يعزى تغير المناخ إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، الناجم بصفة رئيسية عن الأنشطة المختلفة التي يقوم بها البشر وتؤدي إلى الاحتباس الحراري، نتيجة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات الدفيئة، ومن بين الأنشطة التي تفرز تلك الغازات ما يلي:
01- استخدام الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز، لإنتاج الطاقة الكهربائية وتشغيل السيارات والعربات والشاحنات ووسائل النقل الأخرى، فضلاً عن الاستخدام في التدفئة وقطاع الصناعة وقطاع الإنشاءات.
02- تلعب الزراعة دوراً ملموساً في تغير المناخ من خلال انبعاثات غازات دفيئة ناتجة عن النشاط البشري، ومن خلال تربية الماشية التي تطلق بصورة خاصة غاز الميثان. وكما تؤثر الزراعة في تغير المناخ، فإنها تتأثر به أيضاً من خلال ارتفاع درجة الحرارة وأثر ذلك على إنتاجية المحاصيل الزراعية، فضلاً عن الآثار المترتبة عن الجفاف والأعاصير والفيضانات.
03- تعتمد الأشجار والغابات في نموها وغذائها على امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإطلاق الأوكسجين إلى الهواء، ولذا فإن الغابات تعتبر خزاناً مهماً للكربون، وتلعب دوراً ملموساً في تخفيف وطأة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ودوره في الاحتباس الحراري. وهكذا فإن قطع الأشجار وتحويل الغابات لأراضٍ زراعية أو إزالتها لأغراض أخرى، تؤدي إلى مزيد من الاحتباس الحراري.
04- يعتبر ارتفاع عدد سكان العالم سبباً مهماً في تراكم انبعاثات الغاز الدفيئة، وخصوصاً ثاني أكسيد الكربون، وذلك نتيجة لزيادة الأنشطة التي يقوم بها البشر لتوفير متطلبات حياتهم.
ومن أهم مظاهر التغير المناخي ما يلي:
■ تعتبر الثورة الصناعية التي بدأت في النصف الأخير من القرن الثامن عشر نقطة الانطلاق نحو ارتفاع درجة حرارة الأرض، نتيجة التوسع في استخدام الموارد المتاحة وزيادة الطلب على الطاقة والاعتماد الرئيسي في إنتاجها على الوقود الأحفوري، ويقدر ارتفاع درجة حرارة الأرض من ذلك الوقت بحوالي 1.1 درجة مئوية.
■ يؤدي ذوبان الجليد في قطبي الأرض نتيجة ارتفاع درجة الحرارة إلى ارتفاع منسوب مياه سطح البحر، الأمر الذي يتسبب في الفيضانات ويهدد البيئة الساحلية، ويشكل خطراً على اختفاء جزر صغيرة عن سطح الأرض.
■ تحتفظ المحيطات بقدرة محدودة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، غير أن تجاوز تلك الطاقة ينجم عنه حموضة المياه، مما يتسبب في انقراض النباتات والحيوانات البحرية، فضلاً عن الأسماك.
■ مظاهر الطقس المتقلب، ومن تداعياته الجفاف ونشوب الحرائق وفيضان الأنهر والبحيرات، وغيرها من الآثار السلبية على الأمن الغذائي والموارد الاقتصادية، وخصوصاً في الدول النامية.
حقيقة ملموسة
جدير بالذكر أن تداعيات تغير المناخ ستكون متفاوتة في حدتها بين مناطق العالم، إذ من المتوقع أن تشهد المنطقة العربية نقصاً ملموساً في مواردها المائية وانخفاضاً في الإنتاج الزراعي وإنتاجية المحاصيل الزراعية، فضلاً عن زيادة في موجات الجفاف واتساع التصحر.
وقد أدرك العالم منذ ثلاثة عقود أن تغير المناخ أصبح حقيقة ملموسة على أرض الواقع، ويشكل التحدي الأكبر لصحة كوكب الأرض واستدامة طاقته في توفير خدماته لسكانه من البشر.
وبما أن تغير المناخ تحدٍ عالمي عابر للحدود، فإن التصدي له يتطلب جهداً مشتركاً من قبل جميع دول العالم، ولذلك كان لا بد من التوصل إلى اتفاق باريس للمناخ في عام 2015. وقد وقعت ذلك الاتفاق 197 دولة، وتم التصديق عليه من قبل 191 دولة. وبموجبه تقوم كل دولة بوضع الخطط اللازمة لتنفيذ حصتها من تخفيض نسبة الغازات الدفيئة، وخاصة ثاني أكسيد الكربون، بحيث يتمكن العالم من ألا تزيد درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030. وهو هدف يبدو أنه يتطلب مضاعفة الجهود الدولية لتحقيقه، والفشل في تخطية ستكون له آثار خطيرة على مسيرة خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وما تنطوي عليه من أهداف وغايات.
وقد التزمت الدول العربية كباقي دول العالم بالمساهمة في الحد من ارتفاع حرارة الأرض، ويتطلب الأمر توقف الصراعات والحروب في بعض الدول العربية، واتخاذ إجراءات لتخفيف تداعيات تغير المناخ والتكيف معه، بما في ذلك ترشيد استهلاك المياه والمحافظة على نوعيتها، ورفع كفاءة الري، والتوجه نحو الاقتصاد الأخضر، وكذلك ترشيد استهلاك الطاقة ورفع كفاءتها، والعمل على إنتاج الطاقة المتجددة، وتوفيرها لذوي الدخل المحدود، وخاصة في الأرياف للحد من قطع الأشجار واستخدام الأخشاب كوقود، وتفادي انبعاثات الغازات الناجمة عنها، فضلاً عن القيام بالمحافظة على الغابات وزرع الأشجار للحد من انبعاثات الكربون.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر
تجدر الإشارة إلى مبادرة «السعودية الخضراء» ومبادرة «الشرق الأوسط الأخضر» اللتين أعلنتهما السعودية أخيراً، وتتضمنان زرع 10 مليارات شجرة داخل المملكة و40 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط، وذلك إسهاماً في الجهود العالمية الرامية إلى الحد من انبعاثات الكربون، وتداعياته على صحة كوكب الأرض وحياة البشر بوجه عام.
د. عبدالكريم صادق، عضو مجلس أمناء المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)