يعتبر التكامل الاقتصادي وسيلة للاستغلال الأمثل للموارد المتاحة للدول المتكاملة وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها وتحسين مستويات المعيشة لشعوبها، وقد بدأت ظاهرة التكامل الاقتصادي تكتسب أهمية خلال النصف الثاني من القرن الماضي وشرعت معظم دول العالم على إقامة تكتلات إقليمية يجري من خلالها تحقيق التكامل الاقتصادي استنادا إلى ما يربطها بظروف جغرافية وطبيعية مشتركة، إضافة إلى الميزة النسبية التي تتمتع بها اقتصادات تلك الدول.
ويهدف التكامل الاقتصادي لتحقيق مكاسب للدول المتكاملة، ومن بينها ما يلي:
1 - تعزيز رفاهية الدول المتكاملة من خلال رفع كفاءة إنتاج السلع وزيادتها وتحسين جودتها وانخفاض سعرها.
2 - اتساع السوق والتوسع في الطاقة الانتاجية لتلبية زيادة الطلب على المنتجات.
3 - انخفاض تكاليف المشاريع جراء استخدام الموارد المتاحة على أساس الميزة النسبية.
4 - تحقيق زيادة في التجارة البينية للدول الأعضاء، فضلاً عن تحسين القوة التفاوضية وشروط التبادل التجاري مع العالم الخارجي.
5 - تحسين معدلات النمو الاقتصادي للدول الأعضاء نتيجة لزيادة تبادل السلع والخدمات واستقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنفيذ المشاريع ذات الكفاءة العالية وحسن الأداء.
6 - زيادة فرص العمل نتيجة المشاريع المستجدة، وتحسين مستويات المعيشة بوجه عام.
وتجدر الإشارة إلى أن التكامل الاقتصادي ذو أشكال مختلفة، تأخذ بعين الاعتبار مستويات التكامل الاقتصادي كمنطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والاتحاد النقدي، وصولا إلى الاتحاد الاقتصادي العام، وهو أعلى درجات التكامل الاقتصادي، إذ يتم بموجبه التحرير الكامل لحركة انتقال السلع والخدمات وعوامل الإنتاج، وتوجيه السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية، وتشرف على تنفيذه سلطة تكون قراراتها ملزمة لجميع الدول الأعضاء، وينطبق هذا على الاتحاد الأوروبي الذي تدرَّج في تحقيق التكامل الاقتصادي منذ خمسينيات القرن الماضي، وبدأ يتكون من عضوية 6 دول، وأخذ في التوسع حيث وصل عدد أعضائه إلى 27 دولة بعد انسحاب المملكة المتحدة.
تحقيق المنافع
وهناك عدد من التكتلات الاقتصادية في أنحاء مختلفة من العالم، ورغم تباينها في درجات التكامل الاقتصادي فإنها تسعى لتحقيق المنافع الاقتصادية والاجتماعية من خلال تكاملها المستند إلى الميزة النسبية في استغلال مواردها الطبيعية والبشرية وتبادل السلع والخدمات بما يخدم مصالحها وتوفير مستويات أفضل من المعيشة لشعوبها. ومن بين تلك التكتلات الاقتصادية هنالك اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (النافتا)، وتضم الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهناك التكتلات الاقتصادية الآسيوية، وكذلك السوق المشتركة لشرق وجنوبي أفريقيا، وغيرها.
أما على الصعيد العربي فقد بدأت المبادرات نحو التكامل الاقتصادي العربي في ستينيات القرن الماضي حيث أصدر المجلس الاقتصادي العربي عام 1964 موافقته على إنشاء السوق العربية المشتركة بهدف تحرير التجارة بين الدول الأعضاء عن طريق إعفائها من الرسوم الجمركية تدريجياً. وقد تم فعلا إلغاء الرسوم الجمركية اعتباراً من عام 1971 بين أربع دول هي مصر والأردن والعراق وسوريا، والتحقت بها في ما بعد ليبيا. ولم تفلح هذه التجربة وتعثرت، وتمت الاستعاضة عنها بإبرام اتفاقية لتيسير التبادل التجاري بين الدول العربية. وهكذا تم إقرار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى عام 1995، وعلى أن يتم تخفيض الرسوم والضرائب بنسبة %10 من تلك السائدة في أواخر عام 1997 لتصل إلى صفر في عام 2007، غير أنها وصلت إلى نهايتها عام 2005، وضمت 17 دولة عربية.
ورغم هذه الجهود لتيسير حركة التجارة البينية بين الدول العربية، فإن نسبة تلك التجارة لا تزال ضئيلة، إذ تراوحت نسبة الصادرات البينية العربية ما بين %10.4 و%12.8 خلال الفترة 2015 - 2019، بينما تراوحت نسبة الواردات البينية العربية ما بين %13 و%13.8 خلال الفترة المذكورة نفسها، وذلك بالمقارنة مع النسب التي حققتها تكتلات أخرى كالاتحاد الأوروبي الذي تجاوزت فيه نسبة التجارة البينية %60 في السنوات الأخيرة.
تعثر المبادرات
في ظل تعثر المبادرات الاقليمية للتكامل الاقتصادي في المجالين التجاري والاستثماري، نشأت في المنطقة العربية تجمعات شبه إقليمية كمجلس التعاون لدول الخليج العربي عام 1981، واتحاد المغرب العربي عام 1989، وإقليم المشرق العربي عام 1989. وباستثناء مجلس التعاون الخليجي، فإن التجمعين الآخرين لم يصمدا في وجه الخلافات السياسية التي عصفت بهما.
وهكذا على الرغم من توافر مقومات التكامل الاقتصادي العربي كالتقارب الجغرافي واتساع السوق ووحدة اللغة والترابط الثقافي، وتوافر الموارد الطبيعية فإن ذلك كله لم يسعف في تحقيق الحدود الدنيا من التكامل الاقتصادي العربي، ويرجع ذلك إلى أسباب من بينها:
1 - اختلاف الأنظمة والسياسات الاقتصادية.
2 - تباين مستوى دخل الأفراد بين الدول العربية.
3 - محدودية تنويع مصادر الدخل، وضآلة نصيب الصناعات النهائية ذات القيمة المضافة.
4 - الخشية من فقدان السيادة القطرية، وأزمة الثقة السياسية بين الدول العربية.
5 - افتقار الاتفاقيات إلى نصوص دقيقة وراسخة وعدم الالتزام بها.
6 - عدم توافر البيانات والإحصاءات عن الأنشطة الاقتصادية المختلفة في الدول العربية.
7 - الصراعات والحروب التي ألمت ببعض الدول العربية وتراجع في ظلها النمو الاقتصادي، فضلا عن الاضرار الجسيمة التي أصابت البنية الأساسية وغيرها من مقومات التنمية.
إستراتيجية قابلة للتنفيذ
في ظل تجارب مبادرات التكامل الاقتصادي التي أطلقتها الدول العربية خلال العقود الماضية، وكذلك تجارب التكتلات الاقتصادية في مناطق اخرى من العالم، يمكن للدول العربية انطلاقا من إرادة سياسية راسخة أن تضع إستراتيجية واضحة قابلة للتنفيذ تدريجيا، ومن بين الأمور التي من شأنها دعم أي شكل من أشكال التكامل الاقتصادي العربي ما يلي:
1 - العمل على تطوير البنية الاساسية المتعلقة بالنقل البري والبحري والجوي بين الدول العربية لتسهيل انتقال السلع وتطوير التجارة البينية العربية.
2 - تطوير قوانين الاستثمار لجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية، وبصورة خاصة الاستثمارات البينية العربية، وخلق المناخ المناسب لحركة رأس المال واليد العاملة.
3 - تطوير كفاءة القوى البشرية العاملة في القطاعات الانتاجية والخدمية لتعزيز الإنتاجية وتوعية المنتجات والخدمات.
4 - العمل على اتخاذ السياسات والإجراءات المناسبة لرفع كفاءة وإنتاجية الموارد المستغلة في إنتاج السلع والخدمات والموارد المائية والأراضي الزراعية والطاقة وغيرها من المدخلات الرئيسية في إنتاج السلع والخدمات.
5- توفير البيانات عن السلع المتوافرة في الأقطار العربية والتي يمكن تبادلها على أساس الميزة النسبية في إنتاجها وتسويقها.
بقلم د. عبدالكريم صادق، عضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)