يبيض التنين الصيني بيضات ذهبية مدهشة، هي ما يبتاعه الناس في كل أنحاء العالم من سلع استهلاكية منخفضة السعر. ولكي يبيض التنين، يجب أن يأكل. وقد دفع به جوعه للموارد الطبيعية، خاصة موارد الطاقة والمعادن والمياه، إلى المكان نفسه الذي سبق للأمم الصناعية الأوروبية أن اتجهت إليه لإشباع شهيتها للموارد، وهو القارة الأفريقية.
تعيش القارة الأفريقية مأساة متمثلة في لعنة الموارد الطبيعية. وما فتأت جغرافية أفريقيا، بما تختزنه من وفرة في المواد الخام والأرض والمياه، عالقةً في الأُحبولة التجارية السافرة، حيثُ تتحول نعمة ثروة الموارد الطبيعية حثيثاً إلى بلاء. فمن طبيعة معظم الكيانات الاقتصادية في القارة السمراء الفشل في تحقيق التنوع. ثم إنها، مع الانخفاض المحتم في سعر السوق بالنسبة لصادرات القطاع الأساسي فيها، تقع في دورة غير مجدية، حين تجد نفسها مدفوعة إلى تصدير كميات متزايدة الحجم من مواردها الطبيعية لتحافظ على المستوى ذاته من الواردات. وتُعد هذه الهيكلة الاقتصادية بالنسبة إلى كثير من الأمم الأفريقية، مع الاعتماد المدِّمر للذات على تجارة تفتقر إلى التساوق، إرثاً مُرَّاً من زمن الاستعمار الأوروبي.
وكانت الشركات الصينية العامة والخاصة قد حولت أنظارها في اتجاه أفريقيا منذ العام 1990، وشمل اهتمامها أيضاً دول أميركا اللاتينية النامية الغنية بالموارد الطبيعية. ويوجه الإعلام الغربي انتقادات إلى الصين لاستهدافها الأهداف ذاتها التي كانت لأوروبا في القرن التاسع عشر، ولكن مع قليل من السلوكيات اللاأخلاقية. ويصورها على أنها المستغل الجشع للأمم النامية. ويستدل على ذلك بالأمثلة الأكثر شيوعاً لعلاقات الصين الوثيقة بالأنظمة السياسية المشوهة إعلامياً في بعض الدول الأفريقية، مثل زيمبابوي.
غير أن سجل مسيرة الصين يشير إلى تحملها مسؤولية نسبية كمستثمر ومقدم للتسهيلات في مشاريع البنى التحتية في الدول النامية. ومن غير المستبعد أن يأخذ التعاطف الأيديولوجي بيد عمليات الاتصال ودعم العلاقات. غير أن علاقة الصين بأفريقيا لا تشي بأن ثمة زحفاً أحمر يطرق الأبواب. ولقد رأينا الصين في العام 2011 تقدم فرصة اقتصادية عظيمة للقارة الأفريقية الفاترة الهمة، وبدا الأمر كأن المستثمرين الصينيين في القطاعين العام والخاص قد جُبلوا بشكل فريد على مساعدة الدول النامية.
وللصين تركيبة اقتصادية متميزة تتيح لها التعاطي ومشاريع ذات تمويلات مالية كبيرة، وبمعايير هندسية هائلة. ولها في الوقت ذاته خبرة بالعمل في ظروف تنمية اقتصادية ومؤسساتية وسياسية رديئة. فللصين بطانة فريدة من القدرات تمكنها من تقديم التمويل المالي وتصميم الهياكل، ولها من الجدارة الكبيرة المشهودة ما يخولها أن تضع هذه الهياكل في مكانها الصحيح بسرعة فائقة.
وتتجلى واحدة من أعظم قدرات الصين في إدارة المشاريع الزراعية وعمليات الزراعة المركَّبة، كضرورةٍ فرضها حجمُ ما لديها من أراض زراعية وسكان. وإذا قارنت بين الصين ودول الشرق الأوسط النفطية، تجد هذه الأخيرة تكتنز ثروات من الأرصدة السيادية، ولكنها لا تفعل غير إتاحة الأموال. فلا مُدخلات ضرورية لديها إلا المال، بينما تمتلك الصين الأموال والمهارات والخبرات الفنية.
|