أولى المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) مسألة الغذاء في البلدان العربية أهمية معتبرة في العديد من تقاريره السنوية، وبشكل خاص في تقريره سنة 2012 الذي حمل عنوان "البيئة العربية: خيارات البقاء" حيث تناول الأمن الغذائي والاستدامة الزراعية، وتقريره سنة 2014 حول "الأمن الغذائي: التحديات والتوقعات"، وتقريره سنة 2015 عن "الاستهلاك المستدام" الذي أكد على التلازم بين قضايا المياه والطاقة والغذاء وتغير المناخ.
ومما أظهرته هذه التقارير أن معظم الدول العربية أخفقت في تحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها، إذ ان منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا هي الوحيدة في العالم التي تشهد زيادة في عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص في التغذية. حتى بلدان مجلس التعاون الخليجي، الأكثر قدرة على دعم وتلبية الاحتياجات الغذائية لسكانها، لم تصل بعد إلى تحقيق الأمن الغذائي النوعي نتيجة عدم كفاية المغذيات الصغرى كالفيتامينات والأملاح المعدنية.
في مقابل الإخفاق في تحقيق الأمن الغذائي العربي، تطفو إلى السطح ظواهر مناقضة ترتبط بالتبذير وهدر الطعام بشكل غير عقلاني. ولئن يكن هناك قسم من المنتجات الزراعية والحيوانية يتلف بفعل النقل والتخزين والتسويق، فإن مشكلتنا في بعض المجتمعات العربية هي في الهدر، الناتج عن النمط الاستهلاكي بشراء كميات من الغذاء فائضة عن الحاجة أو في مظاهر الكرم الزائفة للولائم العامرة التي تنتهي بمعظمها في حاويات النفايات.
حسب المعلومات التي أعلنت عنها وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، يبلغ الفاقد والهدر في الغذاء في السعودية ما قيمته 50 بليون ريال سعودي (13.3 بليون دولار) سنوياً وذلك نتيجة الاستهلاك غير المستدام للغذاء والتخلص من مخلفات الطعام، بصرف النظر عن استنفاد الموارد الطبيعية وخصوصاً المياه العذبة.
قد تبدو خسائر هدر الطعام متواضعة أمام موازنة السعودية التي تتجاوز 220 بليون دولار سنوياً. ولكن هذه الخسائر، التي تزيد عن موازنات بعض الدول، هي جزء يسير من أشكال الهدر الأخرى، كالهدر في استهلاك الطاقة والمياه.
لقد كان التعويل في مواجهة الهدر على القيم الأخلاقية والتذكير دائماً بأن "المبذرين هم أخوان الشياطين". ولكن الوقائع تظهر أن العادات والتقاليد هي صاحبة الصوت الأعلى في معظم ممارساتنا اليومية، فلا عجب أن تظهر لدينا جمعيات "حفظ النعمة" وإن يكن هذا الأمر من صلب معتقداتنا القيمية.
بالرغم من الأثر الإيجابي لجمعيات حفظ النعمة، إلا أن عملها بشكل منفرد في غياب برامج وطنية داعمة لم يكن كافياً كما أظهرت التجربة في السعودية. ولذلك كانت الدعوة تتكرر على الدوام لجهة اعتماد إجراءات حكومية تخفف من هدر الطعام، كوضع القوانين الناظمة، وفرض الغرامات المالية، وتوفير متطلبات التخزين والتسويق، ومراجعة الدعم الحكومي.
هذه إجراءات قد تساهم في التخفيف من الهدر الحاصل وإن كانت لا تعالج الجذر الرئيسي للمشكلة المتمثل في العادات والتقاليد. وإنه لمن قلة التدبير في بلداننا العربية نظرتنا القاصرة إلى القوانين والغرامات على أنها أداة لتغير المجتمع نحو الأفضل، في حين أنها أداة لتقويم وتهذيب كل من يهدد أو يعارض القيم والعادات التي يتبناها المجتمع. أي أن التشريعات التي لا تنسجم مع المفاهيم السائدة للمجتمع، كالكرم الزائف الذي ينتج الهدر مثلاً، مصيرها الفشل والإهمال حتماً.
معالجة مشكلة هدر الطعام، بل معالجة معظم مشاكلنا المجتمعية، تكون بالتربية الحسنة والتنشئة الجيدة. وبالتالي، علينا العمل مع الأطفال منذ الصغر وتشكيل وعيهم لرفض الممارسات الخاطئة. فالبرامج والإجراءات التكميلية التي لا تعيد تشكيل عاداتنا وتقاليدنا نحو الأفضل هي في المحصلة هدر كبير للوقت والطاقات. إن حل مشاكلنا المجتمعية هو في المدارس لا في المحاكم.
هدر الطعام وهدر الوقت
هل تكون معالجة مشاكلنا المجتمعية، كهدر الطعام، بوضع القوانين وفرض الغرامات؟ كيف نغير مجتمعاتنا نحو الأفضل من دون أن نهدر الوقت والطاقات؟
"هدر الطعام وهدر الوقت" مقال جديد بقلم عبدالهادي النجار في "منتدى البيئة" على الرابط: