرا من مكتسبات أهداف التنمية المستدامة. ولذا فإن الواقع يشير إلى تراجع كبير فيما هو مرتجى من أهداف التنمية المستدامة، وعدم تخلف أحد عن الركب بحلول عام 2030 كما أجمعت عليه قمة العالم في عام 2015.
عدم تكافؤ الفرص
أما المنطقة العربية فإنها تواجه تحديات جمة في سعيها للقضاء على الفقر، إذ يشير التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2020 إلى أن حوالي 40% من عدد سكان الدول العربية كانوا في عام 2018 يعيشون تحت خط الفقر الدولي المقدر بحوالي 2.75 دولار في اليوم، كما أن حوالي 13.4% من السكان كانوا في حالة فقر مدقع، و يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم. كما ينوه التقرير المذكور بأن أسباب الفقر ترجع إلى عدم تكافؤ الفرص الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك المكانية، أي بين الحضر والريف. وجدير بالذكر أن حوالي ثلثي السكان الفقراء ونسبة 83.4% من الذين يعانون من الفقر المدقع هم من المناطق الريفية.
ويشير تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) لعام 2020 حول الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المنطقة العربية إلى أن تراجع النمو الاقتصادي بسبب جائحة كورونا ستترتب عليه فقدان مزيد من فرص العمل والدخل وتحويل العاملين في الخارج، فضلاً عن وقوع حوالي 8.3 مليون من السكان في براثن الفقر، مما يرفع عدد الفقراء في المنطقة العربية إلى 101.4 مليون نسمة.
فالواقع يشير إلى أن هذه الأرقام هي في حدها الأدنى، آخذا في الاعتبار أن بعض الدول العربية لايزال في خضم نزاعات وصراعات وحروب تهدد أمن واستقرار تلك الدول، وتجعل مرتجى القضاء على الفقر بعيد المنال في المدى المنظور. وأحوج ما تحتاج إليه المنطقة هو إنهاء تلك الصراعات والحروب والعودة إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي لكي تتاح الفرصة لتنفيذ برامج وإعادة الإعمار والتنمية واتخاذ السياسات المناسبة للتدرج في القضاء على الفقر ذات الأبعاد المتعددة، وتداعياته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وكما أشار البنك الدولي في تقريرة لعام 2018 حول الفقر والرخاء المشترك، فلا تزال هناك جيوب كبيرة من الفقر المدقع، وللتوصل إلى فهم أفضل لما يعنيه إنهاء الفقر، نحتاج إلى وسائل إضافية لقياس أبعاد المشكلة ووضع تصور لها. ونحتاج أيضا إلى فك المزيد من طلاسم هذه المعضلة لفهم المقصود من ذلك بشكل أفضل.
د. عبد الكريم صادق، مستشار اقتصادي في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، والمدير التنفيذي لدولة الكويت لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومستشار لمدير تنفيذي في البنك الدولي سابقاً، عضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)