اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً في 25 سبتمبر 2015 باعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتشمل 17 هدفاً و169 غايةً ليتم تحقيقها خلال خمسة عشر عاماً، وفي مقدمة تلك الأهداف القضاء على الفقر بجميع صوره وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع، الذي يعتبر «أكبر تحد يواجه العالم، وهو شرط لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة». وتندرج الأهداف والغايات المنشودة في سياق مواصلة مسيرة الأهداف الانمائية للألفية التي أقرتها الأمم المتحدة في سبتمبر 2000، ولم يتم تحقيق إنجازها بحلول عام 2015، وذلك لعدة أسباب من بينها عدم توازن أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وعدم توافر التمويل لتنفيذ البرامج والمشروعات اللازمة.
الخطة لم يسبق لها مثيل من حيث اعتمادها أهدافاً وغايات تشمل بلدان العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، مع مراعاة الظروف في كل بلد ومستويات تقدمها واحترام سياساتها وأولوياتها الوطنية، كما أنها تتسم باتساع نطاقها ومدى طموحها، خاصة «عدم ترك أحد يتخلف عن الركب». غير أن خطة التنمية المستدامة انطلقت على خلفية تحديات جسيمة متعددة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ملايين من الناس الذين يعانون من الفقر المدقع والجوع، بالإضافة إلى تفشي البطالة والأخطار الصحية، وازدياد تعاقب الكوارث الطبيعية واشتداد خطرها، يضاف إلى ذلك الضغط على الموارد الطبيعية وتدهور البيئة، بما في ذلك اشتداد ندرة المياه العذبة والتصحر والجفاف وانحسار التنوع البيولوجي. أما ارتفاع درجة الحرارة وغيرها من الآثار المترتبة عن تغير المناخ، فإنها تمثل تحديات كبرى تهدد اضمحلال المجتمعات والتنوع البيولوجي الذي يدعم الحياة على كوكب الأرض.
تحديات المنطقة
وتواجه المنطقة العربية تحديات أشد وطأة من تلك التي تتعرض لها مناطق أخرى في العالم، وبصورة خاصة التحديات التي تفرضها نسبة زيادة السكان، وموقع البلدان العربية في منطقة جافة وشبه جافة، تشتد فيها ندرة المياه الطبيعية التي يستخدم المسحوب منها ما يزيد على %85 في الزراعة وبكفاءة منخفضة لا تتجاوز %50، كما لا يتجاوز معدل انتاجية محاصيل الحبوب، التي تشكل مصدراً رئيسياً للغذاء، نصف المعدل العالمي. وهي من الأمور الرئيسية التي تحد من قدرة البلدان العربية على تحقيق الأمن الغذائي من مصادرها الذاتية، وتجعله عرضة لتقلبات الأسعار والمخاطر المتعلقة بالاستيراد والاعتماد على الواردات بشكل عام.
وقد تفاقمت التحديات واشتد زخمها في بعض البلدان العربية نتيجة الصراعات والحروب التي ألمت بها وعدم الاستقرار السياسي بدءاً من الانتفاضات الشعبية في عام 2011، التي ترتب عليها تراجع التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويشير تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2019 إلى أن الفقر الشديد في المنطقة العربية كان أقل من %3 العام الماضي، غير أن النزاعات في سوريا واليمن قد أدت إلى ارتفاع نسبة الفقر وفاقمت الجوع.
التنمية المستدامة
وتشير الأمم المتحدة في تقريرها عن أهداف التنمية المستدامة لعام 2020 بأن «التقدم المحرز، قبل جائحة كوفيد-19، ظل متفاوتاً، وأننا لم نكن على المسار الصحيح لتحقيق أهداف الخطة بحلول 2030»، وذلك بالرغم من المكاسب الواضحة. ولكن في الوقت نفسه «كان عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي يسير نحو الارتفاع، واستمرت البيئة الطبيعية في التدهور بمعدل ينذر بالخطر، واستمر وجود مستويات مرتفعة مذهلة من عدم المساواة في جميع مناطق العالم، فالتغير كان لا يزال لا يتحقق بالسرعة اللازمة ولا بالحجم المطلوب».
وهكذا فإن خطة التنمية المستدامة كان أمامها كثير من التحديات والعقبات قبل تفشي جائحة كورونا في أواخر عام 2019، والتي نجم عنها أوضاع اقتصادية واجتماعية ومالية أربكت أو عطلت الخطط المرسومة لتنفيذ البرامج والمشروعات المدرجة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في الأقاليم والبلدان المختلفة في العالم، وفرضت تحديات إضافية أمام المسيرة نحو عام 2030.
يستدل مما تقدم أن خطة تحقيق أهداف التنمية المستدامة تواجه اليوم مزيداً من التحديات، الأمر الذي يحتاج إلى تجديد العزم والالتزام مجدداً بالتعاون على الصعيد الدولي، بما في ذلك الدول المتقدمة والنامية، والقطاع الخاص ومؤسسات التنمية الوطنية والإقليمية والدولية والهيئات والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني، كل حسب إمكانيته للتصدي للتحديات وخلق الظروف المواتية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المرجوة.
توفير التمويل
هناك تحد لا يمكن تخطيه ويستوجب إدراكه والعمل على مواجهته، ويتمثل في توفير التمويل اللازم لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، إذ من دون ذلك ستظل الأهداف المرجوة بعيدة المنال، وستزداد صعوبة تنفيذها مع مرور الوقت. وجدير بالذكر أن أهداف الألفية للتنمية التي كان من المفترض تحقيقها بحلول عام 2015 لم يكتب لها النجاح بأكملها، إذ كان نقص التمويل أحد الأسباب الرئيسية في ذلك، إذ لم يتم الوفاء بتعهدات مانحين وشركاء في التنمية.
ويشير تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية لعام 2018، وذلك قبل نشوب جائحة كورونا إلى أن البلدان العربية بحاجة إلى 230 بليون دولار سنوياً لدعم تحقيق الأهداف المرجوة. وتقدر فجوة التمويل بحوالي 100 بليون دولار أميركي سنوياً، وبما مجموعه حوالي 1.5 تريليون دولار أميركي للفترة الممتدة حتى 2030. لا شك أن جائحة كورونا أضافت أعباءً إضافية لا بد من أخذها في الحسبان، مما يقتضي البدء بإعادة النظر في أولويات البرامج والمشروعات والفترة الزمنية لتنفيذها وحجم التمويل اللازم لها، ومصادر ذلك التمويل.
مساعدات التنمية
إن الهدف رقم 17 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بتقوية وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية للتنمية المستدامة يلعب دوراً محورياً في تعزيز التعاون، ومن خلاله تتمكن الدول النامية، خاصة الأقل نمواً الحصول على مزيد من مساعدات التنمية الرسمية اللازمة لتمويل العمليات الانمائية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وجدير بالذكر أن الأمم المتحدة أدركت قبل خمسة عقود أهمية تلك المساعدات ودورها في دعم التنمية، وانطلاقاً من ذلك تبنت قراراً في عام 1970 يدعو الدول المتقدمة إلى تقديم مساعدات رسمية للتنمية بمقدار %0.70 من نتاجها المحلي وأصبح حالياً من الدخل القومي.
وبالرغم من ذلك، فإن مساعدات التنمية الرسمية المقدمة من مجموعة المانحين الأعضاء في لجنة مساعدات التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد تراوحت ما بين 0.28 و%0.31 من الدخل القومي خلال الفترة 2009ــ2019. ولذا، فإن توفير التمويل اللازم من خلال مساعدات التنمية الرسمية أصبح أكثر إلحاحاً، وما لم تضاعف الدول المانحة المتقدمة جهودها لتحقيق النسبة المنشودة على الأقل، فإن فرص تحقيق أهداف التنمية ستظل ضئيلة وغير قابلة للتحقيق، أخذاً في الاعتبار حاجة الدول النامية والأقل نمواً منها إلى تلك المساعدات.
د. عبد الكريم صادق، عضو مجلس الأمناء - المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)