لا تتسرع بالإجابة عن هذا السؤال بـ"لا"، فالمؤكد أنك شربت الكثير من الماء الافتراضي، بل أكثر مما تتصور.
أمامي الآن كتاب "الميــاه الافتراضية – تدارُسُ الخطرِ المُحْـدِقِ بأثمن موارد الأرض"، للدكتور طوني ألان، الخبير الدولي في تحليل الموارد المائية في المناطق شبه القاحلة، وهو صاحب مفهوم "المياه الافتراضية" الذي جاء ليكشف عن حقائق الاستهلاك العالمي للمياه ويجسدها، في زمن يشهدُ تكالباً على المياه بمواردها المحدودة على سطح كوكبنا.
و"الماء الافتراضي" مصطلح جديد نحته المؤلف، وهو يوضحه للقارئ بمثال واقعي هو كوب القهوة الصباحية، فيسأل: ما كمية الماء التي تعتقد أنك تحتاجها لتحضير كوب القهوة؟ هل تعتقد أنها ملء كوب واحد؟ لا. إنها تستلزم 140 كوباً من الماء، هي الكمية التي تنتهي بكوب القهوة بين يديك على مائدة الإفطار، فهي المياه المستخدمة في زراعة البن وتصنيعه وتغليفه ونقله، في رحلته من المزرعة حتى يصل إليك. ويترجم ألان بقية مكونات مائدة الإفطار الإنكليزية إلى قيمتها المائية على النحو الآتي: قطعة من الخبز المحمص (80 ليتراً)، بيضة واحدة (120 ليتراً)، كوب من الحليب (240 ليتراً). ويصل إلى أن الرجل الإنكليزي يستهلك 1100 ليتر من الماء الافتراضي في إفطاره، أي ما يملأ ثلاثة أحواض استحمام منزلية.
إن مواجهة الخطر المحدق بموارد البشر المائية، وهي أثمن ما يمتلكون من موارد طبيعية، تستوجبُ أن تتغير أساليب استخدام المياه. وليست هذه مسألة هينة، خصوصاً في العالم الغربي، حيث يستهلك الرجل الإنكليزي العادي 1100 ليتر من المياه الافتراضية في وجبة الإفطار، وحيث يستهلك الغربيون عموماً كميات ضخمة من اللحوم التي يتطلبُ إنتاجُها، من المزرعة إلى المائدة، كميات هائلة من المياه. وهذا مثال واحد على ضرورة أن تتغير نُظُم الغذاء، لأن ذلك جزءٌ من الحل. فهل يمكن أن نراجع ذلك في عصر يُعـرِّفَـه البعضُ بأنه عصر إنتاج اللحوم؟ بصفة عامة، يمكن أن يوفر تغيير العادات الغذائية لشعوب الأمم الغنية 40 في المئة من الاستهلاك العالمي للمياه.
ويصنف المؤلف المياه في نوعين: الزرقاء، وهي التي تتدفق في الطبيعة جاريةً في الأنهار والبحيرات والمختزنة في جوف الأرض، والخضراء، وهي المياه التي تتسرب إلى التربة لتنتفع بها الأغطية النباتية الطبيعية. والزراعة، بكل تأكيد، هي أكبر مستنزف لكل من نوعي الماء.
ويحذر ألان من اندلاع حروب إن لم تتم مقايضة المياه الافتراضية على أسس عادلة. ويقول باستحالة النظر في أحوال الأسواق العالمية من دون أن يمَسَّــكَ غضبٌ إزاء ما تراه من فشل تلك الأسواق في الإحساس بأهمية الموارد المائية الثمينة، وهو فشلٌ ينتهي بتأجيل التوصل إلى حلول سياسية لقضايا تداول المياه.
|