يمثل الدين العام في مصر نحو 98 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتعتبر هذه النسبة الأعلى عربياً بعد معدل الدين العام في لبنان. وقد أدّت الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر خلال السنوات الخمس الماضية إلى ضغط كبير على اقتصادها، تجلت مظاهره في تراجع الاستثمارات ومغادرة رؤوس الأموال وانخفاض عوائد الخدمات، خصوصاً تلك الناتجة عن قطاع السياحة، وتناقص التحويلات من الخارج وحصول اختلال كبير في ميزان الصادرات والواردات وضعف الإنتاج بشكل عام.
شكلت المساعدات الخليجية وانخفاض سعر النفط عالمياً طوق نجاة موقتاً للحكومة المصرية، ساعدها إلى حد ما في دعم احتياطي النقد الأجنبي بعد انهيار السياحة وخروج المستثمرين. لكن هذا الطوق بدأ بالتلاشي نتيجة توظيف قسم كبير من المساعدات في قطاعات غير مستدامة أو غير إنمائية، كالأجور والمعاشات والدعم الحكومي لقطاع الطاقة وشراء السلع الأساسية وتغطية جانب من ديون النفط المستحقة.
لذلك لم يلاحظ المواطن المصري أثراً معتبراً لهذه المساعدات في زيادة دخله أو تحسين ظروف معيشته. وهذا أمر متوقع، خاصة إذا علمنا أن مجموع هذه المساعدات لا يزيد عن 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري الذي وصل عام 2015 إلى 331 بليون دولار.
المساعدات الخليجية لمصر خلال السنوات الثلاث الماضية تعادل، وفق الأرقام المعلنة، قيمة المبالغ التي أنفقتها الموازنة المصرية على دعم أسعار الطاقة خلال عام 2014 وحده، أي ما مقداره 23 بليون دولار.
من الناحية النظرية، كان بإمكان الحكومة المصرية الاستغناء عن المساعدات الخارجية لو أنها رفعت كامل الدعم عن الطاقة لمدة سنة واحدة فقط. أما من الناحية العملية، فقد قامت الحكومة المصرية برفع جزئي لهذا الدعم، مما وفّر على الميزانية المصرية ما مجموعه 7.2 بليون دولار خلال الأعوام 2012 و2013 و2014 حسب معطيات الوكالة الدولية للطاقة. وهذا يعتبر تطوراً لافتاً لبلد يعاني من اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية، بالمقارنة مع المحاولات المتواضعة لتقليص الدعم الحكومي في بلدان عربية أخرى.
على رغم أن الدعم الحكومي في البلدان العربية يذهب في معظمه لمصلحة الأغنياء على حساب الفقراء، إلا أن تقليص الدعم هو أمر في غاية الحساسية، وقد تكون له عواقب وخيمة إذا لم يتم تعويضه ببدائل مناسبة تشكل شبكة أمان للفئات المهمشة والأكثر احتياجاً. ولنا في تطورات الأزمة التي أصابت سورية والاحتجاجات التي شهدها الأردن والمغرب نماذج تستوجب الكثير من الحذر والتأني عند دراسة رفع الدعم.
مع تباطؤ نمو الاقتصاد وتفاقم الدين العام وتراجع الاحتياطي الأجنبي، اتجهت الحكومة المصرية مؤخراً إلى مؤسسات التمويل الدولية، ساعية إلى الحصول على 12 بليون دولار من صندوق النقد الدولي و3 بلايين دولار من البنك الدولي، و3 بلايين دولار على شكل سندات دولية، و1.5 بليون دولار من البنك الأفريقي للتنمية.
قد يكون هذا التوجه في مصلحة الاقتصاد المصري، إذ ان صندوق النقد الدولي يقدم قروضه لقاء التزامات تستوجب القيام بإصلاحات هيكلية تشمل على سبيل المثال خفض الدين العام، وتقليص عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات بفرض ضريبة القيمة المضافة وترشيد الإنفاق بتخفيض الدعم. ولكن هذه الإجراءات قد تشكل صدمة اجتماعية على المدى القصير، ما لم يقابلها ضمان اجتماعي ودعم حقيقي للغذاء والدواء يستفيد منه الفقراء وذوو الدخل المحدود.
القروض التي ستقدمها المؤسسات الدولية إلى مصر يُفترض توظيفها في قطاعات إنمائية مستدامة تدعم جذب الاستثمارات وتوفر وظائف العمل الخضراء وتتيح فرص الشراكة مع القطاع الخاص. وأياً تكن الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لسد الفجوة التمويلية ومعالجة المشاكل الاقتصادية، فسوف تبقىي هذه الإجراءات قاصرة ما لم تترافق مع مكافحة حقيقية للفساد وتأمين الاستقرار الوطني وتدوير عجلة الإنتاج من جديد.
تمويل التنمية في مصر
تتجه الحكومة المصرية إلى الاقتراض من المؤسسات الدولية لسد الفجوة التمويلية، فهل تكون هذه القروض مدخلاً لتحقيق التنمية أم تتلاشى في قطاعات غير مستدامة؟
"تمويل التنمية في مصر" مقال جديد بقلم عبد الهادي النجار في "منتدى البيئة":