التوقعات البيئية للمنطقة العربية قاتمة إجمالاً، على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه على بعض الجبهات، وذلك وفقاً لآخر تقرير للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). تحت عنوان "البيئة العربية في 10 سنين"، يتوّج هذا التقرير عقداً من التقارير عن حالة البيئة في العالم العربي. وهو لا يستعرض السنوات العشر الأخيرة فقط، بل يوفر أيضاً أساساً يمكن أن تُبنى عليه التنمية المستدامة في المنطقة في السنوات المقبلة.
منذ إنشائه عام 2006، لعب "أفد" دوراً أساسياً في تحفيز العمل البيئي في المنطقة العربية، وأصبحت تقاريره عن وضع البيئة مراجع موثوقة لتحديد المشاكل ورصد التقدم واقتراح حلول بديلة. وتكاد لا تخلو أية خطة للتنمية المستدامة والإدارة البيئية في البلدان العربية خلال السنوات الأخيرة من بصمات "أفد".
إن وجود منظمة بيئية تركز فقط على العالم العربي أمر ضروري بالنظر الى خصائص المنطقة. وكما يبيّن التقرير، فإن المنطقة العربية تعاني حالياً من أكبر عجز غذائي في العالم، كما انها المنطقة الوحيدة التي تشهد زيادة في الجوع والفقر. واللافت أيضاً فقر المياه المدقع في المنطقة. ففي حين أن البلدان العربية تمثل أكثر من 5 في المئة من سكان العالم، إلا أنها لا تملك سوى 1 في المئة من موارد المياه العالمية. وفي تناقض صارخ، فإن بعض أفقر البلدان العربية في موارد المياه المتجددة هي الأقل كفاءة في استخدام المياه. وقد شهدت المنطقة دورات متكررة من الجفاف تكثفت في السنوات الأخيرة، وتشير التقديرات إلى أن 40 في المئة من السكان العرب يعيشون بالفعل في ظروف شح مياه مطلقة. ومن المتوقع أنه بحلول عام 2030 ستؤدي تأثيرات تغير المناخ إلى خفض موارد المياه المتجددة بنسبة 20 في المئة إضافية.
ويسلط التقرير الضوء على العديد من الحالات التي تبين التفاعل بين الكوارث الطبيعية في المنطقة والأثر البشري السلبي المتفاقم. فعلى سبيل المثال، تُعتبر المراعي في البلدان العربية المصدر الرئيسي لإطعام الأغنام والماعز والإبل. ولكن بسبب الرعي الجائر وحالات الجفاف، شهدت المراعي خسارة فادحة في التنوع البيولوجي، مما أثر سلباً على الأمن الغذائي في الأراضي الهامشية.
ومن العوامل الأخرى التي تزيد الأمور تعقيداً أثر الحرب والصراعات. وكما يظهر في تقرير "أفد"، بات القلق الأمني يحتل الأولوية القصوى على حساب التنمية المستدامة. وفي حين أن العديد من البلدان كانت تسير على الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية بحلول الموعد المحدد في 2015، فإن الحروب والصراعات أدت إلى إنعكاس مسار هذا التقدم. وكانت سورية، مثلاً، قد تمكّنت بالفعل من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي قبل مواجهة النزاعات.
وإلى جانب ارتفاع معدل النمو السكاني في المنطقة، أدى الصراع إلى هجرة واسعة النطاق في العالم العربي، داخلياً وخارجياً. وتستضيف بلدان مثل لبنان ومصر والأردن عدداً كبيراً جداً من اللاجئين، وهذا تسبب بمزيد من الضغط على الموارد المحدودة أصلاً، وزاد من تفاقم الفجوة بين إنتاج الأغذية واستهلاكها.
وقد ارتفعت كمية الكهرباء المستهلكة، خاصة في البلدان التي استقبلت لاجئين، بنسبة 75 في المئة في الفترة بين 2006 و2015. ويعود ذلك أيضاً إلى النمو الاقتصادي الذي شهدته معظم البلدان. وتعتبر البلدان العربية من بين أقل البلدان كفاءة في استخدام الطاقة على الصعيد العالمي، حيث تبلغ الخسائر في الكهرباء ضعفي المعدل العالمي. ومع ذلك، بدأت معظم البلدان العربية برامج لتعزيز الكفاءة وأعلنت عن أهداف محددة لإنتاج الطاقة المتجددة.
اعتمدت المنطقة العربية أساليب متباينة للتعامل مع الموارد المتناقصة، ويُظهر التقرير الصعوبات في إيجاد حلول تكون مستدامة وتوّفر إمكان الحصول على الموارد الكافية لأكبر عدد ممكن من الناس. ومن الأمثلة على ذلك الاستجابة لعدم وجود موارد مائية متجددة في المنطقة. وقد تم إحراز تقدم في معظم أنحاء المنطقة لزيادة فرص الحصول على مياه الشرب المأمونة. ولتحقيق ذلك، أصبحت تحلية المياه مستخدمة بكثرة. إلا أن هذه العملية تخلق بصمة كربونية كبيرة وتهدد الحياة البحرية والنظم الإيكولوجية. ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن معظم طاقة التحلية في العالم موجودة في المنطقة العربية، لم يتم إحراز تقدم في تطوير تكنولوجيا ملائمة لتحلية المياه أو تصنيع المعدات محلياً.
وبدلاً من الاكتفاء بإيجاد حلول مباشرة لنقص الموارد عن طريق إنتاج المزيد منها، حاولت بعض البلدان العربية الاستجابة للعوامل التي هي من صنع الإنسان والتي تفاقم المشكلة، من خلال التحكم في الطلب. ومن الأمثلة على ذلك استهلاك الفرد من المياه، الذي زاد في الكثير من البلدان في المنطقة العربية، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي. ويشير تقرير "أفد" إلى أن انخفاض أسعار المياه بشكل مصطنع هو السبب الرئيسي لعدم الكفاءة والإفراط في استخدام الموارد وتدهورها. ويؤمل أن تشجّع تعرفة المياه البلدية التي تم تطبيقها مؤخراً على تحسين الكفاءة في السعودية والإمارات والبحرين.
وإذ يُبرز تقرير "أفد" أهمية المعرفة والبحوث العلمية لتحقيق التنمية المستدامة وتطوير تكنولوجيات ملائمة، يشير إلى أن المنطقة عموماً لا تزال تفتقر الى البحوث البيئية، التي يجب إعطاؤها أولوية أكبر. وللبدء في ذلك، على المنطقة أن تسعى الى خلق بيئة مفتوحة للعلماء، علماً أن نسبة كبيرة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون أبداً، وهو ما يُعرف بـ "الشتات العلمي العربي". وعلى النقيض من ضعف مساهمة الباحثين في الدول العربية، يشير التقرير إلى أن الباحثين العرب العاملين في الخارج أسهموا إسهاماً كبيراً في مختلف مجالات التكنولوجيا البيئية.
على الرغم من أن العديد من العلماء العرب اختاروا أن تستفيد البلدان في الخارج من معارفهم، فإن الجمهور العربي بشكل عام أصبح أكثر وعياً للقضايا البيئية. وفي آخر استطلاع للرأي العام أجراه "أفد"، والذي تُنشر نتائجه ضمن التقرير، أشار 93 في المئة من المشاركين إلى أن المناخ يتغير بسبب الأنشطة البشرية، وأن 90 في المئة يعتقدون أن هذا يشكل تهديداً خَطِراً لبلدانهم.
في حين تابعت البيئة العربية مسار التدهور على مدى السنوات العشر الماضية، كان هناك تقدم بطيء على بعض الجبهات. لكن هذا التحسن الصغير مهدد بأن تقضي عليه الصراعات والحروب وعدم الاستقرار. وبصرف النظر عن أوجه القصور في السياسة البيئية والانحرافات المفهومة بسبب الاضطرابات في المنطقة، ينبغي أيضاً الثناء على الجهود المستدامة التي قامت بها بعض البلدان العربية.
في مناخ جديد بدأت معه القضايا البيئية تكتسب مزيداً من الاهتمام، يدعو تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية الدول العربية إلى الاستفادة من هذا الزخم لضمان مستقبل مستدام للمنطقة وشعوبها.