لا أعتقدُ أن ثمة من يجرؤ على التنبؤ بحال العالم في منتصف هذا القرن، ناهيك عن أن يراه بعد خمسة قرون، مهما أوتي من معرفة وقدرات. غير أن نفراً من علماء المناخ والبيئة ينشرون من حين إلى آخر تصورات جزئية لما يحسبونه واقعاً في المستقبل المنظور، أو البعيد، على سطح كوكبنا. ويقيسون على ما يلمسونه الآن من تدهور يضرب مختلف جنباته، فينذروننا بمستقبل مخيف ينتظر سكان الأرض.
وفي كثير من الأحيان تصيبنا تصوراتُهم بالحيرة، فنجدهم مثلاً ينقسمون إلى فريقين متناقضين في الرؤية عند تناولهم مستقبل مناخ الأرض. إذ تجد فريقاً يقول بأن الأرض ستدخل سنة 2500 عصراً جليدياً جديداً، ويقول الفريق الآخر بعكس ذلك تماماً، متبصراً أن الاعتماد على الوقود الأحفوري لن يتوقف، ومن ثم ستأخذ درجة حرارة الأرض في الارتفاع الخطير بحلول سنة 2100، وستكون لذلك عواقب وخيمة، وسيحصل أفدح تأثير في أنحاء واسعة من أميركا الجنوبية وأفريقيا وشبه القارة الهندية.
من العواقب المتوقعة المترتبة على هذا الاحترار العالمي تقلص الأنهار الجليدية في جبال هملايا ومناطق أخرى بنسبة 30 في المئة، الأمر الذي سيهز بشدة إمدادات المياه في آسيا، خاصة مع ما تشهده من زيادة في النمو السكاني. ومن غير المستبعد أن تشمل هذه الصورة جبال الألب الأوروبية. وسيرفع احترار مناخ الأرض حرارة مياه بحارها ومحيطاتها، الأمر الذي سيرفع درجة حمضية البيئة البحرية فتصبح غير صالحة لمعيشة كثير من الكائنات فيها، وفي مقدمتها الشعاب المرجانية، فتذبل وتموت.
وعندما يكون الحديث عن الاحترار، يغيب عن كثيرين أن تأثير ذوبان جليد القطب الشمالي لن يفضي فقط إلى إغراق مساحات كبيرة من السواحل، فله تأثير آخر لا يقل عن ذلك فداحة. إذ ان إزاحة كتل الجليد التي تغطي جزيرة غرينلاند، بكل ثقلها الهائل، ستؤدي إلى اختلال تماسك القشرة الأرضية في المنطقة، وحدوث تصدعات ضخمة فيها، ينتج عنها زلازل وموجات تسونامي تجتاح شمال المحيط الأطلسي.
ولا يقتصر الاهتمام بمستقبليات الأرض على محيطاتها. فهناك من يقلقه تعداد البشر المتزايد، الذي سيصل سنة 2200 إلى 11 بليون إنسان، حسب تقديرات الأمم المتحدة، في حين تظل موارد الأرض الطبيعية محدودة. فهل يكون الحل في الهجرة إلى الفضاء الخارجي؟ وهل تكون بداية هذا التوجه هي الاستعدادات الجارية الآن ضمن خطة لإطلاق بشر إلى المريخ بحلول 2024، بحيث لا تأتي سنة 2050 إلا وقد فعلها البشر وعرفوا طريقهم إلى سطح الكوكب الأحمر؟ وهنا، تجد من يتحفظ على هذا التصور، واضعاً في اعتباره أكبر عائق يمكن أن يحول دون تحققه، وهو الرياح الشمسية الكفيلة بأن تجتاح أي مستعمرة مريخية في أي لحظة.
وفي مقابل تزايد البشر، تستشعر بعض الرؤى المستقبلية خطر اقتراب موجة الانقراض السادسة، بعد خمس موجات سابقة حدثت في أزمنة متفرقة من تاريخ الحياة على سطح الأرض. وتؤكد دراسة حديثة لبعض علماء جامعة ستانفورد الأميركية أننا دخلنا في الموجة السادسة، التي ستكون ذروتها في القرن الثالث والعشرين.
وفي ضوء الصراعات الجارية في الوقت الراهن حول الموارد الطبيعية المحدودة، خاصة موارد المياه، في مناطق كثيرة من العالم وبينها الشرق الأوسط، فالمتوقع أن تزداد هذه الصراعات تأججاً في مدى القرون الأربعة المقبلة، ويغيب الاستقرار عن هذه المناطق.
على أي حال، لا ريب في أن الإخلاص هو راية الجميع. ومن جهة أخرى، فإن الإيمان بالعلوم والتكنولوجيا يجعلنا نظن أن لون المستقبل لن يكون على هذه الدرجة من القتامة، وأن حلولاً ستتولد لإبعاد الأخطار المحدقة بالأرض والتي تجسدها لنا هذه التوقعات. هكذا تظل الأرض محتفظة بصلاحيتها لحمل وإعالة صور الحياة على يابستها وفي مائها وهوائها.
|