لطالما انتُقدت الجهود الساعية إلى إبرام اتفاق عالمي جديد يتصدى لتغير المناخ، لأنها كانت تمضي بخطى متثاقلة. لكن المتفاوضين بشأن المناخ الذين يجتمعون هذا الأسبوع والأسبوع المقبل في مدينة مراكش المغربية، يواجهون مشكلة جديدة تماماً: اتفاق دخل حيز التنفيذ بشكل مفاجئ قبل أكثر من ثلاث سنوات من الموعد المحدد.
اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، الذي صُمم بحيث يبدأ سريانه سنة 2020، دخل حيز التنفيذ في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) بعد شهر من بلوغه النصاب المطلوب بتصديق الدول عليه. وعشية انعقاد مؤتمر المناخ في مراكش، أعلنت الأمم المتحدة أن 100 طرف، هي 99 بلداً والاتحاد الأوروبي، انضمت رسمياً إلى الاتفاق.
هذا السريان السريع للاتفاق كان مدعاة احتفال ومدعاة حيرة. التحدي المباشر للمفاوضات هو أن البلدان التي صدقت على الاتفاق ملزمة بأن تبدأ الموافقة على أحكام تنفيذه في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ. لكن هذا المؤتمر بدأ يوم الإثنين في مراكش، ما ترك للمسؤولين وقتاً قصيراً جداً لتسوية مجموعة من القضايا التقنية.
وتعتبر الموافقة السريعة على الاتفاق من الأسرع في تاريخ عقد الاتفاقات الدولية. وقد حدثت في جزء كبير منها لأن عدداً متزايداً من البلدان شعر بإلحاحية اتخاذ إجراء سريع للتعامل مع تغير المناخ وتأثيراته المتفاقمة، في حين انبرى كبار "ملوثي المناخ" مثل الصين والولايات المتحدة لدعم التوصل إلى اتفاق.
لكن دولاً كثيرة قلقة من الانتخابات الأميركية هذا الأسبوع، إذ تعهد المرشح الجمهوري دونالد ترامب بتخلي بلاده عن اتفاق باريس في حال انتخابه، بحسب محللين. وأثار هذا التهديد اندفاعاً للتصديق على الاتفاق وضمان سريان مفعوله قبل الانتخابات الأميركية. وبموجب أحكام اتفاق باريس بعد دخوله حيز التنفيذ، "لا يمكن لأي بلد من الناحية القانونية الانسحاب قبل مضي السنوات الخمس المقبلة"، كما قال سفين هارميلينغ منسق السياسة الدولية لتغير المناخ في وكالة CARE للمساعدات.
لكن التصديق السريع على الاتفاق المناخي العالمي قد يحتاج إلى تكتيكات إجرائية في محادثات المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة من 7 إلى 18 تشرين الثاني (نوفمبر) في مراكش.
وسيحاول المتفاوضون في المغرب الدفع قدماً في بعض النقاط الرئيسية، مع النظر في إجراءات فورية يمكن اتخاذها للحد من الانبعاثات، وكيفية زيادة تخفيضات الانبعاثات تدريجياً من التعهدات الحالية بعد مراجعة التقدم سنة 2018. وسوف يبحثون أيضاً في الطريقة التي سيجري بها العالم تحولاً موعوداً في التخلي كلياً عن استعمال الوقود الأحفوري بحلول النصف الثاني من هذا القرن، وكيفية كبح ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية عند هدف طموح "يقل كثيراً" عن درجتين مئويتين.
قالت إيلريكا آرنيو منسقة السياسة الدولية لخطة عمل المناخ في أوروبا: "هذا يعني حقاً تخفيضاً جذرياً حقاً في جميع القطاعات، أسرع كثيراً من كل ما شهدناه سابقاً".
لقي هذا الجهد دعماً في الأسابيع الأخيرة مع إقرار "اتفاق كيغالي" للشروع في الحد من استعمال غازات الهيدروفلوروكربون، وهي مبرّدات تساهم بشكل رئيسي في تغير المناخ، واتفاق منفصل للحد من الزيادات في انبعاثات الطائرات بحلول سنة 2020.
لكن النقاد يقولون إن كلا الاتفاقين والتعهدات الوطنية التي قدمت حتى الآن بموجب اتفاق باريس هي أقل طموحاً من المطلوب. ويرى برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن تلك التعهدات الوطنية تضع العمل على مسار ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمعدل 2.9 إلى 3.4 درجة مئوية فوق مستويات عصور ما قبل الصناعة.
لقد بات واضحاً أن درجات الحرارة القياسية وأحوال المناخ المتطرفة تعرض كثيراً من الناس للخطر، حتى مع احترار يزيد قليلاً عن درجة مئوية تم تسجيلها حتى الآن، بحسب خبراء في التنمية. وتشير الأحداث الراهنة، من انعدام الأمن الغذائي بسبب الجفاف في ملاوي ومدغشقر إلى تفاقم العواصف في فيتنام والفيليبين، إلى أن ما نشهده يصبح مع الوقت أصعب من أن يستعد له الناس ويتكيفوا معه.
لوري غورنغ مراسلة ومحللة لدى "مؤسسة طومسون رويترز" حول الآثار الإنسانية والتنموية لتغير المناخ.